عضو الهيئة الاستشارية لمركز القاهرة للدراسات: مصر أول من نبهت بخطورة الإرهاب على العالم

آخر تحديث: السبت 19 سبتمبر 2020 - 11:48 ص بتوقيت القاهرة

حوار- أحمد عبدالحليم:

• إعادة تدوير الإسلاميين لاستخدامهم كأدوات في حروب الوكالة
• الجماعات الأصولية بهياكلها التقليدية وتقسيماتها التنظيمية وأجنحتها العسكرية فقدت صلاحية البقاء
• مصالح القاهرة في ليبيا تقضي بأن بناء المؤسسات الوطنية واستعادة الأمن يجب أن يسيرا بالتوازي مع جهود التسوية بين أطراف النزاع
• لن تسمح القاهرة بانتقال التهديد الإرهابي وتهريب السلاح وتدفق الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الغربية
• مصر تمنع بكل الوسائل حصول الإرهابيين على السلاح المنتشر في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي وغياب الأمن القادر على ضبط الحدود

"المنطقة والإقليم الآن يمران بمرحلة إعادة تدوير في التعامل مع فصائل الإسلام السياسي من قبل بعض الأطراف الداعمة لها في الإقليم؛ لاستخدامها كأدوات في حروب الوكالة التي تشهدها المنطقة، وذلك لإبقاء حالة مستديمة من الصراع غير المحسوم في المنطقة"، هكذا بدأ اللواء أحمد عفيفي، عضو الهيئة الاستشارية لمركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية، حواره مع "الشروق".

وتابع عفيفي أن مصر أول من نبهت لخطورة ظاهرة الإرهاب على المستوى العالمي، كما أنها تمتلك خبرة تراكمية في مجال مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن الوعي الأمني لدى المجتمع شهد ارتفاعا كبيرا واتساعا في الفهم العام لمفهوم الأمن القومي.. وإلى نص الحوار:

• برغم كل الخسائر والفشل، لماذا تستمر بعض الأطراف في الدعم والاستثمار في الإسلاميين بالإقليم؟

في البداية، يجب أن نعلم أن هناك نوعين من التعامل في مسألة الدعم أو الاستثمار فى الإسلاميين من قبل القوى المختلفة، فغالبا يكون التعامل الأولي مع التنظيمات والحركات الإسلامية بدعم نشأتها وتهيئة الظرف لها للانتشار، وفي هذه الحالة تكون لدى الطرف الداعم القدرة على التأثير في مسار الحركة، ما يمكن وصفه بمرحلة "توجيه الفعل"؛ بهدف تحقيق النتائج التى تستهدفها هذه القوى، وليس بالضرورة أن يكون التوجيه مباشرا على الدوام، فأحيانا يكون بممارسة الضغط أو الضغط المضاد على أطراف أخرى تعيق انتشار تلك التنظيمات، وأحيانا بعقد الصفقات المباشرة، وتاريخ تيارات الإسلام السياسى حافل بهذه الأمثلة، بعد فترة تكتسب الحركات خبرة التعامل السياسى وإدارة المصالح وتتمدد بشكل يجعلها رقما على خرائط القوة يجعل حركتها خارج السيطرة، وهنا المرحلة التانية "توظيف نتائج الحركة"، وأحد صورها الواضحة ما يعرف بـ"استراتيجية توظيف الإرهاب" التي تتبناها الإدارة الأمريكية.

المنطقة الآن في امتداد المرحلة الثانية من التعامل مع الإسلاميين وفصائل الإسلام السياسى بإعادة تدويرهم؛ لاستخدامهم كأدوات فى حروب الوكالة التى تنتشر بالإقليم الآن، وكورقة لم يتم إسقاطها بشكل نهائى من حسابات الاستخدام كنماذج حكم بديلة أو ربما تكون جديدة، وفقا لتكوينات خرائط التقسيم المخططة للمنطقة وتفتيت الدول لإمارات صغيرة متشددة متصارعة إثنيا، وهذه النماذج -فى حالة تحقق هذا التصورـ ستكون نتاج توليف من عمليات التفكيك والصهر، وإعادة التدوير الحالية كفيلة بتمكينها من إبقاء حالة مستديمة من الصراع غير المحسوم بالمنطقة يبقيها عند معدلات الضعف وتحقيق السيطرة على مقدراتها.

• تجربة المنطقة العربية ما بعد 2011 حتى الآن، هل رسخت لانتهاء عصر التنظيمات الإسلامية فى المنطقة؟

المنطقة هي مسرح العمليات الأساسى للإسلام السياسى الحركى بكل فصائله، بحكم أنها الرحم والحاضنة، ومنه انتشرت امتدادات الحركة لمختلف أنحاء العالم، وبالتالى فإن افتراض انتهاء عصر التنظيمات الإسلامية فى المنطقة دون زواله بشكل كامل عالميا، لا يمكن اعتباره انتهاء، وفقا لفكرة إعادة الإحياء المعروفة فى تجدد دورات حياة الجماعات الأصولية، لكن الجماعات -حتى الكبرى منها- بهياكلها التقليدية وتقسيماتها التنظيمية السياسية والدعوية وأجنحتها العسكرية فقدت صلاحية البقاء بهذا الشكل.

تجربة 2011 في جانبها المتعلق بالوصول للسلطة، جرت وفقا لتخطيط تم على أساس تقييم خاطئ سواء لقدرات الجماعة أو للأوضاع الداخلية والإقليمية، لأن فكرة إعداد بدائل للأنظمة بالمنطقة (الفوضى الخلاقة) بنيت على قياسات غير دقيقة لشعبية هذا التيار، ومبالغة فى اعتباره مظلة الاعتدال لكل درجات التطرف، ساعد على ذلك حرص قيادات تيار الإسلام السياسى على تصدير هذه الصورة، ونجحوا فى ذلك من خلال جماعات الضغط الإخوانية بواشنطن، ومنهم مستشارين نافذين للرئيس أوباما.

القيادات نفسها أساءت تقدير قدراتها ولم تستطع قراءة خرائط القوة وموازين العلاقات على كل المستويات تحت ضغط إغراء السلطة، وبالتالى التجربة كانت المحطة الأخيرة للتنظيم بتركيبته القديمة وبتأثير التبعية لكل التنظيمات الأخرى، ولكن هذا لا يعني نهاية الأيديولوجيا، إنما نهاية مرحلة وبداية التحول وإعادة التخليق فى تكوينات جديدة.

• هل نجحت الدولة المصرية فى إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والأجهزة الأمنية فى إطار مفهوم الأمن القومى خصوصا بعد 2011؟

العلاقة بين المواطن والأجهزة الأمنية فى أي دولة، هى انعكاس لمدى رسوخ مبدأ سيادة القانون، وهو كفيل بصيانة العلاقة وضمان صحتها، ولكى نستطيع أن نقيس إلى أى مدى حققت جهود الدولة خلال السنوات السابقة نجاحا فى هذا الأمر، يجب التوقف أمام ما يجري من عمل متواصل لإعادة تأسيس، وليس إعادة صياغة للعلاقة بين المواطن والأجهزة الأمنية لترسيخ دولة القانون.

معدلات الوعى الأمنى لدى المجتمع شهدت ارتفاعا كبيرا واتساعا فى الفهم العام لمفهوم الأمن القومى وعلاقات الارتباط بين المفاهيم الأمنية ودور الأجهزة الأمنية المختلفة فى تحقيق الاستقرار، وأن الأمن الداخلى جزء أساسى من منظومة الأمن القومى، ساعد فى ذلك معايشة المواطن للجهود التى تقوم بها القوات المسلحة وأجهزة الأمن فى مكافحة الإرهاب وحماية الجبهة الداخلية وفرض النظام وإنفاذ القانون.

• بعد وضع الرئيس السيسي للخطوط الحمراء للأمن القومى المصرى فى الناحية الغربية، كيف تحافظ مصر على الأمن القومى، وفى نفس الوقت تعيد بناء علاقات مع الفاعلين السياسيين فى ليبيا؟

لا نستطيع فهم الموقف المصرى المحدد للخط الأحمر فى سرت والجفرة بمعزل عن الرؤية العامة لمحددات الأمن القومى، مصالح القاهرة فى ليبيا تقضي بأن بناء المؤسسات الوطنية واستعادة الأمن يجب أن يسيرا بالتوازى مع جهود التسوية بين أطراف النزاع، والفترة الماضية شهدت توقف الاتصال مع أطراف غرب ليبيا التى سلمت قيادتها لتركيا، الآن، نستطيع أن نلاحظ تطورا إيجابيا على مستوى استعادة التوازن في هذا الاتجاه لدعم مسار التسوية، لن تسمح القاهرة بانتقال التهديد الإرهابي وتهريب السلاح وتدفق الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الغربية.

مصر تمنع بكل الوسائل حصول الإرهابيين على السلاح المنتشر في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي وغياب الأمن القادر على ضبط الحدود، أيضا نحرص على سرعة إعادة بناء المؤسسات لمنع تنامي النزعات الانفصالية التى تهدد وحدة الأراضي الليبية، وبعض منها ظهر في الشرق والجنوب عقب سقوط النظام، كذلك تحجيم تدخل القوى الإقليمية والدولية لما يشكله ذلك من تهديد مباشر للأمن القومي.

• هل مثّل حديث الرئيس فى سيدى برانى مرحلة جديدة للدولة المصرية والتحول من رد الفعل إلى أخذ المبادرة وخيارات الردع؟

كما أوضحت سياسة مصر الخارجية والإقليمية على وجه التحديد يعاد تشكيلها مع التمسك بالثوابت بالطبع، والمسألة أكبر من اختزالها فى التحول من رد الفعل إلى المبادرة. بالفعل حماية الأمن القومى من المسائل التى لا تقبل المساومة، لكن ما يجب التوقف عنده هو مستوى الكفاءة الذى تدار به السياسة الإقليمية الآن من واقع إدراك ركائز القوة المصرية، حتى قدرات إدارة استراتيجيات الردع ورسائل السلاح وإعادة رسم خرائط القوة بالإقليم نراها واضحة، فالدولة تواجه فى مرحلة ما بعد 2011 دائرة جغرافية من التهديدات الإقليمية المتداخلة، وصراع نفوذ بين الفواعل الإقليمية واسع النطاق يشكل أوراق ضغط على مصالح القاهرة في محيطها الإقليمى، فالصراع في ليبيا لا ينفصل عن التهديدات القادمة من الشرق والجنوب وفى حوض شرق المتوسط، وأطماع السيطرة على الثروة الواعدة من اكتشافات الطاقة، هذا بخلاف تهديدات الداخل لتفكيك الجبهة الداخلية.

• كيف يدفع "إعلان القاهرة" الذي رعاه الرئيس السيسى فى اتجاه حلحلة الوضع فى ليبيا؟

"إعلان القاهرة"، ارتباطا برسائل برانى، أعاد الحسابات بشكل كبير وشكّل دافع وآلية ضغط على الأطراف الليبية وقوى الصراع الإقليمى فى نفس الوقت، وعدل من حالة الأداء السلبي للقوى الكبرى تجاه الأزمة، وفرض معدل أعلى من الجدية واستشعار الخطر فى التعامل وترشيد التحرك تجاه المصالح بحدود حسابات المخاطر المترتبة على اتساع الصراع، وبدت من بعده المسافات أقرب بين القاهرة وطرابلس، الآن تصاعد الاحتجاجات بالغرب يهدد بتفكيك حكومة الوفاق التى هى عبارة عن توليفة غير متجانسة من التكوينات السياسية ومراكز القوى والجماعات المسلحة، يشير إلى أن التحولات على الساحة الليبية تؤكد ضرورة العودة للتسوية السياسية الشاملة التي تلبى تطلعات الشعب الليبى وتنفيذ إعلان القاهرة.

• هناك مقولة أمريكية بأن القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية، فى إطار هذه المقولة، هل آن الأوان أن تستعيد القوة الناعمة فاعليتها في تشكيل الوعى والوجدان للمنطقة؟

القوة الناعمة أحد مكونات القوة الشاملة لأى دولة وليست فقط وسيلة نجاح فى السياسة الخارجية، وقوى مصر الناعمة متعددة وقديمة قدم الدولة المصرية، وظلت على فاعليتها فى محيطها حتى عقود قريبة، وهنا تكمن الأزمة حيث فقدت هذه القوى معظم فاعليتها فى تدهور سريع يجعلنا نتوقف عند الأسباب، فنحن أمام قضية وعي عام توقف طويلا، لم يزل، وإنما تعرض للتشويش وهوية تهدم الكثير من جوانبها الثقافية، هذا الوعى وتلك الهوية هما أساس ومصدر القوة الناعمة، واليوم يختبرا فى قدرتهما على الصمود والتعافى فى وقت تحتاج فيه الدولة إلى استعادة كل مقومات القوة بعد التغييب الذى جرى على المستوى الوطنى والقومى، وعلى أسس من عمل مخطط يمتلك خريطة روافد القوة الناعمة المصرية فى المحيط العربى والإسلامى بعد أن تم طمسها.

• كيف ترى دور الإعلام المصرى في رفع وعى المواطن، خصوصا فى الوقت الحالى حيث نشهد تعدد جبهات الصراع ومصادر التهديد فى الإقليم المضطرب؟

الإشكالية الكبرى تكمن فى تكون "نخبة زائفة" عبر سنوات طغت على المجال الثقافى والإعلامي والفنى تشكلت وفقا لخطة تغييب ممنهج استهدف وعى المواطن العربى والمصرى بالطبع، وخدرت حسه الوطنى والعروبي، الإعلام السيبرانى الآن هو الأقدر والأكثر نفاذا وتأثيرا وتم استخدامه بشكل بالغ السوء والخبث لتزييف الوعى، وإعلامنا فى حالة يؤسف لها يفتقد الرؤية ويعاني من نزيف حاد فى الخبرة والكفاءة بعد أن كان يوما قريبا بيت الخبرة ومؤسس الأجهزة الإعلامية بدول المنطقة، ويفتقر للكيانات المؤسسية القادرة على إعادة بناء الوعى وترميم الهوية وكسر حالة الاحتكار الثقافى من خلال صناعة الأفكار.

• هناك مقولة تنسب لنابليون بونابرت وهى أن "سياسات الدول تكمن فى جغرافيتها"، فى ظل إقليم مضطرب ودول مجاورة مأزومة، كيف أدارت مصر سياستها الإقليمية خلال الفترة الماضية؟

مصر الآن تعيد رسم سياستها الإقليمية على أساس استعادة مكانتها كقوة إقليمية كبرى، والحركة الحالية لتنمية القوة المصرية مثابرة ذكية ومخططة وتتسم بالدقة فى اتخاذ القرار، وتحديد اتجاه التحرك ومبنية على قراءة سليمة للواقع الإقليمى المأزوم، وإدراك حجم مخاطر التعارض بين استراتيجيات القوى الكبرى فى المنطقة.

خلافا لاستراتيجية توظيف الإرهاب التى تتبناها واشنطن، فإن سياسة روسيا القضاء التام على الإرهاب بالمنطقة وخارجها. هذا التباين يعرقل بلورة تحالف دولى حقيقى لمكافحة الإرهاب ويفرض على مصر مزيدا من التحديات ومضاعفة جهود وتكلفة المكافحة.

أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فإنه يتم دراسة مآلات تطور القضية وسيناريوهات الانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات مع الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى بحساباتها الاستراتيجية والسياسية والأمنية. كما يتم التعاطى مع الأزمة الليبية وفق محددات الأمن القومى، وأهمها الحفاظ على الجيش الوطنى كضمانة استقرار ووحدة الأراضى الليبية والتسوية السياسية والحد من التدخلات الخارجية.

أيضا دعم استقرار السودان وسيادته الوطنية، وهي العمق الاستراتيجى لمصر وشريك التعاون المائي فى هذا التوقيت الحساس الذى يمر به ملف المياه، وذلك ضمن الإدارة متعددة الاتجاهات والمستويات لهذا الملف لتأمين حقوق مصر من المياه.

أيضا حدث تطور في سياسة مصر تجاه العراق بعد 2013، وتكثيف للتحرك وزيادة التمثيل الدبلوماسى والتبادل التجارى وعقود النفط والكهرباء ومكافحة الإرهاب، ولعب دور أكبر للتقريب بين المكونات العراقية والعمل على إعادة موازنة إيران.

• بعد التظاهرات العراقية ضد النفوذ الإيرانى والرفض الشعبى المتصاعد للنفوذ التركى فى المنطقة، هل فشل التنافس التركى الإيرانى للترويج للنموذجين في المنطقة العربية؟

بداية الوضع فى المنطقة الآن يشير إلى أنها فى نهاية مرحلة المخاض، كل شيء سيغير طبيعة العلاقات الدولية، شكل الدولة الوطنية نفسه سيتغير، القوى الإقليمية والدولية، الكل فى سباق من أجل المصالح، والكل يسعى لإيجاد مساحة أكبر قبل انقضاء فترة السيولة الحالية.

إيران أسست سياستها الخارجية وفق مزيج من الثيوقراطية الدينية والشكل الديمقراطي الغربى، ووظفت العامل الدينى لتكوين الخلايا الموالية لها من أجل اختراق المجتمعات العربية، مستهدفة هدم الهوية الوطنية والعمل على تشكيل هوية جديدة.

الصراع الحالى والمقاومة المتصاعدة للنفوذ الإيرانى أصبحت معه إيران طرف فى مجمل الملفات الإقليمية على نحو بالغ التعقيد، أضف إلى ذلك السياسة الأمريكية تجاه إيران، والقائمة على الضغط من أجل الإنهاك وصولا للتفاوض، فى مقابل السياسة الإيرانية للدفع باتجاه حافة الهاوية.. كل ذلك لا يوحي بأن هناك ثمة تسوية للمعضلة الإيرانية فى الأفق، وإن كان يسير فى اتجاه الفشل.

في المقابل، فإن المشروع التركى فى المنطقة لا يقل خطرا عن الإيرانى؛ نتيجة للسياسة الخارجية لتركيا أردوغان تجاه المنطقة، وهى بالمناسبة تسير فى الاتجاه المعاكس تماما للأسس التى وضعها أوغلو لسياسة تركيا الإقليمية، والتى تقوم على 3 مبادئ، هى: (تصفير المشاكل، والتمدد الناعم، والعمق الاستراتيجى).

تركيا تعتمد الآن على توظيف القوة الخشنة فى سياستها الخارجية، وفى المقابل تحاول تحقيق علاقة متوازنة مع إيران وجماعة الإخوان، وكل ذلك يدفع تركيا فى اتجاه الترويج لنموذج القوة العسكرية الإقليمية وتوظيف حركة الإرهاب والميليشيات المسلحة؛ كتعويض عن تراجع التمدد الناعم، وبالتالى قدمت نموذجا مشوها تتصاعد مقاومته على النحو الذى نراه الآن.

• فى ظل حالة السيولة الجهادية الإرهابية وبعد القضاء على الارتكازات الثابتة لتلك الحركات فى الدول العربية، هل يمكن إعلان طوي حقبة "الإرهاب العابر للقوميات"؟

من المبكر جدا القول إن صفحة الإرهاب العابر للقوميات قد طويت، ولكي نستطيع مقاربة التوقعات يجب أولا أن نضبط التعريفات، فما نعايشه الآن هو ما يسمى بـ"الإرهاب الجديد"، وهو لا يختلف عن الإرهاب التقليدى فى المضمون ولكن فى البنى، فالإرهاب التقليدى ذو بنية هرمية وطابع محلى، بينما الإرهاب الجديد ذو بنية شبكية وعابر للحدود، وبالتالى فضرب ارتكازاته لا تعنى بالضرورة انهيارالتنظيمات. الإرهاب الجديد يتسم بالعنف الشامل ويضم عناصر جديدة كالأطفال وتوظيف الميليشيات، ويستفيد من الثورة التكنولوجية ويلجأ للمنظمات الإجرامية لبيع الأعضاء والنفط وتجارة الآثار والسلاح فيما يعرف بظاهرة "الإرهاب الهجين".

• بعد 7 سنوات من 2013، كيف تقرأ التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب؟

مصر تمتلك خبرة تراكمية فى مكافحة الإرهاب، ولا يمكن قراءة التجربة إلا باعتبارها امتدادا للتعامل الطويل مع قضية الإرهاب.

والرؤية المصرية كانت أول من نبه لخطورة الظاهرة على المستوى العالمى، ولم تكن وقتها الاستجابات على المستوى المناسب، خاصة من الولايات المتحدة والغرب. التهديدات الإرهابية الآن باتت خطرا لا يستثنى مكانا في العالم، ورغم ذلك تعانى مصر من ضعف مستوى التعاون الدولى؛ لأن جماعات الإرهاب يتم توظيفها سياسيا في الصراع وبتمويل جيد، وهذا الوضع يفرض على الدولة وضع خطة متكاملة لمكافحته، لا تقوم فقط على العمليات الأمنية أو الاستخباراتية، وإنما من خلال منظومة متعددة الأبعاد السياسية والاقتصادية، وكذلك توظيف أدوات القوة الناعمة والعمل على تنقية الخطاب الدينى.

أيضا محور التنمية الشاملة فى جميع المجالات يدعم فكرة مواجهة الإرهاب، حيث يركز على المناطق الأكثر فقرا والنهوض بالتعليم ومستوى الصحة العامة والقضاء على البطالة ومحاربة الفساد وترسيخ دولة القانون، وكلها عوامل مهمة لتجفيف منابع الإرهاب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved