دفاتر الغزالى (15) رمضان: الابتلاء بنسخ من الثقافة الإسلامية أدت لمجتمعات معتلة

آخر تحديث: الإثنين 20 مايو 2019 - 9:59 ص بتوقيت القاهرة

أحمد بدراوى:

لم يشعر فضيلة الشيخ محمد الغزالى ــ رحمه الله ــ طوال عمره لنسخ من الثقافة الإسلامية أدت لصورة المجتمعات الإسلامية المعتلة.
فى كتابه «ركائز الإيمان بين العقل والقلب»، يبكى الرجل حاضر المسلمين ويبدى قلقه على مستقبلهم، ومجتمعاتهم التى سقطت فى فخ قضايا فكرية وعاطفية جدير بها أن تودع فى المتاحف.
يفتش الغزالى فى الكتب، ويقول إن الكتب التى يتداولها الجماهير فيها قليل نافع، وغثاء تافه، هو داء عضال.
ويهيب الغزالى فى كتابه أولى الألباب بأن يتداركوا تلك الحال، سعيًا لتكوين جيل صالح أوعى لدينه.
ومع قلق الغزالى على الأمة، لكنه يقول بكل صراحة أن العالم الإسلامى فقد ذاكرته، ولا يدرى شيئًا عن ماضيه الرائعة، وهو ما يوضحه بأن هناك مئات من الكتب فى التفسير والحديث والأدب والتاريخ مخلوطة بسموم ناقعة، وخرافات سمجة تتداولها ألوف الأيادى، ما أدى لكثرة تلك الكتب السفيهة الزائغة حتى غلبت الثقافة الدينية الصحيحة، وهو ما يجعل الغزالى لا يتعجب من وجود أجيال متأخرة من المسلمين لا تشدهم وجهة ولا قوة، لأن الثقافة التى صنعتهم لا تنتج إلا نفوسًا خاملة وعقولًا شائهة.
ويصف الغزالى تلك الحالة بالإيمان الضرير، الذى لا يبصر الحياة، ولا تسحره عجائبها، ولا تستهويه أسرارها، وهو إيمان جبان قاعد يفر إلى صومعة، ويحيا داخل قوقعة، لا يجرؤ على الضرب على الأرض، إيمان ذليل يعيش فى كنف المبادئ الأخرى، وهو إيمان لا يستقيم مع منطق صاحب الرسالة الذى جعل اليد العليا خيرًا من اليد السفلى، وجعل المسلم يعطى ولا يأخذ.
ويقول الغزالى إن الإسلام على مدار 14 قرنًا مر بتاريخ حافل بالشدة والرخاء، والانتصارات والهزائم، لكنه الآن يواجه أياما حاسمة وعصيبة، تستدعى أن يهتموا المسلمين من أولى الألباب بضرورة إبراء الأكمه والأبرص.
ويبلغ الغزالى حزنه، بأن يقول إن عقول بعض المتدينين مشحونة بقضايا أثارها طول الفراغ والترف العقلى.
ولا يسع الغزالى من كتابه سوى إثارة العقل والضمير بأشعة الوحى، ومعالم النبوة، وتبديد الغيوم التى تراكمت فى قرون الضعف التى تعرض لها المسلمون فى تاريخهم.
وفى فصل بعنوان «التفاوت بين التقدم الروحى والتقدم العقلى»، يتساءل الغزالى عن ذلك الشعور العام بأن العالم قطع شوطًا فى طريق التقدم العقلى لكنه تخلف فى الناحية الروحية.
لكن الغزالى وهو يقر بتلك الحقيقة، يقول إن كثيرًا من أهل الدين أساءوا إلى ربهم وإلى أنفسهم يوم بخسوا العقل قيمته، وافتعلوا العراقيل أمام حركته.
ويطلق الغزالى قولًا ربما التبس على كثيرين، إذ يقول إن التدين الذى انكمش أمام أقدام العلم، وقبع مكانه ساخطًا على ثمرات التقدم المدنى، لا يستحق فى نظرنا أن يعطى فرصة أخرى لتخريب الدنيا، وشل نمائها، إذ أخطأ بعض المتدينين فظنوا أن زكاة الروح لا تتم إلا بدمار الجسد، وضمان الآخرة لا يتم إلا بضياع الدنيا، فإن كل تدين يجافى العقل ويخاصم الفكر ويرفض عقد صلح شريف مع الحياة هو تدين فقد كل صلاحيته للبقاء، وأهل الأرض لا أظن أنهم يحنون إليه بعد ما منحوا نعمة الخلاص منه، فالتدين الحقيقى هو إيمان بالله، وشعور بالخلافة عنه فى الأرض.
ويؤكد الغزالى، أن التفوق العلمى لابد أن يزداد مقدرة على خدمة البشرية وغاية ما نريد أن يصحبه على الطريق وحى الله وتوجيهه.
كما يصف الغزالى التدين بأنه ليس جسدًا مهزولًا من طول الجوع والسهر، ولكنه جسد مفعم بالقوة التى تسعفه على أداء الواجبات الثقال.
فعظمة الإنسان تقوم على نشاط عقلى لا حدود له، يواكبه نشاط روحى لا يقل عنه كفاءة، بل يربو عليه، وإذا كان عالمنا يشعر بضوائق روحية فى هذه الأيام فالعلاج الفذ ليس شجب التقدم العسكرى والصناعى، ولكن جعل هذا كله فى وصاية إيمان ممدود المفهوم، رحب الدائرة، يؤمن بالإنسان عقلًا وقلبًا، ويستمد إيمانه ذلك من معرفته بالله واستمساكه بهداه، أما تصور التقدم الروحى أنه استرخاء فكرى فهذا عوج من طراز آخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved