120 دقيقة فى حضرة وحيد حامد.. «الشروق» تنشر حكايات ما قبل مشهد الوداع فى مهرجان القاهرة

آخر تحديث: الأحد 17 يناير 2021 - 7:23 م بتوقيت القاهرة

أحمد فاروق:

* كل من جاء للقاهرة فى مناخ الستينيات تأثر بالثقافة والفنون حتى لو كان قطعة من الخشب
* الإرهاب فرض نفسه على أعمالى.. و«الجماعة 3» يطرح سؤالًا: لماذا انقلبت الدنيا فى مصر؟
* الإسلام دين سماحة وبشاشة.. ومن حظنا العثر أن جماعة دينية فرضت سطوتها على مجتمع كان متحضرا
* عشت طفولتى وصباى فى مجتمع جميل لا يعرف التعصب كالذى نسجه بهاء طاهر فى «خالتى صفية والدير»
* وقعت فى غرام شخصية «المعلم بنورة» فى «أوان الورد».. والعدالة هى قضيتى
* كنت أترقب رد فعل الناس على أفلام ابنى مروان بعد عرضها.. ونجاحه أسعدنى
* لم أعمل إلا مع مخرجين على نفس الموجه الفكرية لنعزف معا اللحن الواحد
* عندما يزيد حجم التدخل فى السيناريو عن الحد المسموح به أتخذ موقفا حاسما كما فعلت فى «قصاقيص العشاق» و«رغبة متوحشة»
** عندما أكتب سيناريو يكون بداخلى فكرة أريدها أن تصل للناس.. وعندما أختلف مع المخرج أفضل الانفصال حتى لا يخرج المشروع مشوهًا
* لم أحول رواية لفيلم إلا إذا أحببتها وتحولت إلى جزء منى
* الجامعات تعطى شهادات لكنها لا تصنع بشرًا.. وعندما أشرفت على ورشة السيناريو بمعهد السينما خيرت الدفعة بين الشهادة والرغبة فى التعلم
* منحت يسرى نصر الله فيلما شعبيا لثقتى فى حرفيته كمخرج.. وسؤال «مين هيجيب التانى الأرض» كان نزعات شريرة
* الإذاعة المصرية اعتبرتنى من أهم كتابها.. والشارع كان يقف عند بث مسلسل «الخامسة والربع»

 


«طير زى ما أنت عاوز وميهمكش.. أنا سايبلك الحرية الكاملة تكتب اللى أنت عايزه».. كان هذا رد الكاتب الكبير وحيد حامد، عندما تواصلت معه أغسطس الماضى، بصفتي مديرا للمركز الصحفى بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، لتنسيق المعلومات، التى سيتم الاستعانة بها فى بيان تكريمه بجائزة الهرم الذهبى التقديرية فى الدورة 42 والتى أقيمت فى الفترة من 2 إلى 10 ديسمبر الماضى، ورغم هذا التفويض من صاحب الشأن، فإننى فضلت التواصل معه مرة أخرى بعد الانتهاء من كتابة النسخة المبدئية ليراجعها ويدقق المعلومات بنفسه، كما أنها فرصة للحصول وجها لوجه على تصريح خاص يتحدث فيه عن إنجاز العمر الذى استحق عنه هذا التكريم الذى كان استثنائيا فى كل شيء.
لم يفضل الأستاذ وحيد الدخول فى تفاصيل تليفونيا، وبادر بدعوتى لمقابلة فورية: «لو أنت قريب تعال نشرب قهوة واسأل فى اللى أنت عايزه»، ولكن كان اللافت أنه غيَّر مكانه المفضل الذى يستقبل فيه ضيوفه لأكثر من 20 عاما، بأحد الفنادق المطلة على نيل القاهرة، ليجلس فى فندق مجاور يطل أيضا على النيل، ومن هنا كان مدخل الحديث الشيق فى هذه الجلسة التى استمرت قرابة الساعتين، تم التطرق خلالها لموضوعات متشعبة حول مسيرته، فكانت الحصيلة مزيجا من الحكايات المثيرة والآراء الجريئة، والتى تكشف معا جوانب مهمة من شخصية وحيد حامد.
عند دخولى المطعم الإيطالى بالفندق فى الموعد المحدد، وجدته يجلس على طاولة منفردا، وأمامه حقيبته، وحلقات يواصل كتابتها لمسلسل «الجماعة 3» الذى لم يكتمل، فسألته أولا، عما إذا كانت هذه الجلسة ستعطله عن العمل، فأجاب مبتسما: بالعكس، أنت وصلت فى وقت مناسب، منذ المكالمة بيننا قبل ساعة وأنا حائر فى مسألة مرتبطة بمسلسل «الجماعة 3»، فقد وصلتنى معلومات جديدة، وبعد تفكير رأيت أنه لا بديل عن إجراء تعديلات على حلقات كنت قد انتهيت منها بالفعل، وهذا سبب توقفى اليوم عن مواصلة الكتابة وليس أنت على الإطلاق.
بعد أن سألنى: «تشرب إيه؟»، جاوب تلقائيا على سؤالى الأول بخصوص تغيير مكانه المفضل: «الناس هنا كويسين قوى، الخدمة ممتازة، بقالى 20 يوم تقريبا هنا، لكن الحقيقة أنا لسه مش مرتاح ولسه مش عارف أتعود على المكان ولا الكتابة هنا.. كان فيه عشرة عمر طويل بينى وبين المكان التانى والناس اللى فيه، لكن للأسف أزمة كورونا فرضت تغييرات على المكان، جعلتنى مضطرا للانتقال إلى هنا، وأكيد مع الوقت هتعود».
لم تستمر القطيعة بين وحيد حامد ومكانه المفضل طويلا، فقد عاد إليه مرة أخرى بعد أيام من هذه الجلسة، ولم يمنعه من التردد عليه كل صباح كعادته، إلا تدهور مفاجئ فى حالته الصحية منتصف ديسمبر الماضى، بسبب آلام فى «القلب»، الذى توقف يوم السبت 2 يناير الجارى، ليعلن رحيل وحيد حامد عن عمر يناهز 77 عاما.
رغم التزامى بارتداء الكمامة طوال الجلسة، لم يفوتنى قبل أن نبدأ الحديث، أن أسأله عن صحته، وعما إذا كانت لديه مخاوف من الكورونا، فى ظل تمسكه بالنزول إلى فندق بمنطقة وسط البلد ليواصل عادته فى الكتابة، فأجاب باختصار: «الحمد لله.. مبتحركش من غير الكمامة والكحول.. هعمل إيه تاني؟، لكن مقدرش أقعد فى البيت ومنزلش اشوف الشارع والناس».

من هنا بدأت الجلسة الحوارية التى استأذنته أن تكون مسجلة، لتنشر فى موضوع صحفى، بجريدة «الشروق»، فلم يمانع، كما لم يتردد أيضا فى أن يصارحنى برغبته فى التوقف عن الكتابة عقب الانتهاء من التزامه بتسليم حلقات الجزء الثالث من «الجماعة» للمخرج محمد ياسين، ورغم أن هذه الرغبة لم تتحول إلى قرار، إلا أنه فاجأ الجميع فى حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى، بكلمات أبكت الحضور، بعد أن نقل لمحبيه إحساسه بأنه جاء ليودعهم، عندما قال «أنا حبيت أيامى»، ولكن هذا الإحساس أيضا كان قد تغير قليلا، بعد مظاهرة الحب غير المسبوقة فى ندوة تكريمه بالمهرجان يوم 6 ديسمبر 2020، والتى زينها بجملة «أنتو اديتونى عمر جديد النهارده»، وربما تكون أفضل ترجمة لهذه الجملة، أنه سيبقى موجودا بأعماله مدى الحياة.

وإلى نص الحوار:

اختار وحيد حامد أن يفتتح الجلسة بالحديث عن شركاء العمر: علاقتى دائما كانت تبدأ بالمخرج، وكنت حريصا جدا على مدار رحلتى الطويلة، على أن يكون المخرجون الذين أعمل معهم أصدقائى، أو على نفس الموجه الفكرية، لنكون قادرين على أن نعزف معا اللحن الواحد، وهذا حدث منذ البدايات، مع سمير سيف، وعاطف الطيب، وحسين كمال، ويحيى العلمى، وإسماعيل عبدالحافظ، وشريف عرفة، ونادر جلال، وعلى عبدالخالق، وخيرى بشارة، ويسرى نصر الله، ومحمد ياسين، وتامر محسن، وغيرهم.

* هل تحرص على التوافق مع المخرج حتى لا يتدخل فى السيناريو الذى تكتبه؟
ــ دائما كانت هناك مساحة للنقاش والتفاهم والاحترام لرؤية المخرج، ولكن عندما تزيد المسألة عن الحد الذى من الممكن أن أسمح به، كنت أتخذ موقفا حاسما على الفور، كما فعلت ورفضت وضع اسمى على فيلم «قصاقيص العشاق» للمخرج الراحل سعيد مرزوق بطولة نبيلة عبيد. عندما شاهدته قلت إنه ليس فيلمى الذى كتبته، وخيرتهم حينها بين أن أرفع قضية أو يحذف اسمى، وبالفعل لم ينزل اسمى على التتر. لكننى أفعل ذلك فقط عندما أجد أن التغيير الذى يحدث فى السيناريو سيلحق بى الضرر.
هناك واقعة أخرى مع المخرج والأستاذ الكبير على بدرخان، كان من المقرر أن نعمل معا فيلم «رغبة متوحشة» المأخوذ عن مسرحية «جزيرة الماعز»، ولكن قبل التصوير اختلفنا فكريا، كان يسير فى طريق، وأنا أسير فى طريق آخر، ورغم أن رأيى ليس بالضرورة هو الصواب، لكنى فضلت عدم الاستمرار فى المشروع، لأننى عندما أكتب سيناريو يكون بداخلى فكرة أريدها أن تصل للناس، وأحرص عليها، فعندما أختلف مع المخرج، يكون الانفصال أفضل الحلول، حتى لا يخرج المشروع مشوها.

* هل مثل هذا الموقف كان سيتكرر مع المخرج يسرى نصر الله فى «احكى يا شهرزاد»؟
ــ كانت نزعات شريرة من البعض، طرحهم لسؤال: «مين هيجيب التانى الأرض أنا ولا يسري؟» وقت صناعة الفيلم، رغم أن الواقع كان على عكس ما كان يتردد تماما، فأنا شخصيا شعرت حينها أننى أعطيت يسرى نصر الله فيلما شعبيا، لأننى أثق فى حرفيته كمخرج وفى اتجاهه الفكرى، فلم يكن هناك ما يمنع من التعاون معه لصناعة فيلم مختلف.

* لماذا لا تتحدث كثيرا عن تعاونك مع ابنك المخرج مروان حامد.. وهل سمحت له أن يتدخل فى سيناريو «عمارة يعقوبيان»؟
ــ ظهرت ابتسامة على وجهه قبل أن يقول مازحا: أصله صعب وأنا بخاف منه.
ربما اختار الأستاذ وحيد حامد عدم الحديث عن مروان كمخرج فى وسائل الإعلام، حتى يمنحه الاستقلالية، ولا يربط أحد نجاح الابن بنجاح الأب، وهو ما يبرر تأكيده الدائم أن عملهما معا فى «عمارة يعقوبيان» كانت مفاجأة له من منتج الفيلم عماد أديب وليس بتدخل أو ترشيح منه، ولكن يبدو أن الابن لم يكن سعيدا بعدم ذكر اسمه ضمن قائمة المخرجين الذين عمل معهم وحيد حامد، وربما تمنى أن والده يفعل ذلك، خاصة بعد أن أصبح بالفعل له بصمته الخاصة فى السينما، وهو ما تحقق فى ندوة التكريم عندما قال وحيد حامد: «كل المخرجين الذين عملت معهم استفدت وتعلمت منهم وكان لهم بصمة فى شغلى، وأعتقد أن شغلى موصلش للناس الا بهذه البصمة على مختلف الأجيال، فكلما شعرت بتقدم العمر وخشيت على نفسى من الجمود، كنت أعمل مع مخرجين شباب علشان أجدد فكرى ومنهم مروان علشان ميزعلش».
مع إعادة طرح السؤال عن مروان، قرر وحيد حامد أن يفرج عن موقف جمعهما عند التحضير لـ«عمارة يعقوبيان»، دون أن تفارق الابتسامة وجهه والفخر يملأ عينيه بابنه: أتذكر أننا خلال العمل على السيناريو، كان مروان يجلس أمامى مثلك تماما، وخلال النقاش اختلفنا على شيء بسيط، فقلت له بعفوية: «اسمع الكلام.. أنا ابوك»، فكانت المفاجأة أنه انتفض غاضبا، ولم يتردد فى أن يقول بصوت مسموع لمن حولنا فى الترابيزات المجاورة: «أبويا فى البيت.. لكن هنا أنا المخرج المسئول عن الفيلم».

* وماذا كان رد فعل وحيد حامد الكاتب وليس الأب حينها؟
ــ كنت سعيدا به جدا، وطلبت منه أن يجلس لنواصل العمل.

* كيف ترى تجربة مروان السينمائية؟
ــ بعد لحظات من الصمت والتردد قال: مروان ابنى، ونجاحه يسعدنى جدا.. ربنا يوفقه.
صمت مرة أخرى لثوان معدودة قبل أن يواصل الحديث عن مروان قائلا: رغم أنه لا يأخذ رأيى فى أعماله، وأنا أيضا لا أعلن رأيى فيها، لكن لا أنكر أننى كأب، كنت أهتم وأحرص على تتبع مراحل تنفيذها من بعيد، ثم أنتظر وأترقب ردود الأفعال بعد كل فيلم يعرض له فى السينما، وأكون سعيدا جدا عندما يكون رأى الناس إيجابيا ويحقق نجاحا كبيرا.. ربنا يوفقه ويحميه.

* أكثر من 50 سنة مع الكتابة.. كيف ترى هذه الرحلة؟
ــ صمت قليلا قبل أن يقول: الحمد لله كانت رحلة طويلة ومرهقة.
يتابع: لا أحب أن أتحدث عن نفسى، ولكن يمكن أن أقول، بأننى كنت سعيدا جدا عندما وجدت كثيرا من الكتاب الحاليين يتصلون بى هاتفيا، ويقولون لى إنهم تعلموا السيناريو من أفلامى، رغم أننى لم أقابلهم فى حياتى، وسعادتى كانت مضاعفة عندما قابلنى أشخاص تجاوزوا الخمسين من عمرهم، وقالوا لي: إنهم تربوا على أعمالى، حينها فقط شعرت أننى لم أقصر، وقدمت شيئا طيبا للناس.
لكن بشكل عام، كل إنسان يخطئ ويصيب، فأحيانا يكون لك عمل متميز جدا وعمل آخر متوسط «نص نص» لكن فى النهاية، أعتقد أننى أخلصت للكتابة ومنحتها كل الإخلاص، فلم أكتب حرفا إلا وكنت مقتنعا به تماما حتى «الوحش» الذى لم يعجب الناس كنت مقتنعا به جدا، وأيقنت منذ اللحظة الأولى أن شفرة التعامل مع الناس هى أن أكون صادقا معهم، فلم أخدعهم أبدا.
يؤكد وحيد حامد: «بالبلدى كدا محدش فرض عليا أفكاره، وكل شيء كتبته كنت مؤمن به ونابع من جوايا، حتى لو هكتب سيناريو مأخوذ عن روايه لازم أكون حبيتها، واتحولت لجزء منى، فكنت صادقا مع الناس فى كل أعمالى حتى لو كان بعضها غير جيد».

* هل تعترف بهذه البساطة أن من بين أعمالك ما هو غير جيد ولا يرضيك؟
ــ ومين معندهوش وحش؟.. أنا عندى أعمال سيئة، الناس تراها جيدة ولكن أنا شخصيا لست راضيا عنها، لكن لا مجال للحديث عنها حاليا.

* إلى أى مدى دراستك لعلم الاجتماع كانت سببا فى عدم انفصالك عن المجتمع وتناول قضاياه فى أعمالك؟
ــ «اللى يحط نفسه فى الشارع وسط الناس، يتعلم ويشوف كتير قوى»، فأنا منذ بدأت الكتابة، حصلت على أفكارى من الناس فى الشارع وأعيد تصديرها إليهم. أنا ابن مخلص للشارع المصرى، أعرفه جيدا، ولست بغريب عن الناس، وأتواصل معهم دائما، أتابع مشاكلهم الحياتية أولا بأول.
وجودى مع الناس جعلنى أعرف شفرة التعامل معهم، وهذه الشفرة ببساطة هى أن تكون صادقا معهم، فالمشاهد لازم يحس أنك لا تكذب عليه، وهذه مسألة مهمة جدا، فمن الممكن أن يغفر لك أن مستوى العمل ضعيف، ولكن الشرط الأساسى دائما هو عدم الكذب.
أما بالنسبة للقضية التى كانت تشغلنى، من يتابع أعمالى سيجد أنها تهتم بشكل مباشر أو غير مباشر، بقضية العدالة. هى تيمة أساسية ممتدة فى كل أعمالى، لأن فكرة العدل كلنا نبحث عنها، وهى قضية مجتمعية عابرة للدول، ستجدها هنا فى مصر، وفى بيروت والإمارات وفى امريكا فى كل العالم، فتحقيق العدل، هدف.
ولأن الكاتب أحيانا يقع فى غرام شخصية كتبها، فمن أحلى الشخصيات التى كتبتها خلال مشوارى، كانت شخصية «المعلم بنورة» الذى كان يقيم العدل بنفسه فى مسلسل «آوان الورد».

* دائما ما يتم الاحتفاء بأعمالك التى واجهت الإرهاب والتطرف.. هل تعمدت التركيز على هذه القضية؟
ــ من يتابع مشوارى سيعرف أننى لم أتعمد ذلك، لأننى ببساطة شديدة جدا، كتبت أعمالا وموضوعات متنوعة، مثل «غريب فى بيتي» و«الغول» و«مسجل خطر» و«الهلفوت»، لكن الإرهاب هو من فرض نفسه علينا، وكان لابد أن أواجهه فى أعمالى، فمن حظنا العثر أن هناك جماعة دينية فرضت سطوتها على مجتمع كان متحضرا ومنورا بثقافات مختلفة.
لكن حتى الأعمال التى تناولت فيها الإرهاب كانت أيضا متنوعة، بنفس قدر تنوع وتلون الجماعات الإسلامية والمتطرفين، فأنا لم أتناول هذه القضية بشكل عشوائى.

* بهذه المناسبة.. ما هى القضية التى تطرحها فى الجزء الثالث من مسلسل «الجماعة»؟
ــ ما يزعجنى فى الفترة الحالية، حالة التأسلم الكاذب وإسلام المظاهر الموجودة فى المجتمع، فالإسلام دين السماحة والبشاشة، لكنه للأسف انقلب عند البعض إلى دين جهامة وغتاتة مطعمة بالعنف، حتى فى اللفظ.
أنا واحد من المصريين، ربما تكون حصيلتى الدينية أكبر من كثيرين «مربيين دقونهم» ولا يعرفون شيئا عن الدين، وأثق أن هناك غالبية عظمى فهمهم مغلوط للدين، وهذه قضية مهمة يجب التعامل معها.
أنا عشت فترة الطفولة والصبا وجزءا من مرحلة الشباب فى مجتمع ريفى، كل شيء فيه كان سهلا وبسيطا وسمحا، لا مكان للتعصب، وكان لنا جيران أقباط والعلاقة كانت جميلة جدا، كالتى قرأتها وأحببتها فى رواية «خالتى صفية والدير» للأستاذ بهاء طاهر، التى نسجت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين بشكل جميل جدا، لكن فجأة الدنيا اتقلبت ولم تعد كما أعرفها، وهذا هو السؤال الذى يطرحه الجزء الثالث من مسلسل الجماعة.. لماذا الدنيا اتقلبت فى مصر؟

* سألتك عن تأثير فترة الجامعة فى تكوينك فحدثتنى عن الشارع والناس.. هل تعمدت تجاهل الحديث عن التعليم؟
ــ رغم تكرار السؤال، لم يتحدث وحيد حامد عن تجربته مع التعليم، ولكنه هذه المرة لم يتجاهل الحديث عن التعليم فى وقتنا الحالى، فقال: للأسف الشديد أن الجامعات تعطى شهادات لكنها لا تصنع بشرا، أتذكر أننى عندما توليت ورشة السيناريو فى معهد السينما كانت الدفعة مكونة من 8 أفراد، سألتهم فى أول لقاء سؤال واحد: من منكم يريد أن يتعلم السيناريو ومن يريد أن يحصل على الشهادة؟
وقبل أن يجيب أى منهم، أكملت كلامى قائلا: من يريد الشهادة سأمنحها له، هو ضامن نجاحه من الآن، أما من يريد أن يتعلم السيناريو فهذه قضية ثانية، لابد أن يجتهد ويشقى لكى يتعلم، وكان من بين الدارسين فى هذه الدفعة السيناريست تامر حبيب، والفنان تامر عبدالمنعم، والكاتبة الصحفية علا الشافعى.

* لماذا استسلمت مبكرا ولم تستمر فى كتابة القصة رغم أنه الحلم الذى جئت من أجله للقاهرة؟
ــ كانت ابتسامته هذه المرة مختلفة، عندما استعاد ذكريات البدايات قائلا: أنا هحكيلك الرحلة كانت إزاي؟
فى البداية ذهبت لـ «نادى القصة» لأكتب القصة القصيرة، وكان حينها ينظم مسابقة، ونجحت لى قصة كان ترتيبها الخامس تقريبا مش الأول ولا حاجة، ورغم ذلك اعتبرت نفسى حينها أديبا.
وكنت بالتوازى، أحرص على حضور ندوة الأستاذ الكبير نجيب محفوظ، كل جمعة تقريبا فى كازينو صفية حلمى. كان هذا النجم الكبير يجلس ومن حوله نخبة من النقاد والكتاب الشباب، وكان رحمة الله عليه، يحرص على أن يسأل كل من يجلس أمامه «أنت إيه؟»، ومن يكتب قصة يطلب منه أن يأتى له بنسخة، وأذكر من هؤلاء أحمد هاشم الشريف، وجمال الغيطانى، وعزت عواد.
أذكر أن أول مجموعة قصصية نشرت لى كانت بعنوان «القمر يقتل عاشقه» عن الهيئة العامة للكتاب، حينها الله يرحمه الشاعر صلاح عبدالصبور، اختار مجموعة من الشباب وطبع لهم سلسلة تحت مسمى «كتابات جديدة»، لكننى فوجئت بأن مجموعتى لم يرحب بها نقديا، لدرجة أن الناقد الكبير فاروق عبدالقادر ــ الله يرحمه ــ تناول حينها كل المجموعة بالنقد إلا قصتى تجاهلها تماما، ورغم أننى لم أستسلم، وأرسلتها للأستاذ يوسف إدريس لكى يقرأها، لكنها لم تعجبه أيضا، رغم أنه لم يقلها صراحة، ولذلك عندما ذهبت إليه أثناء تناوله وجبة الغذاء فى مطعم «بابريكا» بجوار مبنى الإذاعة والتلفزيون، استقبلنى بحفاوة وتجاهل الحديث عن المجموعة القصصية تماما، لكنه حينها وجهنى إلى الطريق الصحيح، وقال لى القصة المعروفة التى حكيتها كثيرا، انظر خلفك فنظرت، فسألنى ماذا ترى؟ قلت له: مبنى الاذاعة والتلفزيون، فقال لى مكانك هناك. فغيرت الاتجاه منذ هذه اللحظة.
المفارقة أن الأستاذ يوسف إدريس عندما كان يرانى بعد أن ثبتت أقدامى فى السينما، كان يقول لى: «ياولا انا اللى دليتك على الطريق.. خد رواية اعملها فيلم»، والحقيقة رغم أننى لم استطع تحقيق أمنيته، لكن الحمد لله أن مروان ابنى حققها عندما قدم أول أفلامه عن قصته «أكان لابد يا لى لى أن تضيئى النور».

* لماذا تعلن دائما أنك تعلمت درس التواضع من الكتاب الكبار مثل عبدالرحمن الشرقاوى ونجيب محفوظ؟
ــ لأنى قبل أن أعرف هؤلاء الكتاب الكبار، كنت أنظر إليهم باعتبارهم آلهة يصعب التواصل معهم، ولكنى اكتشفت أنهم على العكس تماما من التصور الذى بنيته فى خيالى. فوجئت بأن كاتبا بحجم عبدالرحمن الشرقاوى يجلس على كنبه فى المجلس الأعلى للفنون والآداب، ويرحب بى، وفوجئت أيضا بنجيب محفوظ يمشى فى الشارع وعندما يقابلنى يقول بتواضع شديد: «أهلا يابنى وأخبارك إيه». المسألة كانت بهذه البساطة، وجدتهم شخصيات بسيطة جدا وفى قمة التواضع رغم نجوميتهم وعظمتهم، ولذلك كان «التواضع» هو أول درس تعلمته فى أول خطوة فى حياتى.
وتابع حديثه مبتسما: لكن لى مع الأستاذ عبدالرحمن الشرقاوى قصة طريفة يمكن أن نذكرها؛ عندما جئت القاهرة كنت أسكن فى «درب الجماميز» بالسيدة زينب، وهذا الشارع كان مليئا بمكتبات تبيع الكتب القديمة، وكان التجار عادة يشترون مكتبات كاملة ثم يقومون بفرزها، فوقع فى يدى حينها ملف لعبدالرحمن الشرقاوى وهو طالب فى المدرسة الخديوية، بصورته، ومكتوب فيه أنه طالب مشاغب لا يلتفت إلى الدرس اطلاقا، ومثير للفتن، وأشياء أخرى من هذا القبيل، ولأنى كنت مترددا على نادى القصة، فشجعنى أصدقائى على أن أعطى الملف للأستاذ عبدالرحمن، مؤكدين أنه لن يغضب وسيفرح به.. وبالفعل حدث ذلك.

* إلى أى مدى كنت محظوظا بأن بدايتك كانت وسط هذه القامات الكبيرة؟
ــ جئت إلى القاهرة فى مناخ الستينيات، وأعتقد أن الذى كان يعيش بالقاهرة فى هذه الفترة، كان من الحتمى والضرورى أن تؤثر فيه البلد حتى لو كان قطعة من الخشب، لأن المسارح كانت منورة، والسينمات منورة. كنت أحرص على أن أذهب يوميا لحضور بروفات «الحسين ثائرا» على المسرح القومى، للاستاذ كرم مطاوع، لأتأمل كل كلمة مكتوبة، والقدرة الرهيبة على الصياغة.
أتذكر من أساتذتى أيضا الذين تعلمت منهم، الكاتب المسرحى الكبير ألفريد فرج، والأستاذ ميخائيل رومان، كما تأثرت أيضا بالأستاذ نعمان عاشور، والأستاذ محمد عبدالحليم عبدالله.

* كيف تتذكر مرحلة الكتابة للإذاعة والتى قد لا يتوقف عندها الكثيرون رغم أنها كانت بداية الانطلاق؟
ــ أتذكر أن مسرحية «آه يا بلد»، التى أنتجتها «الثقافة الجماهيرية» إخراج المرحوم عبدالغفار عودة، كانت أول أعمالى، كنت ما أزال حينها فى الجيش الذى دخلته عام 1968 عقب النكسة، وخرجت فى دفعة التمويه التى خرجت قبل حرب أكتوبر نهاية عام 1972.
هذه المسرحية حققت نجاحا كبيرا جعل اسمى معروفا، فاتجهت بهذا الاسم إلى الإذاعة لأبدأ مشوارا كبيرا جدا، كانوا حينها يعتبرون وحيد حامد من أهم كتاب الإذاعة، وأتذكر بدون مبالغة أن الشارع كان يقف عندما يذاع مسلسل الساعة خمسة وربع الذى أكتبه، فلم يكن للتلفزيون حينها هذه سطوة، وكانت الإذاعة هى الأساس وفى كل بيت. هذه المسلسلات لا تزال موجودة على يوتيوب، وأنا شخصيا عندما أحب أن أعود إليها أفتح يوتيوب، وأغلبها حولته إلى أفلام مهمة فى مشوارى أيضا.
وأعتز بفترة الإذاعة جدا، لأسباب كثيرة منها، أنها كانت سببا فى أننى تعرفت على زوجتى زينب سويدان، عندما جاءت لتسجل تتر مسلسل «طائر الليل الحزين»، وفى الإذاعة أيضا كان لى أصدقاء مثل محمود سلطان وأمين بسيونى، وعرفت فى الإذاعة محمود مرسى وسميحة أيوب، ولكثيرين فى الإذاعة فضل كبير على أتذكر منهم بكل الخير الإذاعى الكبير مصطفى أبو حطب.

* أخيرا.. لديك تاريخ كبير أيضا فى الدراما التلفزيونية.. كيف تنظر إليه؟
أعتز بمسلسلاتي جميعا، بدءا من «أحلام الفتى الطائر»، الذى أعتبره من الأعمال التى لا تنسى، ولا يزال يعرض حتى اليوم، وهناك «العائلة» إخراج اسماعيل عبدالحافظ، الذى كان أول مسلسل يناقش قضية الإرهاب على شاشة التلفزيون عام 1992، ومسلسل «أوان الورد» الذى تعرض لقضية الوحدة الوطنية لأول مرة عام 2000 على شاشة التلفزيون، ومن المسلسلات المهمة أيضا «بدون ذكر أسماء»، إخراج تامر محسن، الذى يرصد التحول الاجتماعى والسياسى داخل المجتمع المصرى، ونمو التيارات الإسلامية فى فترة الثمانينيات. كان جيدا على كل المستويات كتابة وإخراجا وتمثيلا، ربما لم يأخذ حظه فى العرض الأول، ولكن الجمهور ارتبط به مع العروض الثانية، بالإضافة إلى «الجماعة» الذى اعتبره بأجزائه عملا واحدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved