في قلب الأحداث (7) نبيل فهمي يتحدث عن الحلم الذي حطمته إسرائيل في الشرق الأوسط

آخر تحديث: الخميس 20 يناير 2022 - 11:15 ص بتوقيت القاهرة

عرض - أشرف البربري:

إسماعيل فهمى أوصى بتوقيع مصر على اتفاقية منع الانتشار النووى وربط التصديق عليها بانضمام الإسرائيليين
التحركات العربية فى مؤتمر مراجعة الاتفاقية عام 1995 ضد بقاء تل أبيب خارجها أثارت غضب أمريكا
وقف عمل اللجان متعددة الأطراف المنبثقة عن مؤتمر مدريد للسلام ردا على الرفض الإسرائيلى لمناقشة موضوع نزع السلاح النووى
بيريز عرض التعهد بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووى بعد عام من التوصل إلى سلام شامل مع العرب
الأنشطة النووية الإيرانية مصدر قلق دائم لدول الخليج العربى والمنطقة
إيران تسعى إلى لعب دور القوة الإقليمية الرئيسية على حساب مصالح دول الجوار
فى عام 2000 كانت واشنطن مستعدة للقبول بأى شىء مقابل اتخاذ موقف دولى قوى بشأن البرنامج النووى للعراق وإيران

شهدت منطقة الشرق الأوسط صراعات مسلحة واسعة أو محدودة خلال النصف الثانى من القرن العشرين أكثر مما شهدته أى منطقة أخرى من العالم، لذلك لم تكن مفاجأة أن يكون الأمن الإقليمى ومشتريات السلاح وانتشار التكنولوجيا العسكرية الجديدة وبخاصة المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل ملفا مفتوحا ومتوترا باستمرار بين إسرائيل والدول العربية وإيران.

ومنذ عقود أصبحت إسرائيل الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى لديها برنامج نووى عسكرى، ولا تخضع لأى قيود باعتبارها غير موقعة على معاهدة منع الانتشار النووى ولا على أية اتفاقية دولية لحظر أسلحة الدمار الشامل.
فى عام 1968 ناقشت لجنة الأمن الدولى ونزع السلاح التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة مسودة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، فى ختام مفاوضات دولية استمرت أكثر من 3 سنوات. وتشيد سجلات الأمم المتحدة التى تعود إلى عام 1965 بدور رئيس اللجنة إسماعيل فهمى فى بلورة المبادئ الأساسية التى ستسمح فيما بعد بالوصول إلى معاهدة دولية لمنع انتشار الأسلحة النووية بعد هذا التاريخ بثلاث سنوات. ومع ذلك وعندما فتح باب التوقيع على المعاهدة، أوصى فهمى الحكومة المصرية بالتوقيع على الاتفاقية كبادرة حسن نية، مع الامتناع عن التصديق عليها حتى تنضم إليها إسرائيل، بهدف ضمان التزام كل دول المنطقة بمنع الانتشار النووى، وحينما رفضت إسرائيل التوقيع على الاتفاقية، ظلت مصر موقعة عليها لكن بدون تصديق لسنين طويلة.

فى عام 1974 قدمت مصر وإيران مشروع قرار مشترك إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يقترح إعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية. وحظى هذا الاقتراح بتأييد إقليمى ودولى واسع، باستثناء إسرائيل، التى ظلت خارج أى إجراءات تستهدف منع انتشار الأسلحة النووية.
وفى حين ظلت مصر على مدى عقود تالية تقدم هذا الاقتراح إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وربطت تصديقها على الاتفاقية بانضمام إسرائيل إليها، اختارت إيران ومنذ الإطاحة بنظام حكم الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحت حكم الملالى عام 1979 السير فى اتجاه معاكس، وسعت إلى تطوير برنامج نووى كان وما زال مثيرا للجدل والقلق معا.
واستمر امتناع مصر عن التصديق على معاهدة منع الانتشار النووى، قبل انضمام إسرائيل إليها حتى 26 فبراير 1981، عندما قررت الحكومة التصديق عليها بهدف إطلاق برنامج نووى مصرى لتوليد الكهرباء، وهو ما ألحق ضررا بالغا بالأمن القومى لمصر، خاصة وأن المشروع النووى تجمد فى أعقاب حادث انفجار مفاعل تشيرنوبل النووى فى الاتحاد السوفيتى السابق عام 1986.
وأثار القرار المصرى بالتصديق على المعاهدة استغرابا محليا ودوليا كبيرا. وسألنى السفير اليابانى لدى اللجنة الدولية لنزع الأسلحة فى جنيف بعد التصديق على المعاهدة عن مبررات ما حدث ودوافعنا فى اتخاذ هذا القرار، والسبب وراء تغير الموقف المصرى، فى ظل عدم تغير الموقف الإسرائيلى أثناء اجتماعات مراجعة الاتفاقية الدولية لمنع الانتشار النووى عام 1980. وبذلت جهدا كبيرا لكى أشرح وأبرر موقفا لم أكن موافقا عليه، وأشك أننى كنت مقنعا لمحدثى اليابانى.

كانت مصر قد أثارت موضوع إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل دون جدوى أثناء مفاوضات السلام مع إسرائيل. وفى عام 1990 تبادل الرئيس العراقى صدام حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلى إسحق شامير التهديد باستخدام أسلحة الدمار ضد بعضهما البعض، وطلب منى عمرو موسى الذى كان يرأس بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة فى ذلك الوقت، إعداد مبادرة لتهدئة الأوضاع مع الحفاظ على المصالح المصرية، فاقترحت الدعوة إلى نزع أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والنووية والبيولوجية فى كل دول الشرق الأوسط. وبسرعة أقر مبارك هذه المبادرة والتى أعلنت رسميا فى أبريل من نفس العام.
وخلال اجتماعات لجنة الأمن الإقليمى والحد من التسلح المنبثقة عن مؤتمر مدريد للسلام، كانت نقطة الخلاف الجوهرية بين الوفدين المصرى والإسرائيلى، هى رفض الأخير لأية مناقشة جادة لموضوع نزع السلاح النووى، وحتى فى الوقت الذى كانت لجنة الأمن الإقليمى والحد من التسلح تعد مسودة بيان يتكون من عدة نقاط يدعو إلى قيام سلام شامل فى المنطقة، وهو بيان رفضه الإسرائيليون لأنه تضمن نزع الأسلحة النووية.
وقررنا كرد فعل لتعنت إسرائيل عدم السماح باستمرار عمل اللجان متعددة الأطراف الأخرى والتى تتعلق بموضوعات الاقتصاد والمياه واللاجئين والبيئة، والتى كانت مهمة جدا لإسرائيل.
بالتزامن مع فشل عمل لجنة الأمن الإقليمى والحد من التسلح، اقترب موعد مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة منع الانتشار النووى فى عام 1995 والذى يعقد كل خمس سنوات، حيث وجدناها فرصة لمخاطبة المجتمع الدولى للضغط على إسرائيل للانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووى كدولة غير نووية أسوة بجيرانها العرب.

ونجحنا بالفعل فى خلق زخم سياسى للاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط والانتشار النووى فيها خلال المؤتمر، لكننا واجهنا أيضا ظرفا صعبا ومحرجا ألا وهو رغبة الغالبية العظمى من الدول الكبرى فى تمديد المعاهدة إلى الأبد وليس لمدة 25 عاما أخرى فقط، فى حين ترفض إسرائيل الانضمام إليها، وهو ما يعنى استمرار إسرائيل كطرف له وضع استثنائى خارج منظومة عدم الانتشار النووية الدولية للأبد.
وكانت الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى ترغب فى ضمان حصول قرار تمديد المعاهدة على أكبر قدر ممكن من التأييد الدولى. وكان من أبرز التعديلات المقترحة تمديد سريان المعاهدة لمدد متعددة كل منها 25 عاما، أو إقرار المد اللانهائى للمعاهدة. كلا الاقتراحين كان مصدر قلق بالنسبة لمصر، فى ظل غياب أى التزام من جانب إسرائيل بالتخلى عن ترسانتها النووية.
فى الوقت نفسه، دخلنا محادثات مباشرة مع الإسرائيليين، وبعد عدة جولات اقترحت عليهم منح مصر تعهدا بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووى بعد عام من التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع الدول العربية، ولم يرد الإسرائيليون على الاقتراح فى البداية.

وبعد فترة وقبل أسابيع من مؤتمر المراجعة حضرت غداء عمل دعا إليه شيمون بيريز وزير خارجية إسرائيل فى فندق ريجنسى مانهاتن بنيويورك، وبحضور «أورى سافير» و«آفى جيل» مستشارى الوزير الإسرائيلى، وعمرو موسى وزير الخارجية. وفاجأنا بيريز بإعلان موافقته على تعهد إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووى بعد عام من التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع العرب، مضيفا أنه إذا كان هذا الأمر مقبولا بالنسبة لنا، فإن سافير سيحضر إلى القاهرة خلال أسبوع لإنهاء الاتفاق، بعد إقراره فى إسرائيل.

والتفت موسى نحوى وسألنى عن رأيى باللغة العربية. وقد كنت أبلغته بتطورات المفاوضات المصرية الإسرائيلية بالتفصيل من قبل، وكان متابعا لها عن قرب. لذلك فوجئ عندما وجد ردى سلبيا، ومع شعوره بالحيرة انتقل موسى إلى الحديث مع بيريز عن موضوعات أخرى، قبل أن يعلن موافقته على الاقتراح، لكنه لم ينس أن يؤكد أنه ينتظر حضور سافير إلى القاهرة ومعه خطاب مكتوب يؤكد هذا الاتفاق خلال الأسبوع التالى.
وأثناء مغادرتنا المكان سألنى موسى، لماذا رفضت اقتراحا سبق أن قدمته شخصيا للجانب الإسرائيلى. وضحك عندما قلت له لأن بيريز لا يمتلك السلطة اللازمة لكى يقبل الاقتراح، وأضفت أنه لن يرسل سافير إلى القاهرة، وهو ما سيسبب سوء تفاهم خطيرا عندما لا تتحقق التوقعات المرتفعة، خاصة ونحن سنبلغ الرئيس مبارك بنتائج هذا الاجتماع خلال ساعات كما جرت العادة.
وكما توقعت لم يأت سافير إلى القاهرة ولم يقدم أى تفسير لعدم المجىء. وبغضب مبرر طلب منى موسى كتابة مسودة رسالة قوية منه إلى بيريز، تحدد بدقة ما سبق أن اتفقنا عليه بشأن الملف النووى، وكنت سعيدا بهذا الأمر لكننى حذرت موسى من أن النظام السياسى فى إسرائيل اعتاد تسريب المراسلات والأخبار المهمة للإعلام فى إطار الصراعات بين السياسيين، لذلك فإذا كتبنا هذه التفاهمات فى ورقة رسمية وأرسلناها إلى إسرائيل وتم تسريبها ستثير جدلا حاميا هناك، فقال موسى: «إنهم لم يفوا بتعهداتهم، من فضلك اكتب المسودة».

وأثار الخطاب الذى أرسله موسى إلى بيريز عاصفة فى إسرائيل رغم أن اللغة الإلزامية التى تحدث بها بيريز عن الموضوع النووى لم يتم تسريبها نصا. وبعد إرسال الخطاب بفترة قصيرة تقابلنا مع بيريز فى المنتدى الاقتصادى العالمى فى منتجع دافوس السويسرى، فصرخ فى وجهى وسألنى عن سبب إرسال الخطاب، وضحك موسى بقوة عندما قلت له إن توقيع المرسل يعكس أنه مرسل من موسى وليس منى، وإنما سبب توجيه الخطاب هو أنك لم تفِ بالتزاماتك، وطوال تلك الليلة ظل موسى وبيريز يتجادلان بحدة حول موضوعات الشرق الأوسط ككل فى جو غاضب ومتوتر.
عقد مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة منع الانتشار النووى فى نيويورك خلال الفترة من 17 أبريل إلى 12 مايو 1995، ورغم أن مصر كانت تدعم حظر الانتشار النووى ونزع الأسلحة بشكل عام، فإنها لا يمكن أن تدعم تمديد المعاهدة إلى ما لا نهاية قبل أن تنضم إليها إسرائيل. وأعتقد أننا أخطأنا فى عدم التحمس لفكرة مد المعاهدة لمدة 25 عاما تتجدد تلقائيا، عندما طرحت فى المراحل التمهيدية الأولى من الإعداد للمؤتمر، لأن البديل الذى تم اعتماده وهو المد اللانهائى كان الأسوأ بالنسبة لنا.

وكانت دول عدم الانحياز ضد التمديد اللانهائى للمعاهدة، كما كانت مترددة فى دعم اقتراح تمديدها لمدة 25 عاما، وكسرت جنوب إفريقيا فى بداية حكم الزعيم نيلسون مانديلا، إجماع دول عدم الانحياز، بموافقتها على الاقتراح الأمريكى بتمديد المعاهدة إلى ما لا نهاية.
وبمرور الوقت كسب اقتراح التمديد اللانهائى للمعاهدة المزيد من الأرض، مع وجود بعض التحفظات الفنية حتى من جانب بعض الدول المتقدمة، وببطء بدا أن تمرير هذا الاقتراح بات حتميا. ومع تطور الموقف، قدمت الدول العربية مسودة قرار حول مخاطر الانتشار النووى وإنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط، يدعو لانضمام إسرائيل إلى معاهدة منع الانتشار النووى، وذلك من أجل إظهار اهتمام العالم بالمنطقة بمناسبة مؤتمر تمديد المعاهدة، ولتأكيد رفض منح أية دولة استثناء لا نهائى من الالتزام بهذه المعاهدة. وقد أثار التحرك العربى غضب الولايات المتحدة بشدة. وأصبح الملف موضوعا لمحادثات أمريكية مصرية متصلة طوال أسابيع المؤتمر، فضلا عن اتصالات بين عاصمتى البلدين.
وفى أول الأمر لم يعرف أى من أعضاء الوفد المصرى الموجود فى نيويورك متى بدأ نائب الرئيس الأمريكى آل جور يحاول الاتصال بالرئيس مبارك، الذى لم يكن مغرما بنائب الرئيس الأمريكى، كما كان ينزعج من اتصال أى مسئول أجنبى به غير رئيس الدولة. ورفض مبارك الرد على اتصال آل جور الهاتفى، فلجأ الأخير إلى الاتصال بأسامة الباز كبير مستشارى الرئيس مبارك، وتحدث معه عن مخاوف أمريكا من التحرك العربى فى مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووى، وأجرى الباز اتصالا هاتفيا بنبيل العربى رئيس الوفد لينقل إليه الرسالة الأمريكية، لكنه لم يرد على الاتصال من القاهرة.

وبعد ذلك بأيام قليلة، كتب الرئيس كلينتون رسالة إلى مبارك يشكو فيها من نشاط الوفد المصرى فى نيويورك، ويطالبه بتخلى مصر عن المطالبة بإصدار قرار بشأن الشرق الأوسط، والسماح بتمرير تمديد معاهدة منع الانتشار النووى، دون ربط ذلك بأى قرار خاص بموضوعات الشرق الأوسط. وقد أبلغنى الدبلوماسى الأمريكى رفيع المستوى روبرت إينهورن والعضو البارز فى الوفد الأمريكى للمؤتمر بإرسال هذا الخطاب، ثم فوجئ عندما قلت له إنه أسعدنى بإبلاغى بهذا الأمر، وكنت أعرف أن مبارك يستاء من مثل هذه الشكاوى، وغالبا ما يتبنى مواقف معاكسة تماما لما يطلبه الأمريكيون فى سياق النقد الشخصى والحاد للمواقف المصرية أو وفودها. وفى غمرة هذه الأحداث اتصل بى عمرو موسى ليناقش معى تطورات المفاوضات، وتحدث بشكل عابر عن رسالة كلينتون ومحاولات آل جور الاتصال بمبارك التى علمنا بها من الجانب الأمريكى. وكان وزير الخارجية يطلع الرئيس مبارك على تفاصيل المفاوضات، وفى النهاية قال موسى إن مبارك يؤكد ضرورة التمسك بالموقف المصرى فى المؤتمر وعدم التردد فى رفض الضغوط الأمريكية.

ومع اقتراب الجلسات الختامية للمؤتمر قالت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية الولايات المتحدة، إن بلادها لا يمكن أن تقبل الإشارة إلى إسرائيل فى قرار مواز لقرار الموافقة على تمديد الاتفاقية. ومن جانبنا قلنا إن مصر لا يمكنها تقديم مسودة قرار بشأن الشرق الأوسط لا يشير إلى إسرائيل بالاسم، باعتبارها الدولة الوحيدة فى المنطقة التى لديها برنامج نووى كبير، ولم توقع على معاهدة منع الانتشار النووى. واقترحت أولبرايت طرح مسودة القرار المصرى للتصويت، على أن تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت، مقابل تمرير تمديد المعاهدة بدون تصويت، لكننا قلنا إنه يجب معاملة كل القرارات بنفس الطريقة، فإما تمر كلها عبر التصويت أو تمر بدون تصويت.
وبعد سلسلة مناقشات حامية والوصول إلى طريق مسدود تقريبا، اقترحت إمكانية تمرير مسودة القرار الخاص بالشرق الأوسط دون الإشارة إلى إسرائيل مباشرة، إذا تم تقديم المسودة برعاية الدول الثلاث المودع لديها المعاهدة وهى روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة وليس برعاية الدول العربية باعتبار أن هذا الأمر سيمنح موضوع السلاح النووى فى الشرق الأوسط أهمية دولية وليس إقليمية فحسب.
فى البداية تعاملت أولبرايت بغضب ودهشة مع اقتراحى. كما كانت متأكدة من أن بريطانيا وروسيا سترفضان الاقتراح، لكنها فوجئت بأن الدولتين وافقتا عليه. وعاد الأمريكيون إلينا، وطلبوا إدخال بعض التعديلات على نص القرار، بعد أن وافقت الدول الثلاث على رعايته، كما وافقت الدول الثلاث على تمرير كل القرارات بدون تصويت، وكان هذا أمرا جيدا بالنسبة لنا.

وتواصلت جهود مصر بعد ذلك من أجل إلزام كل دول المنطقة بمنع الانتشار النووى، وتم عقد مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووى فى عام 2000 دون أن يكون قد تحقق أى تقدم نحو تطبيق القرار الخاص بالشرق الأوسط والذى صدر فى مؤتمر 1995. وكانت مصر غاضبة وأصرت على ضرورة الإشارة إلى إسرائيل بالاسم، فى وثيقة مراجعة عام 2000. وكان الموقف المصرى موجها إلى الولايات المتحدة أكثر منه موجها إلى إسرائيل، لأن الأولى لم تكن من الأساس جادة فى الالتزام بالحل الوسط الذى تم التوصل إليه فى مؤتمر المراجعة عام 1995. وكان تركيز الولايات المتحدة فى عام 2000 منصبا على العراق وإيران، لذلك كانت مستعدة للقبول بأى شىء بما فى ذلك الإشارة لإسرائيل مقابل اتخاذ موقف قوى بشأن البرنامج النووى لكل من العراق وإيران.

ورغم أن إيران عام 1974 انضمت إلى مصر فى تقديم مشروع قرار مشترك إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يقترح إعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، فإن أنشطتها النووية خلال السنوات العشر الماضية على الأقل أصبحت مصدر قلق كبير لدول العالم بشكل عام وجيرانها من دول الخليج العربى بشكل خاص.
ومما يعمق مشاعر القلق تجاه الطموحات النووية الإيرانية، تزايد أنشطة طهران الإقليمية التى تهدد الدول العربية منطقة الخليج والعراق وفى منطقة الشام.
وتواصلت محاولتى الحذرة والمحسوبة بدقة لتشجيع إقامة حوار عربى إيرانى خلال عامى ٢٠١٣ و٢٠١٤ أثناء وجودى على رأس وزارة الخارجية. وخلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠١٣، قلت للأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية الراحل إنه من الأفضل التواصل مباشرة مع الإيرانيين والدخول فى مناقشات جادة معهم، حيث كان واضحا لى فى أواخر ٢٠١٣ أن المفاوضات الجارية بين القوى الغربية وإيران بشأن البرنامج النووى للأخيرة أصبحت جادة. وشرحت للأمير سعود أن الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولى وألمانيا ستتوصل إلى اتفاق قريبا مع إيران؛ ولذلك من المهم بالنسبة لمصر، والأفضل بالنسبة للسعودية الجار المباشر صاحب المخاوف الكبيرة المشروعة، بدء التواصل مع إيران بشأن المصالح العربية وليس مجرد الاستماع إلى التقارير الأجنبية بشأن المفاوضات التى تجريها القوى الغربية مع طهران.

رد الأمير سعود بأنه على إيران أن تصدر أولا إعلانا بالالتزام بعلاقات حسن الجوار، لكننى حذرت من أن التوجهات السياسية الأكثر تقدمية فى إيران يمكن أن تصدر مثل هذا البيان بسهولة، دون أن يكون ذلك مؤشرا على التزام جاد من جانب التيارات الأشد تطرفا صاحبة النفوذ الأقوى فى نظام الحكم. وطلبت منه تقديم خطوات وإجراءات محددة مطلوب من إيران اتخاذها لتكون دليلا قاطعا على جديتها فى التهدئة، فقال إن السعودية وإيران وقعتا بروتوكولا للتعاون الأمنى لكن الأخيرة لا تحترمه. وأضاف أن التزام إيران بهذا البروتوكول يمكن أن يكون بداية جيدة لقياس مدى الجدية فى العمل على تحسين العلاقات بين الجانبين. وللأسف لم تسفر محاولاتى عن نتائج ملموسة فى تلك الأيام.
وظلت العلاقات العربية الإيرانية فاترة فى الأعوام الخمسة التالية على ذلك، بما فى ذلك مع مصر، مع تنامى النفوذ الإيرانى الإقليمى بما يثير مخاوف العرب.
وانسحبت الولايات المتحدة فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووى مع إيران الذى كانت وقعته مع الدول دائمة العضوية الأخرى فى مجلس الأمن وألمانيا، وجمدت المساعدات والأموال المفترض أن يتم الافراج عنها بموجب بهذا الاتفاق.

ورغم استئناف مفاوضات إحياء الاتفاق النووى الإيرانى بعد وصول الرئيس الأمريكى جو بايدن للسلطة، ما زالت إسرائيل وإيران عقبة كئود فى طريق إقامة شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved