نبيل نعوم يكتب: العسل المر
آخر تحديث: الجمعة 18 نوفمبر 2022 - 6:10 م بتوقيت القاهرة
يحتوى العسل على سكريات أغلبها أحادى وخمائر وأحماض أمينية وفيتامينات متنوعة ومعادن، وقد أقر العلم الحديث كون عسل النحل مضادا حيويا طبيعيا ومقويا لجسم الإنسان (يقوى جهاز المناعة)، كما أن له خصائص فى علاج الحروق والجروح وكثير من الأمراض الأخرى. ومنذ 8 آلاف سنة كان إنسان العصر الحجرى، يتناول فى طعامه عسل النحل وكان يستخدمه كعلاج؛ وهذا ما نجده فى الصور والمخطوطات والبرديات لقدماء المصريين والسومريين بالعراق وسوريا. وكان قدماء المصريين يستخدمون العسل ليس فقط كغذاء، ولكن أيضا للعلاج والتجميل وفى التحنيط ليحافظ على أنسجة المومياوات. وقد ورد ذكره فى القرآن الكريم وفى بعض الكتب المقدسة الأخرى، ومنها الصينية والهندية. وتختلف أنواع العسل حسب الأزهار التى يجنى النحل رحيقها. ومن بين هذه الأنواع يوجد العسل المر. وهو من أثمن أنواع العسل سعرا بسبب ندرته، مثل عسل «كوربيزولو» الذى يُحصل عليه من الإزهار الخريفى لشجرة الفراولة البرية فى جزيرة سردينيا. وهو عسل ليس حلو المذاق، وله تاريخ يعود إلى أكثر من 2000 عام، ويتميز بأن مذاقه مختلف عن بقية أنواع العسل. فبدلا من الحلاوة التى يتوقعها المرء، فإن هذا العسل النادر للغاية والموجود فى جبال جزيرة سردينيا الإيطالية، مر بشكل خاص.
وذكر رجل الدولة والمحامى والفيلسوف ماركوس توليوس شيشرون (106 ــ 43 قبل الميلاد) العسل فى حديثه عن مواطن رومانى متهم بارتكاب جريمة قتل فى بلدة نورا بجزيرة سردينيا، قائلا: «كل ما تنتجه جزيرة سردينيا، رجالا وأشياء، سيئ. حتى العسل الموجود بكثرة فى تلك الجزيرة مر». ربما لم يكن شيشرون يعلم أن عسل كوربيزولو المر ملىء بالعناصر الغذائية وغنى بالفيتامينات والمعادن، ومضاد للالتهابات، وهو الأمر الذى جعله محل تقدير كبير من قبل أجيال بعد أجيال على تلك الجزيرة المعروفة بطول عمر سكانها، والذين يعيش الكثير منهم لأكثر من 100 عام.
والعسل الجبلى المر الليبى، عسل زهرة الحنون يعتبر من أجود أنواع العسل المر، وهو نوع من أنواع العسل الذى يتم استخلاصه من نحل تغذى على أزهار شجيرات الشمارى، وهى من أشهر الأزهار التى يتغذى عليها النحل فى الجبل الأخضر، ويكون طعم هذا العسل مرا ولاذعا قليلا وذلك نتيجة لرحيق هذه الأزهار، ولذلك سُمى بالمُر، حيث يمتاز هذا العسل بلونه الداكن. وله العديد من الفوائد المُختلفة لصحة الإنسان ومنها:
1. تخفيف الأعراض التى تُصاحب مرض السُكرى وذلك عن طريق خفض نسبة السكر فى الدم؛ لاحتوائه على سكر الفواكه الذى لا يحتاج للإنسولين لحرقه.
2. تحسين حاسة البصر والتخلص من المشاكل التى قد تُصيبه، لاحتوائه على فيتامين ب 2 وفيتامين أ.
3. علاج ومُحاربة الأمراض والمشاكل الجلدية والوقاية من حدوثها؛ لاحتوائه على فيتامين ب 3 وفيتامين هـ.
4. الوقاية من الإصابة بأمراض الكبد والبنكرياس والأنيميا الخبيثة؛ لاحتوائه على نسبة مرتفعة من حمض الفوليك.
5. علاج المشاكل التى تُصيب الفم كالتهابات اللثة واللسان، وتسوس الأسنان، وتشقق الشفاة؛ لاحتوائه على الفلور.
6. التخلص من مشكلة الصداع العصبى؛ لاحتوائه على فيتامين أ.
وهناك أيضا عسل «مانوكا» النيوزيلاندى، ويتميز بمذاق قوى ولاذع، بل مر إلى حد ما، ويكاد يخلو من السكر، كما أن لونه غامق بدرجة كبيرة، يتراوح بين الرملى الغامق والبنى الغامق، ويعتبر أحد أجود أنواع العسل الموجودة فى العالم، وقد يكون من أغلاها سعرا وبه الكثير من الخصائص الطبية لعسل زهرة الحنون المر.
وجدير بالذكر أن العسل الجبلى اليمنى يعتبر من أجود أنواع العسل، ولكن كما كدنا نقضى على النحل فى الكثير من البلاد حول العالم بسبب المبيدات الحشرية، فالحرب فى اليمن تشكل حاجزا أمام استمرار إنتاج العسل، إذ فى العادة، يتنقّل مربو النحل بحسب مواسم الإنتاج من منطقة إلى أخرى فى اليمن، بحثا عن النباتات المزهرة، ولكن الحرب غيرت ذلك. وتقول الأمم المتحدة: «هناك حوالى 100 ألف أسرة يمنية تعمل فى تربية النحل وتعتمد عليها بوصفها المصدر الوحيد للدخل». وقد عُرف اليمن بالعسل ذى الجودة العالية، كعسل «السدر الملكى» الذى ينتج من نبتة السدر التى تنمو فى الأراضى البرية والصحراوية فى جنوب شرق اليمن، وخاصة محافظة حضرموت. ويُعد هذا النوع من الأفضل فى العالم، ويُعرف بشدة كثافته، ويمكن حفظه لوقت طويل جدا. ويُعتبر منتجا نادرا للغاية وباهظ الثمن أيضا.
والآن ماذا عن هذا المنتج السحرى المسمى بالعسل وعن النحل.
سوف يجمع نحل العسل الرحيق من حوالى مليونى زهرة ويطير لمسافة 80.000 كم ليصنع رطلًا واحدًا (454 جم) من العسل. لذلك سيتعين على نحلة واحدة أن تطير لمسافة 145 ألف كم – أكثر من ثلاث مرات حول العالم ــ لإنتاج رطل واحد من العسل. فى الواقع، ينتج نحل العسل العادى واحدًا من اثنتى عشرة ملعقة صغيرة من العسل فى حياته، وست وثلاثين نحلة تصنع ملعقة واحدة من العسل.
كمية خرافية من المجهود والعمل الشاق، وهذا يذكرنى بقول يوسف إدريس الكاتب الذى ترك تراثا أدبيا خالدا: «أفى أى تراث فى الدنيا يقول: الكسل أحلى مذاقا من العسل، إلا ذلك التراث العظيم.. تراثنا».
وإن كان العسل معروفا بحلاوته حتى به يوصف الكلام الطيب والمرأة الفاتنة والليالى الملاح، إلا أن المثل يقول أيضا «المرأة نحلة رائعة، تعشق الزهور، وتعطيك العسل، ولكنها قد تلسعك». وبالطبع هذا ينطبق أيضا على الرجل القادر على اللسع تماما كما المرأة.