في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان
آخر تحديث: الأربعاء 19 نوفمبر 2025 - 1:41 ص بتوقيت القاهرة
منى غنيم
سيرة عبقري فرنسي سجّل الذاكرة الفرنسية في سبعة كتب خالدة
من هو مارسيل بروست؟
صاحب مشروع أدبي ..غيّر شكل الرواية الحديثة.. وجسّد أوساط كبار الأدباء والفنانين والمثقفين في باريس القرن العشرين عبر رواياته
تحلّ في الثامن عشر من شهر نوفمبر من كل عام ذكرى وفاة الكاتب الفرنسي مارسيل بروست، أحد أعظم الأقلام الأدبية في القرن العشرين، الذي ترك إرثًا هائلًا من الأعمال التي أضافت للرواية الفرنسية والعالمية أبعادًا جديدة من العمق النفسي والفلسفي.
وُلد بروست في باريس عام 1871، ونشأ في أسرة ميسورة الحال، وبدأ اهتمامه بالأدب منذ صغره، متأثرًا بالبيئة الثقافية المحيطة به وبالرواد الكبار في عالم الأدب والفن في باريس.
ويُعد مارسيل بروست واحدًا من أكثر كتّاب فرنسا غزارة وعمقًا. ورغم أن شهرته العالمية ارتبطت بروايته الأشهر "البحث عن الزمن المفقود"، التي نشرها في عدة أجزاء بين عامي 1913 و1927، وتُعد حجر الزاوية في مسيرته الأدبية، فإنه استكشف فيها مسألة الذاكرة والزمان والتجربة الإنسانية بدقة متناهية تقترب أحيانًا من التحليل النفسي.
ولم تكن هذه الرواية مجرد سرد للأحداث، بل كانت رحلة معقّدة في أعماق النفس البشرية، أضاء خلالها بروست الصراعات الداخلية للشخصيات، معتمدًا على أسلوب السرد المطوّل والانغماس في التفاصيل الدقيقة للأفكار والمشاعر. وقد قال عنها الكاتب المسرحي الإنجليزي سومرست موم إنها "أعظم عمل خيالي قرأه في حياته".
ويتكوّن هذا العمل الضخم من سبعة كتب مستقلة شكّلت مشروع حياته الأدبي؛ إذ تبدأ السلسلة بـ "جانب آل سوان"، ثم "في ظلال ربيع الفتيات"، و"على جانب منزل جيرمانت"، و"سدوم وعمورة"، و"السجينة"، و"الهاربة"، وتُختتم بـ "الزمن المستعاد". وقد قدّم بروست في هذه الأجزاء واحدة من أعمق التجارب الروائية في تاريخ الأدب، مستكشفًا الزمن والذاكرة والعلاقات البشرية بتفاصيل بالغة الثراء والدقة.
وإلى جانب هذا المشروع الضخم، ترك بروست أعمالًا أخرى لا تقل دلالة على موهبته المبكرة وحسّه الأدبي الرفيع، أبرزها كتابه الأول "المسرّات والأيام" الذي جمع فيه نصوصًا وقصصًا قصيرة، إضافة إلى كتابه النقدي "ضد سانت بوف" الذي كشف فيه رؤيته للفن والكتابة، ومحاولته الروائية غير المكتملة "جان سانتويل" التي نُشرت بعد وفاته.
كما قدّم بروست عددًا من المقالات والترجمات التي عكست ثقافته الموسوعية وانفتاحه على الأدب الإنجليزي والاتجاهات الفكرية في زمنه، لتشكل جميعها صورة كاملة لكاتب استثنائي كرّس حياته للكلمة ولتجربة الكتابة بكل اتساعها.
وقد عانى بروست من مشاكل صحية كبيرة، بين الربو والحساسية الجسدية المفرطة، جعلته يمضي غالبية وقته في العزلة، وهو ما سمح له بالغوص عميقًا في ملاحظاته الدقيقة للعالم من حوله. وعلى الرغم من ذلك، كانت له حياة اجتماعية غنية، إذ تعرّف على كبار الأدباء والفنانين والمثقفين في باريس، وكان حضور هذه الشخصيات محورًا أساسيًا في أعماله، فقد جسّدها بروست في رواياته بعناية فائقة.
ولم يقتصر تأثير بروست على الرواية الفرنسية فحسب، بل امتد إلى الأدب العالمي؛ إذ تأثر به روائيون ومفكرون في مختلف البلدان، وفتحت كتاباته آفاقًا جديدة لاستكشاف الزمن والذاكرة والهوية. كما أسهمت أفكاره عن الفن والحياة والمجتمع في إعادة تعريف دور الأدب في التعبير عن التجربة الإنسانية المعقدة.
واليوم، وبعد أعوام طويلة على رحيله في عام 1922، لا تزال أعمال مارسيل بروست حاضرة في المكتبات والندوات الأدبية، ويواصل القرّاء والباحثون اكتشاف طبقات جديدة من عبقريته، مؤكدين أن الزمن قد يمر، لكن الكلمات التي كتبها بروست باقية، تروي قصص النفس الإنسانية بعمق وصدق لم يسبقه إليهما أحد.