جودة عبدالخالق منسق الملف الاقتصادي بالحوار الوطني: لا بديل حاليا عن صندوق النقد.. المهم كيف نتفاوض معه

آخر تحديث: الخميس 18 أغسطس 2022 - 7:51 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ محمد عصام:

ــ مفاوضات صندوق النقد والسياسة النقدية للبنك المركزى والسيطرة على التضخم أهم أولوياتنا
ــ لا يوجد برنامج إصلاح يهوى بقيمة العملة الوطنية ويغرق البلاد فى موجة تضخمية عاتية.. وشروط صندوق النقد أسقطت الطبقات المتوسطة فى براثن الفقر
ــ صرف حزم اجتماعية بعد رفع أسعار السلع والتضخم غير مجد ولا يعوض الناس عن ارتفاع تكاليف المعيشة
ــ التضخم فى مصر ناتج عن ارتفاع أسعار السلع المستوردة والاحتكار وليس ارتفاع الطلب
ــ الاعتماد على القطاعات الإنتاجية أفضل علاج للتحوط ضد الأزمات الخارجية
ــ صياغة استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائى من القمح والزيوت
قال الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التضامن الاجتماعى والتموين الأسبق، ومنسق الملف الاقتصادى فى الحوار الوطنى: إن السياسة النقدية، ووضع قيود على الاقتراض أحد أهم الملفات المطروحة خلال الحوار، والذى سيناقش الإدارة الكلية الاقتصادية للبلاد، فما يتعلق بالتفاوض الجديد مع صندوق النقد الدولى.
وأوضح المفكر الاقتصادى البارز، فى حوار مع «الشروق»، أن صياغة استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائى من القمح والزيوت، من أهم أولويات المناقشات فى الحوار الوطنى، قائلا «سنعمل على إعداد قائمة بأهم المشروعات القومية وإعطاء أولوية للمشروعات التى تخدم الإنتاج الزراعى والصناعى».
ودعا الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إبريل الماضى، إلى حوار وطنى شامل يضم كافة القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لمناقشة القضايا التى تتعلق بمستقبل البلاد، والوقوف على تحديات الوطن والمشكلات التى تشغل المواطن، مع ما سببته الحرب الروسية الأوكرانية من أزمات على الأسواق الناشئة، نال الاقتصاد المصرى قسطا منها. وإلى نص الحوار مع د. جودة عبدالخالق:
> كيف رأيت دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لعقد حوار وطنى، ولماذا تم إدراج الجانب الاقتصادى ضمن فعالياته؟
ــ الدعوة إلى عقد حوار وطنى جاءت فى توقيت مهم، بهدف إدارة حوار مع جميع التيارات السياسية والحزبية والشبابية، حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة المقبلة.
وقد يتطرق لفهم البعض من منظور ضيق أن مسمى حوار سياسى يعنى مناقشة القضايا السياسية فقط، ولكن كلمة سياسى لها منظور أوسع وشامل وهى كيفية إدارة الشأن العام للدولة؛ ليندرج تحتها مناقشة كل القضايا التى تتعلق به والتحديات التى تواجه المواطنين.
ورأت الأمانة العامة للحوار الوطنى بعد أن تلقت عبر الموقع الإلكترونى للحوار، العديد من المبادرات من كل أطياف المجتمع حول رؤيتها لما سيتم مناقشته فى الحوار الوطنى، أن تقسم القضايا محل النقاش إلى ثلاث قضايا أساسية، سياسية تتعلق بالانتخابات وحرية التعبير عن الرأى، واقتصادية لبحث تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد وما يواجه المواطن من ارتفاع فى الأسعار، وقضايا اجتماعية حول تفكك الأسر وانتشار الجريمة، وأن اتخاذ أى إجراء لحل أى من القضايا يحتاج قرارا سياسيا وتوافقا وطنيا؛ لذلك جاء بدعوة واهتمام ورعاية من أعلى سلطة فى الدولة الرئيس عبدالفتاح السيسى.
> ما أهم القضايا الاقتصادية التى سيتم إدراجها لمناقشتها خلال جلسات الحوار الوطنى؟
ــ سنناقش الإدارة الكلية الاقتصادية للبلاد، فما يتعلق بالمفاوضات الجديدة مع صندوق النقد الدولى والسياسة النقدية للبنك المركزى من سعر الصرف وأسعار الفائدة، وكيفية السيطرة على مستويات التضخم، والموازنة العامة للدولة من ترتيب أولويات الإنفاق ورفع الإيرادات العامة للدولة وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم ووضع قيود على الاقتراض، وارتفاع الأسعار الذى يواجه المواطنين بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وزيادة حركة التصنيع والإنتاج المحلى، وتحسين مناخ الاستثمار وفتح الاقتصاد أمام القطاع الخاص.
> بالتزامن مع التجهيز لعقد الحوار الوطنى تجرى مصر مفاوضات مع صندوق النقد الدولى، حول قرض جديد، للمرة الرابعة خلال 6 سنوات، كيف ترى هذه المفاوضات؟
ــ بدأت مصر التعاون مع صندوق النقد الدولى فى 2016، والتى أطلقت عليه الحكومة برنامج الإصلاح الاقتصادى وقتها، بينما سميته أنا برنامج الإفساد الاقتصادى، لأنه لا يوجد برنامج إصلاح يهوى بقيمة العملة الوطنية من 5 جنيهات إلى أعلى من 18 جنيها، لتضرب البلاد موجة تضخمية عاتية تصل إلى 30% تسقط الطبقات الفقيرة والمتوسطة فى براثن الفقر فأين الإصلاح الاقتصادى إذن؟!. ولأن الحكومة ليس لديها تصورات أخرى ولا تمتلك قدرة ولا مهارة على التعامل مع خبراء الصندوق، فأنا أعتبرهم موظفين يطبقون سياسة صندوق النقد كما يطلبون دون مراجعة ومعرفة ما يتماشى مع الاقتصاد المصرى من إجراءات يطلبها فيتم تنفيذها، وأخرى لا يتحمل تطبيقها فترفض.
أتوقع أن يطلب الصندوق فى المفاوضات الجديدة تطبيق نفس الإجراءات الاقتصادية التى سبق واشترطها فى 2016، فيما يتعلق بسياسة تحرير سعر الصرف وربطه مباشرة بالدولار، وجذب رءوس الأموال الأجنبية للاستثمار فى أدوات الدين المحلية برفع العائد لهم، وإعطائهم حرية الخروج على أن يتم دعم قيمة العملة المحلية من الاحتياطى النقدى الذى يكون بالفعل من تلك الأموال ثم تنهار مع أقل صدمة خارجية، واستهداف السيطرة على مستويات التضخم بسياسة رفع أسعار الفائدة والتى لا تتماشى مع مصر ولكن مع اقتصاديات الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة حيث تعتمد الشركات فيها على الاقتراض من البنوك للاستثمار والمستهلكين على البطاقات البنكية لشراء احتياجاتهم، لذلك يؤثر فيها رفع وخفض الفائدة، على عكس الاقتصاد المصرى الذى لا يكون فيه التضخم ناتجا عن زيادة الطلب أو الاقتراض من البنوك بل إجراءات الصندوق.
> مع ما تم ذكره سابقًا.. هل ترى أن هناك بدائل أخرى أمام الاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن بدلا من الاقتراض من صندوق النقد الدولى؟
ــ فى الوقت الراهن ومع ما تفرضه الحرب الروسية الأوكرانية من تداعيات سلبية على تراجع النقد الأجنبى، وارتفاع عجز ميزان المدفوعات متأثرا بارتفاع أسعار السلع الأساسية المستوردة من الخارج مثل القمح والبترول، لا يوجد بدائل سوى اللجوء لصندوق النقد الدولى، ولكن يجب قبل أن يذهب أعضاء الحكومة من اللجنة الاقتصادية، للتفاوض مع الصندوق، بعد مذاكرة وضع الاقتصاد المصرى وما يحتاجه من إصلاحات فعلية، وإن لم يحدث ذلك سيجلسون كموظفين أمام خبراء الصندوق يطبقون السياسات التى يطلبونها دون مراعاة هل تتماشى مع الوضع الاقتصاد المصرى أم لا، لذلك لابد من بذل مجهود مع خبراء الصندوق لخلق برنامج اقتصادى بنكهة وطنية يأخذ فى اعتباره خصائص الاقتصاد المصرى والعوامل الحاكمة له، وستعمل جلسات الحوار الوطنى فى الجانب الاقتصادى فى وضع تصور لما يحتاجه الاقتصاد المصرى من إصلاحات فعلية، وما يمكن أن نتقبله من شروط الصندوق، أو لا نتقبله فنعيد التفاوض معهم عليه مرة أخرى، وهذا ما حدث بالفعل مع المكسيك والبرازيل فى تعاملهما مع صندوق النقد الدولى؛ حيث إن حكومتى الدولتين لم يتقبلا اشتراطات الصندوق بشكل كامل، بل كان يتم التفاوض حول بعض الاشتراطات التى قد لا تحملها شعوبهما مثل رفع الدعم أو تحرير العملة، خاصة أن خبراء الصندوق لا يكون عندهم إلمام كامل بالأوضاع الاقتصادية لكل دولة، هم لديهم أجندة ويريدون تطبيقها.
> إذا تم بالفعل توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولى، ما رؤيتك لأهم النقاط التى يجب أن تراعيها الحكومة فى المفاوضات، وكيف يتم حماية الطبقات الفقيرة والمتوسط من تداعيات أى برنامج جديد؟
ــ أى اتفاق جديد يجب أن يراعى ألا يتم ربط سعر صرف الجنيه بالدولار مباشرة بل بسلة من العملات الرئيسية، خاصة أن الدولار لا يستحوذ على النسبة الأكبر من حجم التعاملات الخارجية لمصر، وهو ما لم يسمح بانخفاض كبير فى قيمة العملة كما يحدث حاليا، ووضع ضوابط على استثمارات الأجانب فى أدوات الدين حتى لا تتخارج مباشرة مع أول أزمة تحدث وتهوى الاحتياطات النقدية، ومراقبة حركة الأجانب على أذون الخزانة، واتخاذ قيود على الواردات غير الضرورية والتعامل معها بحسب أهميتها النسبية من خلال تخفيضها 20% من خلال التعامل مع منظمة التجارة العالمية وشرح الوضع الاقتصادى المصرى لها، وما يسبب ارتفاع عجز الميزان التجارى من ضغط على العملة الصعبة فى تخفيض الواردات لفترة استثنائية دون الإضرار بالعلاقات التجارية مع الدول الأخرى، بالإضافة إلى عدم استخدام سعر الفائدة المرتفع فى السيطرة على التضخم.
يجب أن يراعى البرنامج الجديد تجنب السياسات التى تضغط على الطبقات الفقيرة والمتوسطة وتفقرهم من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية، والتخلى عن منطق الحماية الاجتماعية، فليس من المعقول أن تتخذ إجراءات ترفع أسعار السلع ومستويات التضخم ثم تقوم بصرف حزم تعويضية لهم تسمى الحزم الاجتماعية، خاصة أن تلك الحزم لن تعوضهم عن ارتفاع تكاليف المعيشة، كما أنها تضغط على ارتفاع عجز الموازنة بسبب تخصيص بنود مالية لها، من إيرادات الدولة كان الأفضل إنفاقها على قطاعات أخرى.
> لماذا ترى أن سياسة رفع سعر الفائدة لا تخفض التضخم فى مصر؟
ــ التضخم الناتج حاليا ليس نتيجة ارتفاع الطلب، بل لارتفاع أسعار السلع المستوردة، وعمليات احتكار من قبل التجار؛ لذلك سنبحث خلال فاعليات الحوار الوطنى تفعيل دور الحكومة فى زيادة الرقابة على الأسواق، وتعديل قوانين حماية المنافسة وحماية المستهلك لتغليظ العقوبات على عمليات التلاعب فى الأسعار، وعقد اجتماعات مع اتحاد الصناعات والغرف التجارية لمعرفة السعر العادل لتكلفة إنتاج السلعة وإعلانه.
> العديد من التقارير الدولية تقول إن الاقتصاد المصرى ما زال يعانى من الهشاشة التى تجعله عرضة للأزمات الاقتصادية العالمية.. ما الآليات التى تركزون عليها خلال فعاليات الحوار الوطنى لجعل الاقتصاد المصرى صلبا فى مواجهة الأزمات العالمية حتى لا يشعر بها المواطن؟
ــ لا يمكن أن يكون أى اقتصاد صلبا وقادرا على مواجهة الأزمات الخارجية إلا بالاعتماد على قطاعات الإنتاج الحقيقية وبالتحديد الزراعة والصناعة، وطوال السنوات الأخيرة الماضية اعتمدت الحكومة على قطاع التشييد والتعمير، حتى أصبحت تعمل كمطور عقارى، وهو ما جعل الاقتصاد يتأثر بشدة بأزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية لأنه قطاع ليس إنتاجيا، لذلك سنعمل فى الحوار الوطنى على صياغة استراتيجية إعطاء أولوية لإحداث طفرة فى قطاعى الصناعة والزراعة، وأن يستحوذا على النسبة الأكبر من النمو الاقتصادى للبلاد.
المشكلة الحقيقية التى تقيد فرص نمو هذين القطاعين ليس توافر الأموال، ولكن أن يكون لدينا استراتيجيات ورؤى واضحة بما نحتاجه منهما، فمثلا فى القطاع الزراعى يجب أن ترفع الدولة شعار الأمن الغذائى وليس الاكتفاء الذاتى، والأمن الغذائى إنتاج ما هو ضرورى من غذاء للمواطن بنسب آمنة، من مصادر محلية مع استكمال النسب المتبقية من مصادر استيرادية متنوعة، لذلك فإن الحكومة بسبب عدم امتلاكها هذه الرؤية لقطاع الزراعى وجدت نفسها فى مأزق حقيقى عند اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فهى لم تنوع مصادر استيرادها من الحبوب ولم تحقق إنتاجية آمنة.
ولتحقيق الأمن الغذائى يجب وضع استراتيجية تعطى أولوية لزراعة محاصيل مثل القمح والفول والعدس والأرز والنباتات الزيتية، ليس عن طريق التوسع الأفقى باستصلاح أراضٍ زراعية جديدة كما يحدث الآن، والذى يكلف الدولة أموالا طائلة ويرفع من حجم استهلاك المياه، لكن التاريخ أثبت بالتجربة أن من الأفضل استنباط سلالات جديدة ترفع إنتاجيتها من تلك المحاصيل بنفس المساحة المزروعة، وهذا ما فعلته الهند حيث كانت بلدا تعانى فى الخمسينيات والستينيات من المجاعات، بعدها وجهت استثماراتها فى عمليات البحث والتطوير لاستنباط سلالات زراعية مقاومة للآفات وعالية الإنتاج وأكثر تحملا للتغيرات المناخية، حتى أصبحت الآن مصدرة للقمح.
> صدرت دعوات لإيقاف تنفيذ بعض المشروعات القومية، بالرغم من أهميتها للاقتصاد، وتوجيه استثماراتها لرفع مستويات معيشة المواطنين، كيف يتناول الحوار الوطنى ملف هذه المشروعات؟.
بالنسبة للمشروعات القومية فهناك مشروعات كانت تستحق التنفيذ، ويجب استكمالها حال عدم اكتمالها، ومن ذلك مشروع قناة السويس الجديدة الذى كان من الضرورى تنفيذه لحماية تنافسية القناة مع حديث دول عن استعدادها لإقامة مشروعات بديلة لقناة السويس، فهذا المشروع قتل أحلامهم وعزز مكانة قناة السويس كممر ملاحى عالمى، أيضا مشروعات محطات الكهرباء التى لولاها لكان هناك تداعيات سلبية على القطاع الصناعى وهروب المستثمرين، ومشروعات القطاع الزراعى واستصلاح الأراضى الجديدة، ولكن أيضا هناك مشروعات تحتاج إلى مراجعة خاصة المشروعات العقارية التى تنفذها الدولة مثل العلمين الجديد، والعاصمة الإدارية.
لجنة المحور الاقتصادى بالحوار الوطنى ستعمل على تحديد قائمة بأسماء المشروعات القومية التى يجب تنفيذها، وتقسيمها من الأكثر أهمية ثم الأقل أهمية فى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، لنعطى أولوية للمشروعات التى تخدم الإنتاج الزراعى والصناعى مثل مشروع تبطين الترع، أو استصلاح الأراضى الزراعية أو تحلية المياه، مع التركيز على المشروعات التى قاربت على الاستكمال، بينما المشروعات التى نشرع فى تنفيذها أو أقل أهمية إما نصرف النظر عنها، أو نبطئ معدلات التنفيذ فيها بما يتناسب مع الوضع المالى للدولة.
> كيف سيناقش الحوار الوطنى زيادة مساهمة القطاع الخاص فى النمو الاقتصادى؟
ــ القطاع الخاص لا بديل عنه فى دفع معدلات النمو الاقتصادى، وهناك حرص من الدولة على زيادة مساهمتها، لكن هناك شعورا من رجال الأعمال أن الدولة تنافسهم؛ لذلك سنعمل على أن يقف الاقتصاد على قدم المساوة بين القطاع الخاص والحكومى؛ وتعزيز الاستثمارات المشتركة بينهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved