ما لا يُقال على لسان الأبطال.. كيف ساهم الديكور في كشف أحداث مسلسل 60 دقيقة؟

آخر تحديث: الأحد 17 أكتوبر 2021 - 12:14 م بتوقيت القاهرة

الشيماء أحمد فاروق

المسلسلات ذات الطابع المرتبط بالأمراض النفسية، غالباً ما يكون لها تفاصيلها الخاصة التي تحاول أن تعبر عن الحالة العامة للعمل بالإضافة لحالة الشخصيات، لذلك لفت مسلسل 60 دقيقة الذي عُرض خلال الأيام الماضية الأنظار بما احتواه من تفاصيل فنية مهمة، وهو من تأليف محمد هشام عبية وإخراج مريم أحمدي، وبطولة ياسمين رئيس، محمود نصر، سوسن بدر، شيرين رضا، فاطمة البنوي، مها نصار، خالد كمال، وغيرهم من النجوم.

تدور أحداث المسلسل في إطار الدراما النفسية، حول طبيب نفسي وأستاذ جامعي مشهور متزوج ولديه ابن، توفى والده ووالدته هي من أكملت تربيته، معروف في الوسط الطبي بمهارته، ولكن نكتشف مع الحلقات، أنه يعاني من اضطراب السلوك منذ الصغر ولم يُعلاج بسبب رفض والدته، مما أدى إلى تطور حالته ووصولها لدرجة مؤذية لمن حوله، ويستغل الطبيب مهنته في اصطياد المرضى الذين تتناسب حالتهم وظروفهم مع مخططاته ويقيم معهن علاقات جنسية دون رضاءهن بعنف شديد، أو يتحرش بهن.

- لوحات ومنحوتات.. أن يحكي الصمت ما لا يُقال

تميز العمل بتضافر العناصر الدرامية وتكاملها للتعبير عن الحالة العامة للمسلسل، والتعبير عن الحالة الخاصة لكل شخصية، ويعد الديكور أحد هذه العناصر الهامة التي تعد السياق المرئي الذي تدور فيه الأحداث وتخلق حالة تعبيرية عن المستوى الاجتماعي والنفسي والاقتصادي للشخصيات وللبيئة، وقد نجح ديكور المسلسل في نقل هذه الأمور بدقة مع توفر لمسة إبداعية للتعبير عن الشخصيات وحالتهم النفسية، وللحديث عن التفاصيل الخاصة بالمسلسل تواصلت "الشروق" مع مهندس الديكور إسلام حسن.

قال إسلام: "بعد مقابلتي للمخرجة مريم أحمدي، كنا نفكر في تقديم رؤية مختلفة، لأننا نتناول قضايا تحدث في المجتمع حالياً، وإذا تم عرضها بشكل تقليدي لن تصنع التأثير المطلوب، لذلك حاولنا أن نجد نمط مختلف ينعكس على كل التفاصيل، واستقر ذهننا في النهاية على العمل بمدرسة (less is more) معلومات أقل، ونترك للمشاهد تكويل الصورة الكاملة، لكي يستخدم خياله، ولا نلقنه المعلومات تلقيناً (بالمعلقة)" .

وأكمل: "من خلال هذه الفكرة وضعنا رسم تخيلي لشكل الأنماط التي سوف تنعكس على كل تفاصيل المسلسل، وعلى هذا الأساس تم اختيار أماكن التصوير، بحيث يوجد اختلاف بين كل شخصية والأخرى ولكن هناك وحدة تجمعهم، من خلال الألوان، اخترنا درجات ألوان فاتحة وباردة جداً، ولم نحتج لتوظيف ألوان دافئة إلا في ديكور منزل أم أدهم لأنها شخص يميل إلى العيلة والحنين إلى الماضي، وجزء كبير من اختيارنا قائم على فكرة وهي أن الشخصيات التي لديها مشاكل نفسية داخلية مثل أدهم تحاول طول الوقت أن تظهر ناصعة متطهرة أمام الجميع، وتميل للألوان الهادئة والفاتحة للتعبير عن ذلك".

عند مشاهدة المسلسل سوف نجد توظيف واضح للوحات التشكيلية والتماثيل في أغلب المشاهد، في مشاهد ياسمين رئيس تظهر خلفها لوحة لوجهين متضادين نصف أبيض ونصف أسود، ووجود لوحة امرأة منكسرة في مشهد اعتراف ليلى (مها نصار) بوقوعها ضحية للدكتور أدهم، وغيرها من اللوحات.

علق إسلام على ذلك: "اختيار اللوحات التشكيلية واستخدام المنحوتات يرجع إلى السبب الذي ذكرته، وهو عدم وضع المعلومات على لسان الشخصيات طول الوقت أو توجيهها مباشرة، ولكن في سياقات مختلفة تعمل على تشغيل ذهن الجمهور، ووجود هذه الأيقونات لإعطاء دلالات تكمل وتحكي أجزاء من القصة، تقص ما لا يُقال، على سبيل المثال في مكتب أدهم كانت تظهر في الخلفية لوحة غير مكتملة لذراع فتاة، كإيماءة لما سيحدث وأن سارة سوف تنتحر وتقطع شراينها في هذا المكان، كما يوجد تمثال يحمل سقف يعبر عن شعور أدهم وأعباءه ومرضه الموجود داخله ويشكل ضغوط لا تظهر عليه، وكأن هذه اللوحات تروي حدوتة موازية للأحداث".

أوضح أيضاً: "لدينا إرادة تتجه نحو كسر قوانين الواقع إلى حد ما، على سبيل المثال في عيادة أدهم يوجد 3 أنواع للساعات، وعلمياً هذا غير صحيح في العيادات النفسية ولا يحدث لأنها تشكل ضغط على المريض، ولكن اختيارنا عكس الواقع، لأن أدهم بصفته طبيب نفسي يعلم بالتأكيد هذه المعلومة جيداً، ولذلك من الطبيعي أن يستغلها لتحقيق الاستمتاع بإصابة مرضاه بالضغط والتوتر".

انتقل إسلام حسن فيما بعد للحديث عن التعاون مع المخرجة مريم أحمدي وعبر عن سعادته بالتعاون معها، ووصفها بالمحاربة لأنها جابهت كثير من الظروف لكي يخرج العمل في أفضل صورة، وكان تركيزهم الأساسي كفريق عمل ليس تحقيق أعلى نسب مشاهدة ولكن تقديم ما يؤمنون به.

وقال إسلام: "كان اهتمامنا طول الوقت على دراسة طبيعة الأمراض النفسية، لكي نستطيع إسقاطها على تفاصيل الديكور، لذلك سبق العمل مرحلة تحضيرات للقراءة والاضطلاع على دراسات وكتب خاصة بالمرض النفسي، وحلقات نقاش مع أطباء نفسيين" .

- الديكور ليس منظراً جميلاً بل لغما من الدلالات

الديكور هو الاسم الشائع لعلم تصميم أو هندسة المناظر الذي يتعامل مع كل ما يحتويه الكادر باستثناء الممثلين، وإن لمصمم المناظر مسئولية خاصة أيضاً أمام المخرج ذلك أنه يتحمل مسئولية نقل أحداث موضوع العمل بصورة مقنعة والعمل على أن تكون الخلفية التي تدور أمامها الأحداث قادرة على أن تضيف إلى الإيهام الدرامي وأقرب ما تكون إلى التصديق، وفي العمل الفني الجيد لا تكون المناظر مجرد ستارة خلفية للحدث بل امتداداً للموضوع والشخصيات وهي توصل المعلومات شأنها شأن الإضاءة والملابس والمكياج ويمكن أن تخبرنا عن أذواق وعادات الشخصيات وتوميء بأفكار رمزية ويمكن أن تكون واقعية أو تعبيرية حسبما يتطلب العمل الفني ذاته، وفق ما جاء في كتاب سحر السينما للناقد السينمائي علي أبوشادي.

والديكور هو بيئة حية تهيء الجو والمزاج النفسي للحدث وتساعد الممثل على التقمص ولذا فإن مهمة فنان المناظر لا تتحدد في مجرد ترتيب عناصر مكان الحدث بل تتجاوز ذلك إلى التعبير بشكل أوسع لخلق الصورة السينمائية التي تعبر عن الفكرة الدرامية، ويجب على المصمم أن يراعي الجو المطلوب توفيره للشخصية، وما هو التأثير الذي يريده حول هذا الشخص.

والوظيفة الأساسية للديكور هو أن يقوم بدوره في الدراما بالمساعدة في التعبير عن الشخصيات وأبعادها وخلق الجو والمساهمة في تطوير وتعميق الأحداث، ومصمم الديكور يوظف خطوطه وألوانه وإكسسواراته وكل التفاصيل الصغيرة في خدمة أبعاد الشخصية الاجتماعية والنفسية والمادية والجسمانية والتعبير عنها وإبرازها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved