من أسطورة دراكولا إلى جرح لبنان.. حضور عالمى متنوع فى مهرجان لوكارنو السينمائى الـ78
آخر تحديث: السبت 19 يوليه 2025 - 7:55 م بتوقيت القاهرة
خالد محمود
• 17 فيلمًا تتنافس على الفهد الذهبى بالمسابقة الدولية وتسعى لتغيير العالم
«مع حسن فى غزة» فيلم يعيد اكتشاف أشرطة فيديو توثّق أماكن وحياة لم تعد موجودة
• «عندما تتكلم الأرض» يعكس الرغبة فى الاحتفاء بصوت عربى يتناول جروح الحرب والمنفى
يعود مهرجان لوكارنو السينمائى الدولى فى دورته الـ78، التى تُقام فى الفترة من 6 إلى 16 أغسطس المقبل، بتوليفة سينمائية قوية ومبهرة - بحسب إدارته - ليؤكد مكانته كمنبر عالمى لاكتشاف الأصوات السينمائية الجريئة والتجريبية. وقد استحوذت المسابقة الدولية هذا العام على اهتمام واسع، بفضل قائمة مكونة من 17 فيلمًا تُعرض كلها للمرة الأولى عالميًا، وتمثل توليفة فنية متنوعة جغرافيا تشمل أوروبا، آسيا، الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية، بمزيج من أسماء مرموقة ومواهب صاعدة من رومانيا وألمانيا واليابان إلى لبنان وفلسطين، منهم عبداللطيف كشيش، وفينسنت جراشو، وشو مياكى، وبن ريفرز، وروزان بيل، وغيرهم، وهو ما يعكس رغبة إدارة المهرجان فى تبنى رؤى فنية للاكتشاف والتجريب، ما يجعل نسخة هذا العام محطة مرجعية لفهم كيف يغير الفن السينمائى نظرتنا للعالم.
تتنافس هذه الأعمال على جائزة الفهد الذهبى (Pardo d’Oro)، وهى من أبرز الجوائز فى عالم السينما الفنية المستقلة، وتُمنح للفيلم الذى يجمع بين التفرد الإبداعى والقدرة على التأثير العاطفى والفكرى.
تضم قائمة المسابقة الدولية الفيلم الرومانى النمساوى «دراكولا» للمخرج الرومانى رادو جود، بطولة أدونيس تانتا، جابرييل سباهيو، أوانا ماردارى، سيربان بافلو، وتدور أحداثه على مدى 170 دقيقة فى إطار كوميدى بترانسلفانيا المعاصرة، ويستكشف أسطورة دراكولا من منظور متعدد الجوانب يرتكز على مجموعة من الروايات تجمع بين السخرية والغرائبية، والفانتازيا، ويمرّ عبر زروة البوب إلى خطابات نقدية وسياسية، تشمل معالجة رمزية للتاريخ ومفهوم السيطرة.
المخرج رادو جود عُرف بنقده للذاكرة القومية فى أفلامه السابقة، يواصل هنا لعبته المفضلة : استفزاز الوعى العام، وهدم الجدار بين المُشاهدة والنص البصرى. وقال إن «دراكولا « ليس فيلمًا مريحًا، بل تمرين ذهنى وفنى مرهق، يُصرّ على أن يخون توقعات المتلقى، حيث يُقحم مشاهديه فى دوامة لا تهدأ، لا يروى الأسطورة، بل يُعيد صياغتها كاستعارة سياسية..دمية تمثّل الكونت، خلفيات خضراء صادمة، كاميرا محمولة تتسلل كأنها توثّق مسرحية عبثية..هنا، السينما ليست وسيلة للتوضيح، بل للتفكيك: تفكيك الرواية الرسمية، وأسطورة الأمة. كل شىء قابل للسخرية، بما فى ذلك شكل الفيلم نفسه.
يعود جود رادو إلى لوكارنو بعد عرض فيلمين خارج المسابقة العام الماضى، وهما «ثمانى بطاقات بريدية من يوتوبيا»، الذى شارك فى إخراجه كريستيان فيرينتس-فلاتز، و«نوم رقم 2».
ومن عمق التجريبية، يأتى من لبنان المخرج عباس فاضل بفيلم «عندما تتكلم الأرض».. حكاية شاعرية من لبنان تلامس جراح الحرب والهوية والمنفى.
والواقع أن قليلا من الأفلام العربية وجدت طريقها إلى المسابقة الرسمية فى لوكارنو خلال العقود الأخيرة، ما يجعل من مشاركة هذا العمل إنجازًا كأول ظهور عالمى للفيلم اللبنانى ضمن المسابقة الرسمية، وربما اختيار هذا الفيلم يعكس رغبة فى الاحتفاء بصوت عربى يتناول جروح الأرض والذاكرة، خصوصًا فى سياق لبنان.
يحمل الفيلم على مدى 120 دقيقة، طابعًا توثيقيًا روائيًا، حيث تلتقى سيرة المكان (لبنان) بسيرة الجسد العربى المثقل بالحرب والشتات والأسئلة. المخرج فاضل لا يبحث عن جماليات الاستعراض، بل يقدّم سينما تقف على حافة الألم، وتتحدث بلغة الشهود، لا المُحللين. فى زمن التسطيح الإعلامى، تبدو أفلام كهذه ضرورة أخلاقية بحسب تأكيد إدارة المهرجان.
ومن السينما الفلسطينية يتنافس الفيلم الوثائقى الطويل «مع حسن فى غزة» للمخرج كمال الجعفرى، وهو تأمل بصرى وثائقى يخلط بين الحقيقة والخيال عن غزة وذاكرة المكان معتمدًا على لقطات أُعيد اكتشافها من غزة عام ٢٠٠١.
ففى الفيلم أُعيد اكتشاف ثلاثة أشرطة فيديو صغيرة (مينى دى فى) تُوثّق الحياة فى غزة عام ٢٠٠١. تُعدّ هذه اللقطات الآن شاهدًا على مكان وزمان لم يعودا موجودين.
ومن إنتاج ألمانى جورجى، يقدم المخرج ألكسندر كوبيريدزى فيلمه «ورقة الجوافة»، وهو فيلم طريق مدته 186 دقيقة عمل طويل يتأمل العلاقات الإنسانية والزمن بلغة شاعرية، يعرض رحلة أب يدعى «إيراكى»، فى البحث عن ابنته المصورة الرياضية «ليزا» التى اختفت دون سابق إنذار فى أنحاء جورجيا، تاركةً وراءها رسالة تطلب فيها عدم العثور عليها، وقد شوهدت آخر مرة، وهى تصوّر ملاعب كرة قدم ريفية فى قرى جورجية نائية. لم يستطع والدها تقبّل اختفائها، فانطلق فى رحلة بحث عنها حيث يتعاون مع ليفانى، صديق ليزا المقرب، ويسافران معًا عبر الريف، ويلتقيان غرباء لطفاء، ويتحدثان مع أطفال يلعبون كرة القدم على طول الطريق.
وبينما يبدآن بفقدان الأمل، يصعد حدث غامض يجذب إيراكلى وليفانى إلى المجهول، ويُعيد إحياء بصيص من أمل.
العمل يجمع بين طريقة سرد طويلة لصياغة عاطفة مرتبطة بالأب والابنة والأرض، ووعى مجتمعى عابر للمناطق الجغرافية، مع لغة سينمائية شاعرية تخلط الواقعية بالخيال.
تم اختيار الفيلم كأحد أبرز الأعمال المطلوب متابعتها فى السينما الأوروبية لعام 2025.
فى المسابقة الدولية أيضًا الفيلم البرتغالى الفرنسى الإسبانى المشترك «الفصول» للمخرجة مورين فازينديرو، بطولة سيماو راماليو، كلاوديو دا سيلفا، آنا بوترا، مانويل ليتاو، أنطونيو سوزينيو، وهو تأمل شعرى فى الزمن والتاريخ من خلال إيقاع الطبيعة البرتغالية. يُقدم الفيلم الوثائقى رحلة عبر التاريخ الحقيقى لحكايات منطقة ألينتيخو البرتغالية وسكانها، من خلال قصة اثنين من علماء الآثار الألمان، بالإضافة إلى روايات عن عمال ريفيين، وملاحظات ميدانية، ورسومات علمية، ولقطات هواة.
وتقول المخرجة مورين فازينديرو إن الفيلم يستكشف المناظر الطبيعية وأصوات وإيماءات سكان ألينتيخو ليكشف عن بقايا تاريخ مشترك، تاريخ الحروب والثورات والخوف والمقاومة والدوام والتحول.
والفيلم الكرواتى «الله لن يساعد» للمخرجة هانا جوشيتش، وبطولة مانويلا مارتيل دراما نفسية تتناول انهيارات داخلية فى زمن خارجى مضطرب.
تدور أحداث فيلم «الله لن يساعد» فى أوائل القرن العشرين، حول وصول تيريزا، وهى امرأة تشيلية، إلى مجتمع جبلى منعزل ومنظّم من الرعاة الكرواتيين، مدّعيةً أنها أرملة أخيهم المهاجر.
يُزعزع وجودها تماسك المجتمع المترابط، مُثيرًا الاضطرابات، لكنه فى الوقت نفسه يُجلب معه حرية غير متوقعة.
يُعد هذا الفيلم ثانى فيلم روائى طويل لجوشيتش بعد فيلمها الأول الحائز على جوائز متعددة عام ٢٠١٦ «كف عن التحديق فى طبقى»،
والفيلم الهولندى الألمانى «أيام الحمار» إخراج: روزان بيل، وبطولة جيل كرامر، سوزان وولف، هيلديجارد شمل، كارلا جورى، أمكى ويجنر.
فيلم رمزى غريب يجمع بين الكوميديا السوداء والعبث الوجودى، وفيه لطالما ناضلت الأختان آنا وشارلوت لنيل اهتمام والدتهما.. ومع تجدد الجروح القديمة وعودة كل منهما إلى منزل عائلتها، تكشفان أسرارًا آسرة، منها رماد مجهول الهوية وحب والدتهما الكبير لحمار.
ومن السينما الإيطالية يأتى فيلم «البنات الصغيرات» إخراج فالنتينا ونيكول بيرتانى، دراما إنسانية حول طفولة تتشكل وسط أزمات عائلية واجتماعية.
والفيلم السويسرى «البحيرة» إخراج: فابريس أراجنو، عمل بصرى تجريبى يستكشف سطوح الماء وعمق النفس.
والفيلم الصربى «خطوط الرغبة» إخراج دان كومليين، نظرة شاعرية على الحب والهُوية فى بلدان البلقان بعد الحرب.
والفيلم البريطانى الفرنسى «عش الفرس» إخراج بن ريفرز، فيلم مستقبلى بعيون طفلة، يخلط الواقع بالخيال فى عالم لم يعد فيه الكبار موجودين.
والفيلم الفرنسى «مكتوب يا حبيبى: أغنية ثنائية» إخراج عبداللطيف كشيش، ويمثل الجزء الثانى من ثلاثية الحب والشباب.
فى الفيلم يعود أمين إلى موطنه فى جنوب فرنسا، ويلتقى مجددًا عائلته وأصدقاء طفولته وابن عمه تونى وصديقته المقربة أوفيلى. يقضى وقتًا بين مطعم والديه والحانات المحلية والشواطئ التى ترتادها الفتيات فى العطلات محاولًا البحث عن معنى جديد لحياته. والفيلم الألمانى «أشباح يوليو» إخراج: جوليان رادلماير، كوميديا سوداء تقع أحداثها فى منتجع جبلى، تسخر من الرأسمالية والبطالة.
والفيلم النرويجى «الأم الوحيدة» إخراج يانيك أسكيفولد، قصة أم تكافح وحدها، توثق الصراع بين التقاليد والحداثة.
والفيلم الرومانى الإيطالى «الأخت المنعزلة» إخراج إيفانا ملادينوفيتش، دراما ساخرة عن أزمة 2008 من خلال راهبة تعيش صراعًا روحيًا داخليًا.
والفيلم اليابانى «رحلات وأيام» إخراج شو مياكى، فيلم تأملى عن الوحدة والتواصل الإنسانى فى مدينة صغيرة.
والفيلم النمساوى «الحلزون الأبيض» إخراج إلسا كريمسر ولفين بيتر، فيلم إنسانى عن التعايش بين الإنسان والطبيعة فى عالم سريع الزوال.
يُعرض أيضًا فيلم وثائقى طويل بعنوان «مع حسن فى غزة»، للمخرج الفلسطينى كمال الجعفرى.
ويترأس لجنة تحكيم المسابقة الدولية المخرج الكمبودى ريثى بانه، وسوف يُكرَّم المهرجان الفنان جاكى شان بجائزة الإنجاز مدى الحياة، وستحصل إيما تومسون على جائزة نادى الفهود، وستُكرَّم لوسى ليو بمسيرتها الفنية.
وصرحت جيونا أ. نازارو، المديرة الفنية لمهرجان لوكارنو: «سيعرض المهرجان 221 فيلمًا، منها 99 فيلمًا تُعرض لأول مرة عالميًا تُمثل أفلام الدورة الثامنة والسبعين ما هو حى وضرورى وجرىء فى السينما المعاصرة اليوم. إنها سينما تُجسّد الحاضر تمامًا، خالية من أى حنين للماضى، وتتطلع إلى مستقبل منفتح وديناميكى وشامل، يُرسم معًا من جديد». إنها سينما مرحة ومُغامرة، تُخاطر كثيرًا، لا تنسى مساءلة التاريخ بكل جوانبه ونسعى لنُعيد اكتشاف الشعور العميق بالمتعة الجمالية ونشعر بأننا جزء من مجتمع.. سينما تتكشف أحداثها بينما يمر العالم باضطرابات عنيفة، بينما نشهد فى الوقت الفعلى أهوالًا لم نقرأ عنها إلا فى كتب التاريخ أو درسناها فى لقطات أرشيفية. السؤال بسيط، وحتمى: ما دور السينما عندما يكون تكاثر الصور مستمرًا لا يمكن إيقافه؟ والإجابة: «نستعيد العالم (وربما السلام) بفيلم تلو الآخر.. وسينما لا تُحيد بنظرها عن الواقع من جهة، وتستكشف، من جهة أخرى، الأشكال الثابتة الممكنة للصورة دون أن تنسى أن تبتسم لعبثيات حياتنا. سينما مرحة، تُخاطر، تُحلم، وتُثير؛ سينما تُصرّ على البقاء فى العالم».