افتتاح مجلس محافظي الوكالة الذرية في فيينا: جروسي يهاجم إيران بشكل غير مباشر.. ويحذر من تصاعد الأخطار في أوكرانيا وكوريا الشمالية
آخر تحديث: الأربعاء 19 نوفمبر 2025 - 2:01 م بتوقيت القاهرة
فيينا – خالد أبو بكر
* مشروع قرار أمريكي – أوروبي يطالب طهران بإتاحة وصول المفتشين إلى المواقع المقصوفة ومخزون اليورانيوم المخصب… وإيران تحذر من تقويض التعاون مع الوكالة
افتتح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، اليوم الأربعاء، أعمال دورة نوفمبر لمجلس محافظي الوكالة في فيينا، بكلمة مطوّلة عكست حجم التوتر المتصاعد على ثلاثة مسارات رئيسية: الملف النووي الإيراني، الوضع بالغ الهشاشة في محطة زابوروجيا الأوكرانية، والتطورات المستمرة في برنامج كوريا الشمالية النووي، قبل أن ينتقل إلى عرض برنامج التعاون الفني والطاقة النووية العالمية والوضع المالي الحرج للوكالة نفسها.
جروسي استهل كلمته بالتأكيد على أن الوكالة، بعد ثمانين عاماً على تأسيس الأمم المتحدة، ما زالت في صلب منظومة الأمن والسلم الدوليين، وأن دورها لم يعد يقتصر على عدم الانتشار، بل يمتد إلى التنمية الاقتصادية والصحية والزراعية في عشرات الدول النامية.
* إيران في الواجهة
جروسي أعلن أن مفتشي الوكالة "عادوا إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية" وأجروا عمليات تفتيش وتحقق من المعلومات التصميمية في "عدد كبير من المنشآت غير المتأثرة" بالهجمات العسكرية الإسرائيلية- الأمريكية التي استهدفت مواقع نووية إيرانية في يونيو الماضي، لكنه أوضح أن هذا لا يكفي لإعادة بناء الثقة في نظام الضمانات.
وقال إن الوكالة "تحتاج إلى مزيد من الانخراط" من جانب طهران من أجل استعادة نظام التفتيش الكامل، بما يشمل المواقع التي تعرضت للقصف، مذكّراً أن إيران لم تقدّم بعد التقرير المطلوب عن حالة المواد النووية في هذه المنشآت، ولا عن مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب وعالي التخصيب، والتي وصف وضعها بأنه "يحتاج إلى معالجة عاجلة".
وشدد المدير العام للوكالة على أن حرمان الوكالة من الوصول إلى هذه المواد منذ نحو خمسة أشهر يعني أن عملية التحقق "متأخرة كثيراً عن الجدول الطبيعي لممارسات الضمانات"، وأنه من "الضروري" تمكين المفتشين من التحقق من المخزون في أقرب وقت.
ويأتي هذا التصعيد اللفظي في وقت دفعت فيه الولايات المتحدة، إلى جانب كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بمشروع قرار أمام مجلس المحافظين يطالب إيران بتعاون سريع وكامل مع الوكالة، خصوصاً في ملف المواقع المقصوفة ومخزون اليورانيوم المخصّب.
وبحسب مسودة القرار التي اطّلعت عليها "الشروق"، يطالب النص طهران بأن تقدّم "من دون تأخير" معلومات دقيقة عن المواد النووية والمنشآت الخاضعة للضمانات، وأن تمنح الوكالة "كل سبل الوصول" التي تحتاجها للتحقق، بما في ذلك معلومات عن مواقع تخزين مخزون اليورانيوم، وكميات وأنواع أجهزة الطرد المركزي.
المسودة، التي تُرجَّح الموافقة عليها خلال هذه الدورة، تطالب كذلك إيران بالعودة إلى تنفيذ "البروتوكول الإضافي" الذي وقّعته عام 2003 ولم تصادق عليه أبداً، والذي يمنح الوكالة صلاحيات أوسع وأكثر تدخلاً، من قبيل عمليات التفتيش المفاجئة في مواقع غير مصرّح عنها.
ويأتي مشروع القرار في أعقاب تقرير شديد اللهجة من الوكالة، أشار إلى أن إيران لم تسمح حتى الآن بدخول المفتشين إلى المواقع التي قصفتها إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو، ولم توضّح مصير المخزون الذي يشمل مواد مخصبة حتى نسبة 60%، أي على مسافة قصيرة من مستوى التخصيب العسكري (نحو 90%).
* رد إيراني غاضب
في طهران، تواصل الرد الإيراني على مسار فيينا عبر تصريحات حادّة. فالبعثة الإيرانية لدى الوكالة حذّرت في بيان نشرته على منصة "إكس" من أن اعتماد قرار ضد إيران سيكون "خطأً جسيماً" وسيؤثر "بشكل حتمي وسلبي" على مسار التعاون القائم مع الوكالة، معتبرة أن تحريك مشروع القرار "محاولة جديدة لتسييس مجلس المحافظين".
من جهته، قال نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، كاظم غريب آبادي، إن طهران "لا تحتاج إلى مفاوضات سرّية" مع الوكالة، مؤكدًا في مقابلة تلفزيونية أن هناك علاقة قائمة بين الطرفين، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن الخطوات التي تتخذها الدول الغربية "تدفع إيران إلى إعادة النظر في التفاهمات" التي تم التوصل إليها مع الوكالة خلال الأشهر الماضية.
غريب آبادي اتهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث بأنها راهنت على أن تفعيل "آلية الزناد" في مجلس الأمن سيضع إيران تحت ضغط شديد ويدفعها للتراجع في مسار الحوار، لكنه اعتبر أن هذه السياسات "لم تحقق أهدافها"، مشيراً إلى أن طهران ما زالت "قوية ومستقرة وتحظى بدعم الرأي العام الداخلي"، على حد تعبيره.
وأضاف أن المضي في استصدار قرار جديد ضد إيران في مجلس المحافظين لن يؤدي إلا إلى "إضعاف مسار التعاون" و"تعقيد العودة إلى أي مسار تفاوضي حقيقي".
* محطة زابوروجيا الأوكرانية في خطر
إلى جانب الملف الإيراني، حذر جروسي من أن "أكبر خطر على السلامة النووية اليوم ما زال هو الحرب في أوكرانيا". وأوضح أن محطة زابوروجيا للطاقة النووية، الخاضعة لسيطرة القوات الروسية، عاشت منذ بداية مايو الماضي على خط كهرباء خارجي واحد فقط، قبل أن تفقده في أواخر سبتمبر، لتشهد "عاشر وأطول" انقطاع كامل عن مصادر الطاقة الخارجية منذ اندلاع الحرب، وهو ما اعتبره زيادة كبيرة في خطر وقوع حادث نووي.
وأشار إلى أن الوكالة نجحت، عبر مفاوضات مع أوكرانيا وروسيا، في التوصل إلى اتفاق لإصلاح خطّي "دنيبروفسكا" و"فيروسبلافنا" على جانبي خط التماس، وأن الكهرباء الخارجية عادت إلى المحطة، قبل أن يحدث انقطاع جديد في أحد الخطين جرى إصلاحه لاحقاً.
ومع ذلك، شدد على أن الوضع "ما زال هشاً للغاية"، داعياً إلى احترام "المبادئ الخمسة الملموسة" التي طرحتها الوكالة لضمان الحد الأدنى من سلامة المحطة، وفي مقدمتها عدم استهداف المنشأة وعدم استخدامها لأغراض عسكرية.
جروسي لفت أيضاً إلى أن عدم الاستقرار المستمر في شبكة الكهرباء الأوكرانية يؤثر في محطات أخرى، مثل خميلنيتسكي وريڤني، التي اضطُرت إلى العمل بقدرات مخفضة بسبب الأضرار التي لحقت بمحطات التحويل الكهربائية الحيوية للسلامة النووية.
وفي ما يتعلق بموقع تشيرنوبل، أوضح أن السلطات الأوكرانية أنجزت إصلاحات مؤقتة لبعض الأضرار التي لحقت بمنشأة "الحبس الآمن الجديد" نتيجة هجوم بطائرة مسيّرة في فبراير، لكن هذه المنشأة لم تستعد بعد قدرتها الكاملة على أداء وظيفة الاحتواء، وأن الوكالة ستجري تقييماً شاملاً لسلامتها خلال الأسابيع المقبلة.
* كوريا الشمالية.. تخصيب وإعادة معالجة
وفي ملف شبه الجزيرة الكورية، أكد المدير العام أن الوكالة تواصل متابعة الأنشطة النووية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية من خارج البلاد، عبر صور الأقمار الصناعية ومصادر المعلومات المتاحة.
وذكر أن مفاعل الـ5 ميغاواط في يونغبيون يبدو أنه ما زال يعمل في دورته السابعة، وأن المؤشرات بين يناير وسبتمبر من هذا العام تتوافق مع إعادة معالجة وقود مستهلك من الدورة السادسة في المختبر الكيميائي الإشعاعي بالموقع ذاته، وهو ما يعني عملياً استمرار إنتاج البلوتونيوم الصالح للاستخدام في السلاح النووي.
كما تحدث عن استمرار عمل منشأتي التخصيب في يونغبيون وكانغسون، ووصف ذلك بأنه "مصدر قلق بالغ"، في حين تتابع الوكالة بناء مبنى جديد في يونغبيون يشبه في خصائصه منشأة كانغسون، ما قد يشير إلى توسع إضافي في قدرات التخصيب.
وأكد أن موقع الاختبار النووي في بونغيي ري "ما زال بحال تسمح بإجراء اختبار جديد في أي وقت"، مع عدم رصد تغييرات كبيرة على بنيته خلال الفترة الأخيرة.
المدير العام اعتبر أن استمرار وتطوير البرنامج النووي الكوري الشمالي "يمثل انتهاكاً واضحاً لقرارات مجلس الأمن" و"أمراً مؤسفاً للغاية"، مجدداً استعداد الوكالة لاستئناف عمليات التحقق في البلاد عندما تسمح الظروف السياسية بذلك.
* برنامج التعاون الفني
بعد الملفات الساخنة، انتقل المدير العام إلى "الوجه الآخر" لعمل الوكالة، أي برامج التعاون الفني. وأعلن أن المجلس يناقش البرنامج المقترح لدورة 2026–2027، والذي يتضمن 452 مشروعاً جديداً: 92 في أمريكا اللاتينية والكاريبي، 115 في إفريقيا، 88 في أوروبا وآسيا الوسطى، و151 في آسيا والمحيط الهادئ، إضافة إلى ستة مشاريع عابرة للأقاليم. وأشار إلى أن حوالي 70% من هذه المشاريع تتركز في مجالات الغذاء والزراعة، والصحة والتغذية، والسلامة النووية