كيف روى فهمي عمر ذكرياته مع ميكروفون الإذاعة تحت قصف العدوان الثلاثي؟
آخر تحديث: الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - 10:14 ص بتوقيت القاهرة
محمد حسين
أطلق الإذاعي فهمي عمر، رئيس الإذاعة المصرية الأسبق وشيخ الإذاعيين، البث الرسمي لإذاعة "صوت الزمالك"، في خطوة تستهدف تعزيز وسائل التواصل الإعلامي للنادي مع جماهيره داخل مصر وخارجها.
وأكد عمر أن الإذاعة الجديدة تمثل إضافة إلى وسائل النادي الإعلامية، موضحًا أنها ستكمل دور قناة الزمالك الفضائية في متابعة المباريات والأنشطة، إلى جانب تقديم محتوى اجتماعي وثقافي يرتبط بجماهير القلعة البيضاء.
وشدد عمر على أنها خطوة مهمة لتوثيق العلاقة بين النادي وجماهيره الوفية، ولتكون الرسائل المتبادلة بين العاشق والمعشوق أكثر دفئًا وعمقًا، موجهاً تحية لنادي الزمالك، وتحية لمسئوليه ولاعبيه، وتحية خاصة لجماهيره التي كانت وستظل دائمًا سرّ قوته. وقال في ختام كلمته: "هنا راديو الزمالك.. صوت كل زملكاوي".
ويُعتبر فهمي عمر من الأسماء البارزة في تاريخ الإذاعة المصرية، فقد كان من أوائل الأجيال التي ارتبط بها المستمعون عبر الأثير، ليصبح مع مرور الوقت رمزًا إذاعيًا يلقبه الكثيرون بـ"شيخ الإذاعيين". وقد وصفه الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية بـ"كبير المقام"، قائلاً عنه في أحد المؤتمرات الداعمة له قبل الانتخابات الرئاسية: "يا أستاذ فهمي، أنت كبير المقام، وكلامك كله بنقدره ونحترمه".
وكان عمر شاهدًا على لحظة فارقة في تاريخ مصر، حين ألقى نشرة الأخبار صباح 23 يوليو 1952 بجوار الرئيس محمد أنور السادات، وبدأها بقوله: "سيداتي وسادتي.. دقت ساعة جامعة الملك فؤاد السابعة والنصف من صباح الأربعاء، وإليكم نشرة الأخبار التي نستهلها ببيان من القوات المسلحة، يلقيه مندوب القيادة". وقد كان السادات هو من تلا بيان الثورة، ليصبح عمر أول إعلامي يذيع وقائع فجر يوليو، وأحد الشهود المباشرين على تلك اللحظة المفصلية.
وبعدها، كانت الذكريات مع أحداث بارزة، منها العدوان الثلاثي الذي تطرق إليه فهمي عمر في حوار مع مجلة "القاهرة* نشر في يوليو 2006، حيث روى تفاصيل قصف محطات الإرسال في أبي زعبل، وكيف واصل مع زملائه بث البيانات الحماسية، لتبقى الإذاعة وقتها سلاحًا موازياً للمقاومة ومصدرًا لإلهام الجماهير".
وقال الإذاعي فهمي عمر، إن الإذاعة كانت صاحبة أدوار عديدة وإيجابية في مسيرة الوطن، مشيرًا إلى أن دورها مع ثورة يوليو كان رائعًا ومؤثرًا، فقد تفانى الإذاعيون من جيل الخمسينيات في تقديم البرامج والأغنيات التي رسخت مبادئ الثورة، حتى دخلت الثورة في كل قاعة وكل بيت، كما تقول الأغنية الشهيرة التي غناها محمد عبدالمطلب: "ياللي في قاعة ويا للي في خص، قدم في الساعة تمانية ونص، والراديو عمال بيرن من الأخبار قلبك يتهنى.."، وهي الأغنية التي رددها الميكروفون عقب قيام الثورة.
وأضاف أن دور الإذاعة في معركة بورسعيد أثناء العدوان الثلاثي عام 1956 كان شديد الفعالية، ويكفي نشيد "الله أكبر" الذي سجلته الإذاعة وأذاعته يوم العدوان، وكيف ألهم حماس الجماهير، إلى جانب الأغنيات العديدة التي قُدمت، مثل أعمال الفنانة فايدة كامل، فضلًا عن البرامج التي كان يقدمها المذيعون من قلب الشارع والمصنع والمدرسة والجامعة وحتى من داخل البيوت، والتي أبرزت روح الفداء التي تحلى بها الجميع.
وتابع: "أذكر أنه عندما أغارت طائرات العدو على محطات الإرسال في أبي زعبل وتوقف البث الإذاعي، أحسسنا جميعًا أننا أصبحنا يتامى. ولن أنسى يوم الجمعة الثاني من نوفمبر عام 1956، عندما استدعاني السيد أمين حماد وكان في مكتب الزميل أحمد سعيد، وقال إن علينا أن نتوجه إلى مبنى مجلس الوزراء، حيث توجد محطة إرسال صغيرة، لنبث منها عبارات تحفيزية للمواطنين".
وواصل حديثه، "ذهبت مع الزميل أحمد سعيد على الفور، وهناك وجدنا زملاء من مهندسي الإذاعة، وبدأنا في إذاعة عبارات حماسية، منها (يا أهل القاهرة إذاعتكم بخير ونحن معكم)، ثم رسائل غاضبة ضد المعتدي الآثم. وهنا خطرت لي فكرة: تحدثت من تليفون مجلس الوزراء مع أصدقائي وطلبت منهم أن يحرّكوا مؤشرات الراديو ليلتقطوا بثنا، وطلبت منهم أن يبلغوا معارفهم وأصدقاءهم، وهكذا دواليك، حتى لم يمض نصف ساعة إلا وكانت أغلب جماهير القاهرة تستمع إلينا. وبعد ساعة ونصف عاد الإرسال من محطة أبي زعبل وعدنا إلى مبنى الإذاعة".
وقال، إن هذه التجربة لم تكن الوحيدة، فقد كان للإذاعة دور لا يُنسى في مناسبة وطنية عظيمة، وهي إعلان الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس. فقد نقل ميكروفون الإذاعة خطابه التاريخي وألهب مشاعر المواطنين، وامتلأت الاستوديوهات بالفنانين وفي مقدمتهم سيدة الغناء العربي أم كلثوم، التي سجلت أغنيتها الشهيرة "بأولاد بلدنا تعالوا على الضفة" من ألحان بليغ حمدي، في أول لقاء جمعها به، إلى جانب الشعراء وأساتذة التاريخ الذين قدموا إنتاجهم الأدبي والشعري احتفاءً بالحدث.
واستطرد، "لن أنسى أنني في تلك الأيام تلقيت اقتراحًا من صديقي الكاتب الصحفي والناقد الرياضي الكبير عبدالرحمن فهمي، بأن أقدم برنامجًا إذاعيًا عن الأحداث الرياضية والأبطال وتاريخهم. كان ذلك في مارس 1954، بينما كنا جالسين في المدرج المخصص للصحفيين بملعب النادي الأهلي. وقتها لم تكن برامج الإذاعة تتناول الرياضة بانتظام، واقترح عليّ عبد الرحمن أن أبدأ تلك التجربة باعتباري عاشقًا للرياضة ومتابعًا لأحداثها".