في عيد ميلادها الـ86| مارجريت أتوود.. سيدة الديستوبيا التي لم تتوقف عن الدفاع عن حرية الكلمة

آخر تحديث: الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 - 4:51 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم

• حاربت حظر الكتب ودافعت عن الكُتّاب حول العالم ..وفازت بجائزتيّ بوكر وجوائز السلام الأدبي والشجاعة الأدبية والقلم للإنجاز مدى الحياة و"بن بنتر" لحرية التعبير وغيرها

تحتفل الأوساط الأدبية اليوم ،الثامن عشر من شهر نوفمبر ، بعيد ميلاد الروائية والشاعرة الكندية الشهيرة، مارجريت أتوود، التي تعد إحدى أبرز الأصوات الأدبية في العالم المعاصر، وصاحبة إرث يتجاوز ستة عقود من الإبداع الذي جمع بين الرواية والشعر والبحث والنشاط الثقافي.

ووُلدت "أتوود" في العاصمة الكندية أوتاوا عام 1939 لأسرة مهتمة بالطبيعة والبحث العلمي، فقد كان والدها عالم حشرات، وهو ما صَقل وعيها المبكر بالبيئة والكائنات الحية، وترك أثره العميق في معظم أعمالها التي تقترب كثيرًا من قضايا الطبيعة وتغيّر المناخ والوجود الإنساني.

ودرست "أتوود" الأدب الإنجليزي في جامعة تورونتو قبل أن تكمل دراساتها العليا في مدينة رادكليف بالولايات المتحدة، لتبدأ منذ أوائل الستينيات من القرن الماضي مسيرتها الأدبية بمجموعة شعرية أولى بعنوان "برسيفوني المزدوجة" نُشرت عام 1961 سرعان ما لفتت الأنظار إلى موهبتها، ولكن انطلاقتها الكبرى جاءت مع رواياتها التي رسخت مكانتها كواحدة من أهم كتّاب الخيال المعاصر؛ فمنذ "المرأة الصالحة للأكل" الصادرة عام 1969، مرورًا بـ "الظهور إلى السطح" و" السيدة العرّافة" ، قدمت "أتوود" أعمالًا تشتبك مع الهوية والكتابة والنسوية بأسلوب يجمع الواقعية بالحس الأسطوري.

غير أن رواية "حكاية خادمة" الصادرة عام 1985 كانت المحطة الفارقة التي وضعتها في مقدمة المشهد الأدبي العالمي؛ حيث قدمت "أتوود" من خلالها واحدة من أشهر روايات الديستوبيا في الأدب الحديث، تناولت فيها قمع النساء عبر السلطة الدينية والسياسية والمجتمعية، لتتحول لاحقًا إلى رمز ثقافي واسع الانتشار ومسلسل تلفزيوني ذائع الصيت، كما واصلت الكتابة عن هذا العالم بعد أكثر من ثلاثة عقود في رواية "الوصايا" التي تقاسمت بها جائزة البوكر الثانية لها عام 2019 مع الكاتبة البريطانية السمراء، برناردين إيفرستو.

وتضم مسيرة "أتوود" عشرات الأعمال الروائية الأخرى التي حازت اهتمامًا نقديًا بالغًا، مثل "عين القطة" التي عالجت تعقيدات الطفولة والذاكرة، ورواية "الاسم المستعار جريس" المستندة إلى قضية حقيقية في القرن التاسع عشر ثم تحولت إلى عمل تلفزيوني، إلى جانب "العروس السارقة"، و "القاتل الأعمى" التي تُوجت بالبوكر الأولى عام 2000، وثلاثية "ماد آدم" التي رسّخت وجودها في أدب الخيال العلمي البيئي عبر روايات "أوريكس وكريك" وعام الطوفان" و "ماد آدم".

ولم يقتصر إنتاج "أتوود" على الرواية؛ فهي شاعرة مخضرمة أصدرت مجموعات عديدة امتدت من بداياتها في "برسيفوني المزدوجة" و"لعبة الدائرة" وصولًا إلى أعمالها الأحدث مثل "عزيزتي" ، إضافة إلى إسهاماتها الكبيرة في القصص القصيرة والمقالات النقدية والكتب الفكرية، ومنها "التفاوض مع الموتى" و"في عوالم أخرى" و"أسئلة ملتهبة". وفي السنوات الأخيرة نشرت "أتوود" مذكراتها الأولى بعنوان "كتاب الحيوات: مذكرات على طريقتي"، مقدمة صورة ذاتية تكشف مراحل حياتها وملامح تطور مشروعها الإبداعي.

ونالت "أتوود" خلال مسيرتها الإبداعية عددًا كبيرًا من الجوائز والتكريمات، من بينها جائزتا "جفرنر جنرال" في كندا، وجائزتا بوكر، وجائزة بن بنتر PEN Pinter عام 2016، وجائزة دايتون الأدبية للسلام، إضافة إلى حصولها على مرتبة "رفيقة الشرف" من التاج البريطاني عام 2019 تقديرًا لدورها الثقافي والإنساني. كما تُعد واحدة من أبرز الكُتاب الذين امتد أثرهم خارج الكتب عبر الأعمال التلفزيونية والمسرحية والأوبرا التي استندت إلى كتاباتها، فضلًا عن نشاطها الواضح في قضايا البيئة وحقوق المرأة.

وعُرفت مارجريت أتوود بمواقفها الثابتة دفاعًا عن حرية التعبير وحقّ الكُتّاب في الإبداع دون رقابة أو تهديد؛ فعلى مدار سنوات، شاركت في حملات دولية لحماية الكُتّاب الملاحَقين سياسيًا أو المعرضين للاضطهاد بسبب كتاباتهم، وكانت من أبرز الأصوات التي نادت بضرورة فصل الإبداع عن الصراعات الأيديولوجية.

كما أدلت بتصريحات متعددة أكدت فيها أن حرية الكلمة ليست امتيازًا، بل حقًا أساسيًا لا يمكن للمجتمعات أن تتقدم بدونه، محذّرة من صعود الرقابة بأشكالها الجديدة، سواء عبر التضييق السياسي أو ضغوط الجماهير على المنصّات الرقمية.

وفي إطار نشاطها الدولي، شاركت "أتوود" في خطاب دعا فيه عشرات المفكرين إلى حماية استقلال الكاتب ورفض “ثقافة الإلغاء”، مؤكدة أن النقاش الحر—حتى حين يكون صادمًا أو غير مريح—هو جوهر العملية الإبداعية. وقد انعكست هذه المواقف بوضوح على صورتها بين الكُتاب الشباب والناشرين، باعتبارها واحدة من أبرز المدافعين المعاصرين عن الحق في الكتابة دون خوف.

وقد برزت مكانة مارجريت أتوود على الساحة الدولية كإحدى أبرز الداعمات لمؤسسة PEN America وجهودها في حماية حرية التعبير، إذ شاركت على مدى السنوات الماضية في عدد من الخطابات المفتوحة التي نظّمتها المؤسسة دفاعًا عن الكُتّاب وحق القرّاء في الوصول إلى الكتب دون رقابة. ففي عام 2022 وقّعت "أتوود" خطابًا مفتوحًا يحتج على موجة حظر الكتب التي اجتاحت مدارس ولاية ميزوري، كما شاركت قبل ذلك بعام في رسالة مماثلة طالبت بإعادة كتب أُزيلت من مكتبات إحدى المدارس في تكساس.

وفي عام 2017 كانت "أتوود" ضمن 65 كاتبًا بارزًا وجّهوا رسالة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، تدعوه إلى التراجع عن قرار حظر السفر المفروض على رعايا سبع دول ذات أغلبية مسلمة، كما شاركت في عام 2021 في خطاب آخر دعت فيه—إلى جانب كُتّاب عالميين مثل ج. م. كويتزي—إلى الإفراج عن عدد من الكتّاب الإيرانيين المسجونين، وكتبت رسائل تضامن مع كتّاب معتقلين آخرين مثل الروائية التركية، أصلي أردوغان، عام 2016.

وفي عام 2024، ومع تعرض PEN America لانتقادات داخلية وخارجية بشأن موقفها من حرب غزة، أكدت "أتوود" في تصريحات لـنيويورك تايمز دعمها الثابت للمؤسسة، منددة بما وصفته بـ «حملة ترهيب» ومحاولات «استحواذ أيديولوجي» تستهدف تقويض رسالتها في الدفاع عن حرية التعبير للجميع.

كما كانت "أتوود" واحدة من الموقعين على الخطاب الشهير الذي نشرته مجلة "هاربرز" عام 2020 حول العدالة والنقاش المفتوح، والذي حذر من مناخ متزايد من عدم التسامح وتقييد تبادل الأفكار، وقد تُوج هذا الدور بنيلها جائزة تكريمية من مؤسسة القلم PEN America ومركز إليانور روزفلت عن إنجازاتها مدى الحياة والشجاعة الأدبية لعام 2025 اعترافًا بجهودها المستمرة في دعم حرية الكلمة والدفاع عن حقوق الإنسان.

ومع احتفال العالم بعيد ميلاد مارجريت أتوود السادس والثمانين، يظل حضورها ثابتًا كصوت أدبي قادر على الجمع بين الخيال والفكر، وبين الشعرية والحدَّة النقدية؛ فهي الكاتبة التي لم تتوقف عبر عقود طويلة عن مساءلة العالم، وصياغة صور جديدة للإنسان ومصيره، لتبقى واحدة من أهم الأصوات التي شكّلت خيال القرّاء ووعيهم في القرن العشرين وما بعده.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved