نبيل نعوم يكتب: هيئات اللحى

آخر تحديث: السبت 18 سبتمبر 2021 - 12:19 م بتوقيت القاهرة

كانت اللحية في العصور المصرية القديمة، دليلا على المكانة الاجتماعية المتميزة، وتمييزا للملوك عن عامة الشعب، رغم كونها في الغالب لحى مزيفة. لم تكن اللحية في ذلك الوقت معيارا للرجولة، إذ ارتبطت بالآلهة، ولذا ارتدى الملوك اللحى خلال الاحتفالات والمناسبات، وقد كان من المعتاد ارتداء المرأة الحاكمة نفس اللحية أو الذقن المستعارة. ولم يكن لدي المصريين القدماء مشاكل مع نمو الذقن، لكنهم اختاروا الذقن المستعارة كبديل حرصا على نظافتهم الشخصية، حيث اعتبروا اللحية والشوارب والحواجب الكثيفة دليلا على عدم النظافة. وحافظ الملوك على ارتداء اللحية المستعارة حتى بعد الموت تشبها بالإله أوزوريس إله الموت والحياة بعد الموت، وكانت اللحى المستعارة المصنوعة من المواد المختلفة تضاف إلى مومياواتهم وتوابيتهم. كما كانت حلاقة الرأس والذقن، بل الجسد كله بالنسبة للكهنة بمثابة واجب ديني. وقد علق المؤرخ اليوناني "هيرودوت" على هذه الممارسة في القرن الخامس قبل الميلاد قائلا: "الكهنة المصريون يحلقون أجسادهم تماما كل يومين للحماية من القمل الذي يتعارض مع طهارتهم المطلوبة لأداء الصلوات". وفيما بعد ظهرت شخصيات دينية في تماثيل ملتحية، كآلهة وملوك الآشوريين في حضارة بلاد الرافدين، وزيوس أبي الآلهة والبشر عند الإغريق، وفي الصور والتماثيل التي تمثل الفيلسوف والمعلم الصيني كونفوشيوس، يظهر بلحية مهذبة ومدببة الطرف. والإله الجرماني ثور إله البرق، والذي قدمت الأساطير الاسكندنافية العديد من القصص عنه ووصفت شكله عموما بأنه ذو عينين حادتين وأحمر الشعر واللحية. واستمرت اللحية في تمثيل مفاهيم القوة والرجولة إلى أن جاء ملك مقدونيا الإسكندر الأكبر، وأصدر قراراً يُلزم الجنود بحلق اللحى، وذلك خشية أن يشدهم الأعداء من لحاهم ويؤخروهم أو يهزموهم في المعركة. وفي القرن السادس عشر في أوروبا، أطلق الرجال العنان للحاهم. وبدأوا بإطالتها، والاهتمام بتصميمها. وبقي الحال على ما هو عليه إلى أن جاء منتصف القرن السابع عشر، فباتت الذقن المحلوقة علامة للتحضر.

وفي مجال هيئات اللحى يأتي اسم "باربوسا" أو صاحب اللحية الحمراء. وقد ظهر كشخصية خيالية لقبطان قرصان باسم "هكتور باربوسا" في أفلام قراصنة الكاريبي التي وضع سيناريوهاتها الكاتب والسيناريست الأمريكي المشهور تيد إليوت. وهذه الشخصية مستوحاة من القائد الإسلامي "خير الدين بربروس" صاحب اللحية الحمراء، الذي لقبه السلطان سليم الأول ب¬ خير الدين باشا، والذي أخضع البحر المتوسط لحكم العثمانيين، ودمر الأساطيل الإسبانية، والبرتغالية، والفرنسية، والبريطانية.

وذو اللحية الزرقاء "بلوبيرد Bluebeard"، في الحكاية الخرافية للكاتب الفرنسي شارل بيرو المنشورة عام 1697، وتحكي قصة قاتل متسلسل، قتل زوجاته وأخفي جثثهن في غرفة مغلقة، بعد أن منعهن من فتح باب غرفة معين في غيابه، لكنهن لم ينفذن أمره، ودفعهن فضولهن لفتحه. وقد أُنتجت القصة في العديد من الأفلام، وأيضا في أوبرا تحت عنوان "آريان والذقن الزرقاء" لبول ديكاس، عن نص لموريس مترلينك، وفيها آريان المرأة الشجاعة والزوجة السادسة لذي الذقن الزرقاء، تفتح الباب الممنوع، وتكتشف الخمس زوجات السابقات ما زلن أحياء، وتعمل على تحريرهن من يد زوجهن السفاح.

واستناداً إلى مقال نُشر في النيويورك تايمز تحت عنوان "هل تزيد اللحى من جاذبية الرجل؟"، ذكرت دراسة أجرتها جامعة كوينزلاند في استراليا لمعرفة الدور التي تقوم به اللحى في زيادة جاذبية الرجل. وقام الفريق بجمع 8,520 امرأة، تم تقسيمهن على ثلاث مجموعات. واستعرض الفريق أمام هذه المجموعات صور رجال بذقون نظيفة، وأخرى لرجال لم يحلقوا لمدة 5 أيام، وصوراً لرجال لم يحلقوا لمدة 10 أيام، وأخيراً صوراً لرجال استمروا بإطالة لحاهم على مدى شهر كامل. وأجمعت معظم النساء على أن الرجال الملتحين هم الأكثر جاذبية، وهم أهلٌ للعلاقات الطويلة الأمد وتحمل مسؤوليات الأسرة، على عكس الرجال الحليقين.

وحاليا نجد أن الكثير من الشباب والرجال يحافظون على لحاهم كنوع من الأناقة، وإن اختلفت عن موضة إطلاق اللحى في فترة الهيبيز في للولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي، وعن اللحى المرسلة لدي المجاهدين في الحركات العسكرية السياسية والدينية المعاصرة.

وحسب إيان سامبل محرر الصفحة العلمية بجريدة الجارديان البريطانية، فقد فاز البروفسور دافيد كاريير أستاذ علم البيولوجي بجامعة يوتا بجائزة "أي جي نوبل "Ig Nobel"، وهي جائزة مختلفة عن جائزة نوبل السويدية، وتمنح للبحوث الغير معتادة في أنواع العلوم المختلفة، والتي قد تدعو الناس للسخرية في أول الأمر، ولكنها ستجعلهم يفكرون في النهاية. ولم توزع الجوائز العشر هذا العام بمسرح جامعة هارفارد كالمعتاد، ولكن خلال البث الافتراضي. وكان بحث الدكتور كارير ومعاونيه عن نظريته بأن الرجال احتفظوا بلحاهم لحماية وجوههم أثناء الصراع بالملاكمة بالأيدي، بينما حسب نظرية شارلز داروين، فالرجال في تطورهم احتفظوا بلحاهم كحلية لإغراء وإثارة الجنس الآخر. وقد وجد البروفسور كارير أن إسقاط أثقال على مواد تماثل عظام الوجه المغطاة بصوف الخراف تتحمل الضربات أكثر من مماثلها للجلد العاري.

وهنالك العديد من الأمثال حول الذقن واللحية ومنها لعدم الشراهة يقول المثل "عند البطون ضاعت الدقون"، وعن سرعة البديهة والحرص يقول المثل "إذا رأيت لحية جارك تحترق بلل لحيتك"، وفي ذم طيش الرجال "شابت لحاهم والعقل لسه ماجاهم".

والمثل الذي يدعو إلى الهمة والإقدام ويبين مدى أهمية اللحى والحرص على عدم قصها "كون في الأول يا جحا ولو بقص اللحى".

كما يقال أيضا "بوس الإدين ضحك على الدقون" وهو ما يحدث كثيرا حاليا لمن يخدع الناس ويتذاكى على أصحاب الخبرة )الدقون:البالغين( بالمداهنة وبمعسول الكلام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved