جمال قطب يكتب : الدستور وعقده الاجتماعى ــ ب

آخر تحديث: الخميس 16 مايو 2019 - 10:16 ص بتوقيت القاهرة

ناقشنا بالأمس سبب التعاقد (الدافع الأساسى) لإنشاء العقد، وتكلمنا عن «المتعاقدين» كما أوضحنا «إرادة المتعاقدين». واليوم نستأنف النظر فى بقية أبعاد العقد الاجتماعى.

(د)

محل العقد: ومحل العقد الاجتماعى هو حقوق المواطنين وواجباتهم تجاه بعضهم البعض. وهذه الحقوق والواجبات ليس من السهولة حصرها ورصدها نظرا للزيادة الدائمة فى أعداد المتعاقدين، وتزايد وتجدد الحاجات، فضلا عن الزيادة المتسارعة فى وسائل إشباع الحاجات وتطورها. وكل ذلك يجعل رصد «محل العقد» مسألة صعبة. ورغم صعوبة الرصد فإن التعاقد لا يصح بالعبارات الفضفاضة والأساليب البلاغية الخطابية، إذ لابد من ألفاظ واضحة التعبير وجمل وعبارات يمكن تحقيقها ويمكن تقويمها ويمكن تقدير حجم التقصير فى إنجازها، فضلا عن إمكانية المحاسبة عليها. لذلك يستعين الفقه الإسلامى بمقاصد القرآن كعناوين رئيسة لبيان محل العقد.

(د)

يتمثل محل العقد الاجتماعى فى ثلاثة فروع:
1) «توفير وتحسين مقومات تزكية الإنسان».
2) «توفير وتحسين مقومات إعمار الوطن».
3) «المشاركة الإيجابية فى دعم الجهود الدولية الساعية لإحلال السلام والرخاء فى العالم».
هذه الفروع الثلاثة لمحل العقد الاجتماعى هى القدر المشترك الذى يجب أن يتعاون فيه جميع المواطنين من أجل إحلال الرخاء والاستقرار داخليا وإحلال السلام والتكافل خارجيا.
وقد جرت عادة الدساتير خصوصا فى البلاد العربية والشرقية على صياغة هذا المحل فى صورة شعارات وتعبيرات بلاغية تستحوذ على إرضاء المواطنين، فضلا عن عدم قابليتها للقياس والمتابعة والمحاسبة، وهذا ما يعيب «القانون الدستورى» أشد عيب.

(د«)
وصياغة الفرع الأول من محل التعاقد الذى ينص على «توفير وتحسين مقومات تزكية الإنسان» يمكن التفكير فيه على النحو التالى:
ماهو المقصود بمصطلح «تزكية الإنسان»؟ ما هى عناصر تزكية الإنسان ماديا ومعنويا؟.
والمقصود بتزكية الإنسان: جعل الإنسان متمكنا من تحقيق متطلبات حياته بحيث لا تجرح كرامته ولا تنقصه ضرورات. ومقومات التزكية إما مادية وأما معنوية. والمقومات الضرورية المادية قد ذكرها القرآن الكريم فى قوله تعالى (إنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ).
وقد استفاد الفقهاء من هذه الآية ضرورة توفير: الطعام والشراب والكساء والسكن والدواء. وضرورة تحسين العناصر وجعلها فى متناول الجميع، وضمان توفيرها لغير القادرين. فتتجه، الجهود الرئيسة لجميع الموقعين على العقد الاجتماعى لإنجاز هذا الركن بأعلى مستوى من الكفاية والإتقان.

(د««)

أما صياغة الفرع الثانى من العقد الاجتماعى وهو: توفير وتحسين مقومات إعمار الوطن فإن ذلك يدور حول تعهد جميع المواطنين بالبحث والاستقصاء عن جميع موارد الوطن سواء من باطن الأرض (الموارد التعدينية) أو من ظاهر الأرض (الثروة النباتية والثروة الحيوانية) أو الثروة المائية (من البحار والأنهار والمسطحات المائية الداخلية)، وأيضا ما يزدحم به الفضاء (الغلاف الجوى للوطن) من خيرات مثل ( الطاقة البديلة من الشمس...إلخ)، وكل هذه الموارد شىء وإعداد واستثمار الثروة البشرية شىء آخر، وهو الأهم.

(د«««)
أما الفرع الثالث فى العقد الاجتماعى وهو المشاركة الإيجابية فى دعم الجهود الدولية الساعية لإحلال السلام والرخاء، فإن النصوص الدالة على ذلك فى الدستور هى المبادئ التى يعتنقها الشعب ويتوافق فيها مع سائر الدول المتحضرة مثل: نبذ الحرب وعدم الاعتماد على العنف، والتخلى عن أى صورة من صور التمييز العنصرى، وتبنى الشعب ودولته مبدأ التعاون الدولى والتكافل.
هذه هى أهم ما يتضمنه العقد الاجتماعى. والعقد الاجتماعى معقود بين جميع المواطنين فى صورة تعهد يتكاتف الجميع على إنجازه؛ حيث إن هذا العقد متكفل بضرورات المجتمع التى لا يستغنى عنها أحد. كما أن هذه الضرورات التى تسببت فى إيجاد العقد السياسى (العقد الثاني) حيث إن تنظيم المجتمع وحشد قواه لانتاج الضرورات يحتاج إلى تخطيط وتنظيم سياسى.
يتبع...

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved