البشرى: أعمال السيادة تخضع لرقابة القضاء بمجرد مخالفتها الدستور والقانون
آخر تحديث: الأربعاء 18 يناير 2017 - 10:15 ص بتوقيت القاهرة
كتب ــ محمد بصل:
اتفاقية «تيران وصنافير» أصبحت منعدمة.. ولا يمكن للبرلمان أن يناقش العدم
الحكومة أثبتت أنها غير أمينة على ملك الدولة.. ولم تعد مؤهلة لتمثيلها فى حال اللجوء إلى التحكيم
حكم «الإدارية العليا» مفخرة تاريخية لمجلس الدولة.. والحكومة فى موقف لا تحسد عليه
وصف الفقيه القانونى المستشار طارق البشرى الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بتأييد حكم القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التى كانت تنقل ملكية جزيرتى تيران وصنافير إلى المملكة بأنه «من مفاخر الأحكام التى أصدرها مجلس الدولة فى تاريخه القضائى، هو وحكم القضاء الإدارى (أول درجة) فى ذات القضية» وأنه «مدعاة للفخر بالأمانة العلمية والقدرة القضائية على استخلاص المعانى من الوقائع المعروضة».
وأضاف البشرى فى تصريحات خاصة لـ«الشروق» أن أهم دفاع للحكومة فى القضية كان اعتبار أن الاتفاقية من أعمال السيادة التى لا يختص القضاء الإدارى أو غيره بالنظر فيها، وأن المحكمة ردت جيدا على هذا الدفع»، موضحا أن «أعمال السيادة المستبعدة من رقابة السلطة القضائية تقتصر على المجالات التى تتسع فيها إرادة السلطة التنفيذية (الجهات الحكومية) فى التقدير الموضوعى للاختيار».
وشرح البشرى هذه النقطة قائلا: «نضرب لأعمال السيادة أمثلة كاختيار الوزراء أو إعلان حالة الطوارئ، لكن هذه القرارات ليست مستبعدة من الرقابة القضائية بذاتها، ولكنها مستبعدة لاتساع سلطة الحكومة فى تقدير ملاءماتها، وإذا خالفت الحكومة الدستور أو القانون فى هذه القرارات تكون تصرفاتها تحت الرقابة القضائية».
وضرب البشرى لرؤيته لأعمال السيادة مثالين؛ الأول بشأن اختيار الوزراء، فاختيار الوزراء يعتبر من أعمال السيادة طالما صدر القرار من صاحب الولاية بحكم الدستور والقانون، أما إذا صدر القرار من أحد الوزراء أو أحد المحافظين، فيدخل ساحة الرقابة القضائية مرة أخرى، ويكون على القضاء إلغاء القرار لصدوره من غير ذى ولاية.
والمثال الثانى بشأن حالة الطوارئ، فإعلان حالة الطوارئ ابتداءً من قبل رئيس الجمهورية هو عمل سيادى، أما إذا كان الدستور يلزمه باستفتاء الشعب أو أخذ موافقة البرلمان على مد حالة الطوارئ ولم يقم بذلك، فيدخل قراره ساحة الرقابة القضائية مرة أخرى، ويكون على القضاء إلغاء القرار لصدوره بالمخالفة للدستور.
واعتبر البشرى أن مخالفة الدستور هو المدخل الذى ولجت منه محكمتا القضاء الإدارى والإدارية العليا للرقابة على الاتفاقية التى وقعها رئيس الوزراء فى أبريل الماضى «فلا مجال فى هذه الحالة للسلطة التقديرية التى لا تراجعها المحاكم، بل إن الأمر كله متعلق بحدود الولاية المسندة للسلطة التنفيذية، فلا ولاية لأى سلطة فى التنازل عن جزء من أرض مصر».
وذكر البشرى ــ النائب الأول الأسبق لرئيس مجلس الدولة ــ أنه ولأول مرة فى تاريخ القضاء والمحاماة ــ حسب علمه ــ يكون دفاع جهة أو شخص مركزا على أنه لا يملك بل ويقدم أسانيد وأدلة على ذلك، مضيفا «الحكومة المصرية فعلت ذلك، وهو أمر عجيب، أن نراها تدافع عن غير مصلحتها وعما يضرها سياسيا واستراتيجيا».
وأضاف أن «موقف الحكومة كان يدعو للرثاء بأن تتمسك بفكرة أعمال السيادة وهى تتنازل عن سيادتها على جزء من أرض مصر، ووضعت نفسها فى موقع لا تحسد عليه».
واستطرد قائلا: «أثبتت الحكومة على نفسها أنها غير أمينة على ملك الدولة والأمة ــ وذلك بحكم قضائى ــ وأقول هذا الكلام بمناسبة ما أُثير عن رفع دعوى أمام التحكيم الدولى، وهذا مردود عليه بأن الحكومة لا تملك شرط المصلحة الواجب توافره للجوء إلى التحكيم، وإذا حدث وتجاسرت على الموافقة على اللجوء للتحكيم الدولى؛ يكون هذا التصرف قرارا إداريا خاضعا لرقابة مجلس الدولة مرة أخرى».
وتابع بقوله: «الحكومة غير قادرة وغير مؤهلة قانونيا للتعبير عن الصالح الوطنى المصرى فى هذه القضية، فهى تتفق مع وجهة النظر السعودية، ومن المنظور الحكومى هى تتنازل عن شىء فى حوزتها، ومن المنظور السياسى تتنازل عن جزيرتين تؤكدان سيطرة مصر على خليج العقبة»، مشيرا إلى أنه لا يجوز لجهة أن تمثل المصلحة المصرية وهى فى الحقيقة لا تدافع عن هذه المصلحة.
وتعليقا على مضى البرلمان قدما فى مناقشة الاتفاقية، قال البشرى إن «الاتفاق الذى أحالته الحكومة للبرلمان أصبح منعدما وساقطا بحكم الإدارية العليا، وبالتالى لم يعد هناك شىء يمكن عرضه على السلطة التشريعية، ولا يجوز أن ينظر البرلمان شيئا معدوم المحل، كما أنه ليس من سلطة البرلمان أن يبرم بذاته معاهدات مع الغير»، قاصدا بذلك أن الحكم أسقط جميع التصرفات الحكومية السابقة فى الاتفاقية.
وعن احتمال لجوء الحكومة إلى المحكمة الدستورية بدعوى فض تنازع بين أحكام مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة، أكد البشرى عدم قيام حالة التناقض بين الأحكام «لأن أحكام الأمور المستعجلة تتعلق بركن التنفيذ فقط، بينما صدر حكما مجلس الدولة فى المسائل الموضوعية للاتفاقية، ومن ثم فلا محل للتنقاض».
وحول ما تردد فى الأوساط القانونية والقضائية من أنه كان يجدر بدائرة فحص الطعون بالإدارية العليا برئاسة المستشار أحمد الشاذلى أن تحيل القضية إلى دائرة الموضوع بالمحكمة بدلا من الفصل فيها، لتعلق القضية بمبدأ قضائى جديد، أوضح البشرى أن «الإحالة لدائرة الموضوع سلطة تقديرية لدائرة الفحص إذا ما وجدت ما يدعو لذلك»، لافتا النظر إلى أن «دائرة الموضوع تتشكل من جميع قضاة دائرة الفحص بالإضافة لقاضٍ واحد هو رئيس مجلس الدولة، وإجماع دائرة الفحص على رأى واحد وتناولهم جميع دقائق القضية كما جاء فى الحيثيات أمر لا يتطلب الإحالة لدائرة الموضوع».