كان وأصبح (11): الموسكي ..من رَبْع أمراء الدولة الأيوبية إلى «سوق شعبية»

آخر تحديث: الخميس 16 مايو 2019 - 9:06 م بتوقيت القاهرة

إنجي عبد الوهاب

لا ينفصل تاريخ الفنون عمارة وتصويرًا ونحتًا عن السياسة والاجتماع والاقتصاد، ولا تقتصر قيمته على الجمال والإبداع والاحتراف، بل هي شهادة حية على أيام خلت وأحداث مضت وشخصيات كان يمكن أن تتوه في غياهب النسيان.

وفي سلسلتنا الجديدة «كان وأصبح» التي ننشر حلقاتها على مدار شهر رمضان، نعرض نماذج لحكايات منشآت معمارية أو قطع آثرية مصرية تنتمي لعصور مختلفة، تسببت التحولات السياسية والاجتماعية في تغيير تاريخها، أو إخفاء معالمها، أو تدميرها بالكامل، لتخبو بعدما كانت ملء السمع والبصر.

وتنشر الحلقة الجديدة من هذه السلسلة يومياً في الثامنة مساءً بتوقيت القاهرة
ونتناول في هذه الحلقة أحد أعرق وأقدم أحياء القاهرة منذ إنشاءه، أنه حي الموسكي الذي تحول عبر 9 قرون من رَبْع لأمراء وعلية قوم الدولة الأيوبية، ثم صرح تجاري في عهد الأسرة العلوية، إلى "سوق شعبية".

الموسكي .. "رَبْع عمره 9 قرون"
بدأت حكاية رًبْع الموسكي قبل نحو 9 قرون في عصر الدولة الأيوبية؛ إذ تعود تسمية منطقة الموسكي أعرق وأكبر شوارع منطقة الأزبكية قديمًا نسبة إلى الرَبْع الذي أنشاه الأمير عز الدين موسك، ابن خال السلطان صلاح الدين الأيوبي وعاش فيه في القرن الـ12 وأنشأ به القنطرة المعروفة بـ«قنطرة الموسكي»، كانت المنطقة تحوي قصور الأمراء وأملاكهم، وعاش بها صلاح الدين عقب عودته من الشام برفقة أمراء عائلته، وكانت منطقة حيوية بها العديد من الحوانيت والوكائل والخانات التجارية التي يغلب عليها الطرز العربية الإسلامية، وتنتهي إلى رحب الرَبْع الجامع الأزبكي، بحسبما أورده الجبرتي في كتابه « عجائب الآثار في التراجم والأخبار».

قدمت الحملة الفرنسية بعد 6 قرون من إنشاء رَبْع الموسكي وقنطرته، بين العامين (1798-1801م)، وهدمتهما وما جاورهما حتى البوابة المعروفة بالعتبة الزرقاء حيث يقع جامع الأزبكي وصولًا للأشرفية ثم إلى خان الخليلي وأنشاوا حوائط من الحجرعلى حواف القنطرة المهدومة، كما هدموا بيوت الأمراء بها وأخذوا أخشابها لعمارة قلاعهم، وأنشأوا طريقاً على حطام قنطرة ورَبْع الموسكي وصولًا إلى ميدان جامع أزبك، لكن هذا الطريق ظل محتفظًا باسمه المنتسب إلى الأمير عز الدين موسك؛ فسمي طريق الموسكي، وظل أيضًا محتفظًا بطابعه التجاري.

الأسرة العلوية وخريطة جديدة للموسكي
اهتم محمد علي فور توليه حكم مصر بالطرق التجارية على الصعيدين البحري والبري، ونظرًا لحيوية منطقة الموسكي ذات الطابع التجاري الحيوي الذي يتوافد إليه الأجانب، مُهدت منطقة الموسكي ثم توسعت في عهده بإنشاء شارع السكة الجديدة (شارع الأزهر حاليًا)، على امتدادها، ثم أمر بتسمية شوارع القاهرة وترقيمها، وأطلق اسم شارع الموسكي على المنطقة بعد التوسعات التي طالتها وصولًا إلى حتى الاستبالية الملكية بالأزبكية، وكان عرض الشارع آنذاك يبلغ نحو 8 أمتار.

وفي منتصف القرن أنشأ رجال الأعمال الأمريكيون القادمون لمصر مدرسة للبنين وأنشأ الفرنسيون مدرستين للبنين أيضاً في حي الموسكي في عام 1854م.

أستأنف الخديوي إسماعيل عمليات تطوير منطقة الموسكي التي بدأها جده محمد علي، عقب توليه الحكم في عام 1863 م، وأدرجت منطقة الموسكي ضمن خطته لتطوير القاهرة الخديوية التي بداها فور عودته من باريس عام 1867م، وكان إسماعيل يطمح في جعل القاهرة باريس الشرق، وفي عهده توسعت منطقة الموسكي امتدت بإضافة شارع السكة الجديدة الذي ألحقه محمد علي بها وصولًا إلى مكان جامعة الأزهر حالياً، مع احتفاظ المنطقة باسمها أيضًا.

أما الطابع المعماري لمنطقة الموسكي الموسعة في عهد إسماعيل فامتزجت به الطرز الإسلامية بطرز الباروك والروكوكو الأوروبية، إذ كانت متاخمة لمنطقة الأزبكية التي ضمت 3 مسارح كبرى كـ"دار الأوبرا الخديوية" و"تياترو حديقة الأزبكية" و"المسرح الكوميدي الفرنسي" ونالت جانبًا من التطورات الواقة بها، وأخذت منطقة الموسكي إلى جانب طابعها التجاري، طابع فني وثقافي زادها أهمية وحيوية في عهد الخديو إسماعيل.

ونظرًا لأهمية هذا الحي الحيوي، دعا الخديو إسماعيل في 17نوفمبر 1869 ملوك وأمراء الدول ورؤساء الشركات التجارية الكبرى لزيارة معالم القاهرة مع انطلاق الاحتفالات بافتتاح قناة السويس، وقضاء 5 أيام في القاهرة وكان برنامج اليوم الأول لهذه الرحلة هو زيارة حي الموسكي المطور في عهده.

ملامح منطقة الموسكي بين أمس واليوم
جمع حي الموسكي على مدار 9 قرون مضت بين مختلف المباني الدينية التي تنتمي لعصور متتابعة؛ فبه العديد من المساجد الآثرية كـ" مسجد العزباني" ، و"مسجد الرويعي"، و"الجامع الأحمر"، إلى جانب العديد من الكنائس كـ"كنيسة الأرمن الغرغوري"، و"كنيسة الإفرنج الكاثوليك" و"الأرمن الكاثوليك" ، فضلًا عن العديد من المعابد كـ" كنيس موسى بن ميمون".

تطورت جغرافية منطقة الموسكي على مر العصور، وصولًا إلى انحسارها في رقعة صغيرة على مقربة من حي العتبة حاليًا، لكنها ظلت متمسكة باسمها الذي أبى أن يتغير رغم مرور 9 قرون، أما ملكيتها فآلت في بداية إنشاءها في العصر الأيوبي لأمراء الدولة وعِلية القوم، ثم تطورت رويدًا رويدًا لتضم كبار التجار، حتى أصبحت منطقة تجارية، ومع التغيرات الديموغرافية مؤخرًا تحولت الموسكي إلى "سوق شعبي".

وغدًا حلقة جديدة..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved