من محو الأمية إلى الدكتوراه.. رحلة كفاح بنت العمدة في مواجهة العادات

آخر تحديث: الخميس 16 سبتمبر 2021 - 8:33 م بتوقيت القاهرة

إلهام عبد العزيز

لم تكن تعلم هذة الطفلة التي مُنعت من التعليم، طبقاً لعادات وتقاليد القبيلة، أن الإرادة تصنع المعجزات، وبدأت رحلة التحدي من الانضمام لفصل محو الأمية بالقرية، لتصل يوماً إلى منصة مناقشة الدكتوراه.

إنها الدكتورة لبنى صالح عبد المولى سليمان، بنت قبيلة الرماح، إحدى القبائل العربية بمحافظة الفيوم، وكان والدها عمدة قرية المحمودية التابعة لمركز إطسا.

وكانت للقبيلة تقاليد وعادات لا يمكن تجاوزها أو الخروج عنها، وأهم هذه العادات هو منع البنات من التعليم، خوفاً عليهن ولبعد المسافة بين القرية والمحافظة، حيث إن القرية تقع بالقرب من وادي الريان، في الصحراء الغربية للفيوم على حدود ليبيا.

ومن هذه الظروف، خرجت لبنى صالح، تلك الطفلة الصغيرة التي يراودها حلم الدكتوراه وتتمتع بالارادة القوية، وشاء القدر لها أن تخطو أول خطوة نحو الحلم، عندما تم فتح فصل لمحو الأمية بالقرية لتلتحق به وتبدأ قصة الكفاح.

وقالت لبنى، في حوار خاص لـ"الشروق": ولدت في أسرة ترفض تعليم البنات، ولم تكن الأسرة فحسب ولكن القرية بأكملها، فالكل يفضل الزواج للبنات ولا يؤيد التعليم لهن، وشعرت بسعادة بالغة عندما علمت بفتح فصل محو أمية في قريتي وأقنعت والدي أن التحق به لأتعلم القراءة والكتابة، وبالفعل وافق والدي.

بداية الرحلة

بدأت رحلة التعليم في سن 12 سنة، عام 1998 وكانت تذهب للفصل ساعتين كل يوم بعد العصر، وأضافت لبنى: كنت أتمتع بسرعة البديهة، لذلك تعلمت القراءة والكتابة في 3 شهور، ولاحظت المعلمات أني أتعلم وأحفظ بسرعة، واستمريت على هذا النحو، حتى تمنى والدي أن لو كان ألحقني بالتعليم منذ صغري، لكنه توفى في هذه الفترة قبل أن أحقق له حلمه.

الإرادة والعزيمة

وتابعت لبنى: امتحنت في فرع الهيئة العامة لمحو الأمية بالفيوم وحصلت على الشهادة الابتدائية عام 2001، وبعدها علمت أنه يمكنني الالتحاق بالإعدادية بعد هذه الشهادة، وقدمت أوراقي للمدرسة الإعدادية ولكن لبعد المسافة وعادات القبيلة، كنت أذهب في أيام الامتحانات فقط، وطوال فترة الدراسة كنت أذاكر الدروس لنفسي، وكان أخي وزوجته يساعدوني ويشجعوني، وفي السنوات الثلاثة كنت أحصل على أعلى الدرجات حتى حصلت على الشهادة الإعدادية.

الثانوية وبداية مختلفة

وأضافت: بعدها التحقت بالمدرسة الثانوية بقرية الغرق وتعتبر أقرب مدرسة لي بالنسبة للمسافة، وفي الثانوية كانت أول مرة لانتظامي في الدراسة وكنت أذهب إلى المدرسة، بعكس الإعدادية التي قضيتها منازل.

وبعد 3 سنوات حصلت على الشهادة الثانوية وكنت الأولى على المدرسة والإدارة بمعدل 97% أدبي، وكنت أتمنى الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولكن تقاليد العائلة حالت بيني وبين هذا الحلم، لأن الكلية غير موجودة بجامعة الفيوم، ولذلك كان عليّ الذهاب إلى القاهرة لأقضي فترة الجامعة وهذا مرفوض تماماً حسب تقالدينا.

في رحاب الجامعة

وتقدمت بأوراقي لألتحق بكلية الآثار جامعة الفيوم، وسعدت بالدراسة فيها كثيراً وتخصصت في الآثار الإسلامية، وأثناء الدراسة نشرت عددًا كبيرًا من الأبحاث وحضرت الكثير من المؤتمرات في مجال تخصصي وتخرجت من الكلية عام 2011 بتقدير جيد جداً.

تحقيق حلم الطفولة

لم أتوقف عند هذا الحد من الدراسة، وأردت استكمال الدراسات العليا ولكن في هذا العام لم تكن متاحة بجامعة الفيوم، ولكن لم أيأس، وعكفت على قراءة الكتب، وفي 2013 بدأت دراسة تمهيدي ماجستير في تخصص الآثار الإسلامية وبعد عام، أي في بداية 2014 سجلت رسالة الماجستير وبعدها بثلاث سنوات حصلت على درجة الماجستير بتقدير امتياز.

وأردفت: في عام 2018 سجلت رسالة الدكتوراة وحصلت عليها في مايو 2021 بتقدير مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بالطبع والتبادل بين الجامعات، وهذا أعلى تقدير.

دعم الأسرة

واستكملت: عندي أخ واحد و6 بنات، أخي يعمل بالمعهد القومي للبحوث وساعدني كثيراً ودائماً ما كان يدعمني، وكذلك والدتي كانت تحثني على استكمال مسيرة الدراسة، وبالنسبة لأخواتي البنات، كلهن ربات منزل، ما عدا أختي الصغيرة كانت تعيش مع خالتي بعيداً قيود العائلة واستطاعت الذهاب إلى المدرسة واكملت تعليمها وحصلت علي بكالوريوس دار علوم بجامعة الفيوم.

وصية غالية

تقول لبنى: حتى الآن ما زلت أكتب الأبحاث في الآثار الإسلامية لأني أحب القراءة ولا أمل من التعليم، وأنصح كل البنات أن تهتم بالتعليم والكفاح؛ لأن العلم يغير الحياة للأفضل، وأن لا يجعلن الزواج فقط هو الشيء الأساسي بالحياة ولكن التعليم أساس نجاح الزواج، فحين تكون الزوجة مثقفة وواعية، حينها تستطيع ان تخرج أجيالاً واعدة تفيد المجتمع.

رسالة إلى الرئيس

واختتمت لبنى حديثها بالقول إن اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بحقوق المرأة جعلها تشعر بالسعادة وتجدد الأمل فيها، وتمنت لو وصل صوتها له لأنها حتى الآن لم يتم تعيينها، فهي تتمنى أن تكمل العمل في مجال دراستها الذي أحبته كثيراً.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved