نبيل فهمي يكتب: ضرورة التحول من قانون القوة إلى قوة القانون

آخر تحديث: الإثنين 16 مايو 2022 - 8:46 م بتوقيت القاهرة

منذ الحرب العالمية الثانية والمفاهيم الأساسية الحاكمة للنظام الدولى المعاصر تُطرح أو تُطبق فى المقام الأول لمراعاة المصالح الرئيسية للدول العظمى، الاتحاد السوفيتى ثم روسيا والولايات المتحدة، ومع تطور الأحداث دخلت الصين فى المعادلة الكونية، وفى هذا السياق حازت الدول غير المنحازة والنامية على مساحة محدودة وإنما هامة مع حصول المزيد منها على استقلالها.
وظل النظام الدولى ولايزال إطارا لصراع جيوبوليتيكى بين الأقطاب الدولية الرئيسية، وإنما طُرح أولا من منظور أيديولوجى، شيوعى أو اشتراكى من جانب وديموقراطى رأس مالى من جانب آخر، ومع تفكك الاتحاد السوفيتى، وتبنى الصين سياسات اقتصادية أكثر كفاءة وتنافسية على نمط اقتصاديات السوق مع الاحتفاظ بالملكية الأوسع للحكومات أو مؤسسات الدولة، شهدنا مرحلة من الريادة الغربية للأوضاع الدولية، وخاصة من قبل الولايات المتحدة، وتنامى الطموح والجنوح الغربى لتوسيع نجاحاتها الجيوبوليتيكية من خلال تغيير أكبر عدد من الأنظمة السياسية الوطنية للدول لتتطابق أو تقترب للأنظمة الغربية، تحت راية نشر الديموقراطية عالميا، بدعوة أن النزاعات فيما بين الدول الديموقراطية أقل بكثير عنها فيما بين الدول غير الديموقراطية.
على المستوى الشخصى أؤيد وأُفضل تبنى الدول الوطنية نظما سياسية ديموقراطية، فى أسسها الرئيسية ألا وهى حكم الشعب بالشعب وللشعب، على أن يكون ذلك خيارا وطنيا خالصا.
مع هذا، أتحفظ كثيرا على الدفع الغربى فى هذا المجال، لأن أغلب الدول الغربية الديموقراطية لا تمارس الديموقراطية فى علاقاتها الدولية، وتغلب مصلحتها الوطنية على حقوق الشعوب، وتتمسك بأن لها حقوقا مكتسبة ثابتة ووضعية خاصة، مما يتعارض مع المفهوم الرئيسى للديموقراطية، وهو المساواة بين أفراد المجتمع، فلا مصداقية للدعوة إلى الديموقراطية الوطنية مع تجاهلها فيما بين الدول خاصة ونعيش فى عصر العولمة المتشابك والمتواصل.
والسبب الثانى لتحفظى على الموقف الغربى والداعى أن الديموقراطية هى العمود الفقرى لاستقرار النظام الدولى، هو أنها لا تحترم القانون أو حقوق الغير، والمثال الأبرز شرق أوسطيا كان ولايزال إسرائيل، ومن قبلها جنوب أفريقيا قبل انتهاء الابرتايد فى البلاد.
والسبب الثالث هو عدم قناعتى بأن الدول الديموقراطية أكثر نقاء فى تعاملاتها وأقل خروجا عن القانون فى ممارساتها الدولية، والغزو الأمريكى للعراق مثال قاطع على ذلك.
وواجهت السياسات الغربية الداعية إلى نشر الديموقراطية عالميا تحفظات عديدة، بل أثرت سلبيا على مصداقية الديموقراطية كمنظومة سياسية مفضلة فيما بين الشعوب، خاصة مع مبالغة الغرب فى تصوير الأحداث على الدوام على أنها صدام أو صراع بين محبى الديموقراطية ومعارضيها، وعلى وجه الخصوص لتبرير سياسات غربية وأمريكية مرفوضة تماما حتى من قبل بعض الدول الديموقراطية الغربية فى العراق، ومرة أخرى بالنسبة لأحداث أوكرانيا الأخيرة، وهو ما انعكس على تصويت دول ديموقراطية قريبة من الغرب رفضت السياسات المطروحة وترفض المشاركة فى فرض العقوبات على روسيا، ومن تلك الدول البرازيل والهند وإندونيسيا والعراق والمكسيك وجنوب أفريقيا، وهو مؤشر أن أغلب الشعوب التى تعيش فى نظم ديموقراطية فضلت عدم الانسياق وراء هذا الطرح الأيديولوجى للأمور، وهو ما أشار إليه الكاتب الأمريكى فريد زكريا أخيرا فى مقال أسبوعى هام.
قد يكون تحفظ بعض هذه الدول الديموقراطية فى تأييد النهج الأمريكى الغربى المطروح مرجعه وجود مصالح وطنية مع عدد من الدول غير الديموقراطية مثل الصين، مما يجعلها على غير استعداد للمشاركة فى صدام مباشر بين الدول الديموقراطية والأوتوقراطية.
هل يعنى هذا أن المنظومة الأوتوقراطية الوطنية هى الأفضل، لا أعتقد ذلك، لأن هذه المنظومة لا تشمل مصالح الكل، وترجح أصحاب القرار أو المقربين له، وأعتقد أن السعى لتحقيق الديموقراطية يجب أن يظل فى الإطار الوطنى دون تدخل مباشر من الغير، وإنما من الأهمية بمكان تحصين النظام الدولى بقواعد قانونية تحكم العلاقات بين الدول، وهذا فى مصلحة الدول متوسطة الحجم والقوة فى المقام الأول.
وأنتهز هذه المناسبة لأكرر أنه إذا كان لدى تحفظ على الطرح الغربى للأمور والمعايير المزدوجة، وأتفهم ضيق روسيا من ذلك فلدى تحفظ شديد على تجاوز روسيا الحدود الأوكرانية عسكريا فى ممارسة واضحة يغلب فيها قانون القوة على قوة القانون.
وما أراه مناسبا هو تركيز الكل، غربا وشرقا والدول المتوسطة، على السعى لبلورة وتدعيم منظومة دولية ترسخ على قواعد القانون الدولى، وتحكم الدول الديموقراطية وغير الديموقراطية على حد السواء، وهى منظومة ستحظى بتأييد الغالبية العظمى من دول العالم، وتحصن الكل من الضغوط الآنية والخلل فى توازن القوة، أو المصالح قصيرة الأجل التى تنتقص من مصداقية واستقرار الترتيبات الدولية، وإنما نجاح ذلك يفرض على جميع هذه الدول وعلى رأسها الدول الكبرى تجنب الازدواجية فى المعايير فى سياساتها والتزاماتها القانونية الدولية، أى أن على الدول الكبرى غربا وشرقا احترام القانون الدولى فى ممارساتها.
مرة أخرى أدعو إلى تغليب قوة القانون على قانون القوة، قولا وفعلا، دون مواربة أو تناقضات، إذا كنا بالفعل نسعى إلى نظام دولى أكثر أمنا واستقرارا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved