«دبابة تحت شجرة عيد الميلاد».. تحكي عن فلسطين المحتلة بالعزف على البيانو

آخر تحديث: السبت 17 أكتوبر 2020 - 12:59 م بتوقيت القاهرة

عبدالله محمد

«لقد بنى هذا العدو أسطورة احتلاله لفلسطين بأنها كانت صحراء، وسيحوّلها إلى جنة! ولكن فلسطين كانت دائما جنة، وكل ما يفعله الاحتلال هو تحويلها إلى صحراء».
الكاتب الفلسطينى «إبراهيم نصرالله» استطاع تحويل هذه المقولة إلى مشروع روائى يضم 12 رواية تغطى 250 عاما من التاريخ الحديث لفلسطين بعنوان «الملهاة الفلسطينية»، رحلات متجددة فى التاريخ والذاكرة الفلسطينية، نبع لا يجف من الحكايات التى تتوارثها الأجيال وتتجدد بالكتابة عنها.
منذ أيام أعلنت جائزة كتارا فوز إبراهيم نصر الله بالجائزة عن الرواية الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون، والتى صدرت طبعة مصرية لها بالتعاون مع مكتبة تنمية. والرواية إحدى روايات «ثلاثية الأجراس» المُتصلة، المستقلة، وهى الثلاثية التى تنضم لسلسلته الروائية الأبرز «الملهاة الفلسطينية».
بدأ نصر الله العمل على السلسلة الروائية الجديدة منذ عام 1990، عبر زيارات عدة لإبراهيم نصر الله لبلدة بيت ساحور منذ عام 2009 التى يدور مسرح الرواية بها بشكل رئيسى. وتتحدث الثلاثية عن فلسطين «الحب، الفن، التصوير، الغناء، الموسيقا والنضال، وتأتى «ثلاثية الأجراس» امتدادًا لـ«الملهاة الفلسطينية»، محتضنا نصر الله بداخله ثلاثة أعمال روائية هى: «ظلال المفاتيح»، «سيرة عين»، و«دبابة تحت شجرة عيد الميلاد».
عام 1917 هو زمن رواية «دبابة تحت شجرة عيد الميلاد» التى يتأمل فيها نصر الله حال فلسطين على مدى 75 عاما بدءا من الحرب العالمية الأولى حتى نهاية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، متتبعا ما عاشته فلسطين من تحولات عن طريق تتبع عائلة بجميع أجيالها، فى فترة عصيانها المدنى، مدققا ومحللا وموضحا أحوال المجتمع، يتجول بين البيوت فى زمن مواجهة الاحتلال، حيث ينتقل بنا ما بين بيت ساحور، بيت لحم، والقدس، وغيرها من المدن الفلسطينية.
وجاء «نصر الله» بهذا الجزء «الرواية الثالثة» ختاما للثلاثية لكى تكتمل القصة وتملأ الفراغات التى ظلت علامات الاستفهام أمامها فى الروايتين السابقتين «ظلال المفاتيح»، و«سيرة عين»، من خلال سيرة حياة عائلة «إسكندر» العائد من ويلات الحرب العالمية الأولى شبه ميت لكنه استطاع أن يتشبث بالحياة ويتزوج من «مرتا» شابة من مدينة القدس لا تحب شيئا فى حياتها قدرالغناء والعزف على البيانو، فتنطلق بنا نقطة البداية من فلسطين تحديدا عام 1943، حين التقت مَرتا بفريد الأطرش الذى كان بصحبة تحية كاريوكا، للاستعداد لحفلة غنائية.
ومرتا هى فتاة متوسطة الجمال من عائلة مقدسية غنية، متزوجة من إسكندر، يرتب الأب هذا اللقاء مع النجم فريد الأطرش، لتغنى ابنته فقام بتقديم مرتا له وتعرفا سويا على بعضهما البعض، وها هى اللحظة المرتقبة التى تغنى فيها مرتا، سنعرف فيما بعد أن هذا الأب هاجر إلى البرازيل وقد كان على علاقة قوية برجال الدولة العثمانية.
وما بين العودة من البرازيل، وقدوم البيانو لمرتا وقصة الزواج من إسكندر، والصدمة التى أتت بصحبة عمة مرتا، فى زيارتها المفاجئة، وبين الفتاة الجميلة التى تدلى شعرها مثل راية سوداء، لم تغادر مكانها، والتى أعجب بها إدوارد، مرورا بالفصل الثانى الذى يبدأ بمفاجأة الكاميرا التى كانت حلم موشيه منذ صغره والتى سرعان ما سيدخل بها هذا المحتل المغتصب للأرض وتتبدل إلى البندقية فبدلا من التقاط الصور، سيلتقط الأرواح، ونعرج على الكثير من التفاصيل المليئة بكواليس الأوضاع فى مختلف الأماكن فى فلسطين، وعن العادات وشكل التعايش فى المجتمع المحتل، ومشاكسات مرتا وزوجها إسكندر، ومرورا بحادثة استشهاد سامى الأنصارى أستاذ اللغة الإنجليزية.
تلك القصة معنية بقرية بيت ساحور، الأولى فى إعلان العصيان، توضح كيف حرصت الإدارة العسكرية على إذلال الناس ودفن بوادر التمرد، إبراهيم نصر الله الذى يكتب بأسلوب سهل ممتع استطاع أن يدفعك لحب البلاد وأهلها، بل جسدهم لك بشكل بالغ الدقة، فهو يربطك بكل شخصية بخيط متين عن طريق جملةٍ تتكرر كثيرًا حتى تجد نفسك ترددها بدون وعى منك أو ما يسمى «اللزمة»، يوضح لنا فى هذا العمل كيف أن البطولة هناك بسيطة أمر أضحى اعتياديا، رغم أن كل شيء يسير تجاه نقطة الانفجار إلا أن الجميع أبطال بطريقةٍ ما، يفتح لك بابا معينا لتدخل وترى كل بيت، لتعلم أن مواطن الفرح وراءها صرخات وعويل وبكاء.

لماذا يدخل الفلسطينيون كل مرحلة أكثر إنهاكًا من ذى قبل؟ ربما لأن الانتفاضة تتسع لكنها تبقى وحيدة؟ ربما لأن الجميع يعانى من إصابات يسمونها «إصابة وطنية» وأصبح من الصعب لملمة ملامح إنسانيتهم المهشمة، أو لأنهم ينظرون لكل شيء كأنهم يودعونه، فكل خطوة تتحول لرحلة لا عودة منها، ربما لأن الزمن بارع فى حسم كل المعارك حتى وإن ترك فُتات نصرٍ ما؟
إبراهيم نصر الله يسرد الحكايا، ويورط القارئ معه فى اقتراب إعلان الحرب فى الفاصل بين المقطع وما يليه، أو يجعله يردد ما قاله غسان كنفانى فى كتابه الأدب الفلسطينى المقاوم تحت الاحتلال: «ليست المقاومة المسلحة قشرة، هى ثمرة لزرعة ضاربة جذورها عميقا فى الأرض، وإذا كان التحرير ينبع من فوهة البندقية، فإن البندقية ذاتها تنبع من إرادة التحرير، وإرادة التحرير ليست سوى النتاج الطبيعى والمنطقى والحتمى للمقاومة بمعناها الواسع: المقاومة على صعيد الرفض، وعلى صعيد التمسك الصلب بالجذور والمواقف. ومثل هذا النوع من المقاومة يتخذ شكله الرائد فى العمل السياسى والعمل الثقافى، ويشكل هذان العملان المترافقان اللذان يكمل واحدهما الآخر الأرض الخصبة التى تستولد المقاومة المسلحة وتحضنها وتضمن استمرار مسيرتها وتحيطها بالضمانات.
ومن هنا فإن الشكلَ الثقافى فى المقاومةِ يطرح أهمية قصوى ليست أبدا أقل قيمة من المقاومة المسلحة ذاتها، وبالتالى فإن رصدها واستقصاءها وكشف أعماقها تظل ضرورة لا غنى عنها لفهم الأرض التى ترتكز عليها بنادقُ الكفاحِ المسلح.

إبراهيم نصر الله ولد فى عمان لأبوين فلسطينيين، له العديد من الإصدارات الشعرية والروايات والكتب النقدية وكتب السيرة، وأقام معارض فوتوغرافية، ونال 9 جوائز منها جائزة البوكر العالمية للرواية العربية عام 2018 عن روايته «حرب الكلب الثانية»، وجائزة كتارا للرواية العربية عن رواية «أرواح كليمنجارو» عام 2016 يضاف إليها حصوله عليها مرة أخرى هذا العام، وجائزة سلطان العويس للشعر العربى عام 1998.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved