معديات متهالكة تراوغ الرقابة قبل سقوط ركابها في جوف النيل

آخر تحديث: الثلاثاء 18 يناير 2022 - 7:53 م بتوقيت القاهرة

ماهر عبدالصبور وغادة الدسونسي وشريف حربي ومحمد نصار ومروة حماد

مسئول ملاحة بالمنوفية: أصحاب معدية منشأة القناطر واصلوا العمل بالمخالفة للقانون
مستشار وزير التنمية المحلية الأسبق: أغلب المعديات غير مطابقة للمواصفات وتراخيصها «على الورق»
محافظ المنيا: الدولة تبذل جهودا كبيرة لتقليل الاعتماد على المعديات النيلية وتفرض رقابة ‏صارمة

أطفال صغار، عمال تراحيل، أسر، وغيرهم يسلكون طريقهم يوميا فوق المعديات نحو وجهتهم الأخرى، لا يعلمون ما ‏ينتظرهم فى رحلتهم، البعض يصل بسلام، وآخرون تتلقفهم مياه النيل لينضموا إلى قائمة طويلة من ضحايا الإهمال وغياب ‏الرقابة، وآخرهم الأطفال الثمانية ضحايا معدية منشأة القناطر الخيرة من ابناء قرية طليا بمركز أشمون، محافظة المنوفية.. القضية تثير تساؤلات كثيرة حول سبل مواجهة الأزمة، وحماية ‏المزيد من الأرواح من هذا المصير المأساوى.‏
حدد عماد حمدى سالم، مدير إدارة الملاحة بمديرية النقل فى محافظة المنوفية، موطن الداء فى غرق ‏المعديات فى مصر بشكل عام وفى المنوفية بشكل خاص، فى استهانة أصحاب تلك المعديات بالقانون.
وعندما سألته ‏‏«الشروق» عن معدية منشأة القناطر التى شهدت غرق 8 أطفال يعملون بإحدى مزارع الدواجن أثناء رحلتهم من الجيزة إلى المنوفية، قال ‏إن المعدية حصلت على ترخيص من كفر الشيخ بسبب رفض التراخيص من محافظتى الجيزة ‏والمنوفية لمخالفتها الشروط، ومحرر لها العديد من المحاضر بعدم استيفاء الأوراق، وبينها ‏محضر إيقاف وتشميع بتاريخ 2ــ11ــ2021، وتم عمل محضر ضد أصحابها لإتلافهم الشمع الأحمر، ‏ورغم ذلك كان يسمح لها بالعمل.‏
تعد المعديات فى محافظة المنوفية وسيلة أساسية فى مراكز عدة، للوصول إلى الجانب الآخر من ‏المحافظات التى يفصل بينها فرع النيل كالجيزة والبحيرة، ويقول أحمد عبدالمقصود من أبناء أشمون، ‏إنه يستقل معدية أبو عوالى يوميا، حيث يعمل فى محافظة الجيزة، ويضطر إلى استقلالها مرتين صباحا ‏ومساء. ‏
يوضح على السيد، من أهالى قرية كفر العبسى مركز قويسنا، أن أهالى قريتهم يستقلون المعدية يوميا ‏للوصول إلى البر الآخر من محافظة القليوبية، لقضاء احتياجاتهم اليومية، حيث تعد القليوبية أقرب لهم ‏من المنوفية، كما لا توجد مواصلات من قريتهم لتوصيلهم إلى مركز قويسنا التابعين له، وقد يستغرق الأمر ‏ساعتين للوصول، ما يدفعهم لاستقلال المعدية كوسيلة سريعة ورخيصة.‏
ونعود لعماد حمدى سالم، مدير إدارة الملاحة بمديرية النقل فى محافظة المنوفية، الذى يؤكد أن المسئولين يتابعون ‏المعديات وتراخيصها يوميا، مشيرا إلى أن المحافظة تضم 18 معدية عامة مرخصة.‏
وتابع: «لا يوجد غرق للمعديات، لكن الحوادث تنم عن خطأ أشخاص وسائقين، وهناك 30 معدية تخدم ‏المنوفية وغيرها من المحافظات، عدد منها يتم الترخيص له من محافظات أخرى، وتتم المتابعة الدورية ‏عليهم من إدارة النقل النهرى».‏
واستدرك: «هناك 4 محاور تحت الإنشاء للربط بين محافظة المنوفية وغيرها، ولكنها لن تغنى عن ‏المعديات، حيث تعتمد قرى كاملة عليها، لأن أجزاء شاسعة من المحافظة توجد على فرعى رشيد ‏ودمياط، والسبيل الوحيد لأبنائها هو المرور بالمعدية».‏
ومن المنوفية إلى محافظة المنيا وهى من أكثر المحافظات تعرضا لحوادث المعديات، حيث يقول بهير محمد محمد، عضو مجلس محلى ‏محافظة سابق، إن الأهالى يعتمدون عليها كوسيلة نقل رخيصة وسريعة لقضاء حوائجهم اليومية للعمل ‏والدراسة والتسوق والتزاور وحتى فى دفن الموتى، مقابل جنيهين للفرد، أما السيارات فتتراوح أسعار ‏تذاكرها بين 10 و20 جنيها، فضلا عن زحام المواصلات.‏
وأضاف: «لكن هذه الرحلات اليومية بين الضفتين تحفها المخاطر، فالمعديات القديمة والمتهالكة تعد ‏وسيلة النقل الأساسية لمعظم مراكز المحافظة، كما أنها تفتقر إلى أبسط وسائل الأمان والسلامة، وفى ‏بعض الأحيان يقودها مراهقون».‏
يفصل بين أقرب كوبرى – كوبرى النيل بمدينة المنيا – وبين منزل لمياء ابراهيم حسين، مسافة تتعدى ‏‏٢٥ كيلو مترا، لذا تضطر للاعتماد على المعديات للوصول إلى مركز أبو قرقاص على الضفة الغربية ‏للنيل، حيث توجد الخدمات من إدارة تعليمية، وأسواق، ومستشفيات، فيما لا يجد فى منطقتها سوى ‏محال الإقامة والمقابر.‏
ويقول باهى الروبى، رئيس مجلس محلى محافظة المنيا سابقا، إنه على الرغم من تغيير عدد كبير من ‏المعديات للنقل من البر الغربى إلى الشرقى والعكس، إلا أن يد التطوير لم تمتد إلى جميع القرى، حيث ما ‏يزال عدد من المعديات يحيطه الخطر.‏
تضم المحافظة حوالى 178 معدية، منها 32 معدية حكومية، و146 ملكا للأهالى، 127 منها تحمل ‏رخصا سارية، و51 أخرى منتهية التراخيص، لكنها ما تزال تعمل أيضا فى جميع المراكز.‏
محافظ المنيا أسامة القاضى يؤكد أن الدولة تبذل جهودا عدة للتقليل من الاعتماد على المعديات النيلية، وتفرض رقابة ‏صارمة عليها، مع العمل على إنشاء محاور ربط الجانبين الشرقى والغربى للنيل بكبارى، إلا أن ‏طول المحافظة ووضعها على ضفاف نهر النيل، والوضع الاقتصادى للمواطنين، يبقى على حوادث ‏المعديات التى تزداد مع تزايد الاستغلال وغياب الرقابة.‏
وأكد المحافظ أنه أصدر الكتاب الدورى رقم 53 لسنة 2021، بشأن خطوط سير وتجديد تراخيص ‏المعديات النيلية غير الآلية، والتى تعمل بالواير – السلك – الجنزير، وبحالة فنية متدنية، منعا لتعرض ‏مستقليها لحوادث.‏
السكرتير العام لمحافظة البحيرة اللواء محمد بدر، يشير إلى أن مركز كوم حمادة يشمل الرياح البحيرى ‏وهو من أعمق وأخطر المجارى المائية، والذى تعمل عليه المعديات النهرية لنقل الأهالى والسيارات ‏لعدم وجود كبارى بين الضفتين، موضحا أن المحافظ هشام آمنة طلب إنشاء 8 كبارى على الرياح ‏البحيرى للمشاة والسيارات، وهو ما وافقت عليه وزارة النقل.‏
وتابع: «يتم إنشاء الكبارى بتكلفة ٢٦١ مليون جنيه، من شأنها العمل على تسهيل وسيولة الحركة ‏المرورية، والحفاظ على أمن وسلامة المواطنين، وإنهاء أزمات المعديات النهرية الخطرة».‏
وواصل: «المحافظة تضم 8 مراكز تقع عليها مجار مائية، وبالتالى تكون للمعديات النهرية أهمية كبيرة ‏فى نقل المواطنين بين ضفتى النيل، لذلك تكثف الوحدات المحلية من حملاتها شبه اليومية على هذه ‏المعديات، لمراجعة تراخيصها ووسائل الأمن والسلامة، والالتزام بحمولتها المقررة، ويتم إلغاء ‏تراخيص المعديات المخالفة نهائيا».‏
‏9 معديات تعمل على نهر النيل بمراكز دسوق ومطوبس وفوه بمحافظة كفر الشيخ، وحسب خالد ‏صبحى، صاحب معدية بكفر الشيخ، جميعها على درجة كبيرة من الجودة، وتتم متابعتها دوريا من ‏المحافظة ومسئولى المعديات والمركبات والفنيين.‏
تقول ميرفت إبراهيم، تاجرة خضراوات بالمركز: «نعانى يوميا من نقل بضاعتنا إلى الأسواق لبيعها ‏نتيجة قلة المعديات وتأخرها، وهو ما يضيع علينا الكثير من الأعمال، فأنا وغيرى من التجار ‏والمزارعين ننتظر المعدية منذ ساعات الفجر الأولى، التى لا تأتى إلا التاسعة صباحا، لأنه لا توجد ‏وسيلة غيرها، لنقل البضاعة، حيث نعيش فى جزيرة بقلب النيل».‏
مستشار وزير التنمية المحلية الأسبق، صبرى الجندى، قال إن أغلب المعديات التى تعمل على فرعى ‏نهر النيل ورشيد ودمياط، غير مطابقة للمواصفات ومعايير السلامة للمواطنين، بجانب عدم حصول ‏أصحابها لرخص متطابقة مع الجودة والسلامة الصحية للمواطنين، وإذا حدث سيكون على الورق وليس ‏على واقع عمل المعديات.‏
وتابع الجندى لـ«الشروق»: «هناك افتقاد للرقابة والتأكد من صلاحية عمل المعديات وفقًا للمعايير ‏والمواصفات المطلوبة من الجهات المعنية، سواء هيئة الملاحة النيلية، أو الإدارات المحلية، أو غيرها، ‏بجانب غياب الرقابة على التأكد من تحديد الحمولة المقررة فى الرخصة، والقدرة الاستيعابية لكل معدية ‏أو مركب».‏
ولفت إلى أن أغلب المعديات منتهية الصلاحية، ولا يتم تنفيذ رقابة صارمة عليها، مشيرًا إلى أنه لا ‏غنى عن تلك المعديات، كونها وسيلة نقل تكلفتها منخفضة ومناسبة للفقراء، وتساعد كثيرًا فى اختصار ‏الوقت ما بين منطقة وأخرى، شرط أن تكون هناك رقابة قوية وصارمة من الجهات المعنية.‏
على الجانب الآخر، يؤكد مصدر مسئول فى وزارة التنمية المحلية، إن الإدارات المحلية بالمحافظات ‏تشن حملات مستمرة للتفتيش والرقابة على المعديات التى تنقل المواطنين والسيارات بين ضفتى نهر ‏النيل فى حدود اختصاصها، للتأكد من صلاحيتها، بجانب إنارة الطرق المؤدية إلى المعديات.‏
ويشير إلى أن جهات أخرى تشرف على الرقابة والتأكد من تراخيص المعديات، والتأكد من حمولة ‏المواطنين والسيارات للقدرة على استيعابها، تجبنًا لوقوع حوادث.‏
ويضيف المصدر لـ«الشروق»، أن هناك تشديدات من المحافظين على رؤساء المدن والأحياء باستمرار ‏الحملات على المعديات للتأكد من ضمان جودتها.‏

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved