تقدير نجيب محفوظ.. أول الغيث «متحف»

آخر تحديث: السبت 20 يوليه 2019 - 12:38 م بتوقيت القاهرة

 سامح سامى

تخيلوا معنا ماذا سيحدث إذا قررت مدرسة زيارة متحف نجيب محفوظ؟
حسين حمودة: يجب إضافة كل الدراسات النقدية الجديدة بكل اللغات عن محفوظ مع توفير إمكانية التصوير منها للباحثين
تصميم المتحف وغرفه الضيقة والإضاءة تطرح سؤالا حول جدية احترافية العرض المتحفى
عندما تصل إلى جامع سيدنا الحسين هناك ستجد لافتة تخبرك بأن متحف نجيب محفوظ أمامك مباشرة. لكن يجب أن تعبر النفق؛ لأنه ممنوع عبور الشارع المقفول بسور حديد طويل. تنزل النفق ثم تسأل على تكية أبو الدهب أمام سوق الخضار «التبليطة» الموجود فى شارع ضيق كشوارع الحسين. قبل الدخول إلى المتحف كنت مشغولا كيف تصل سيارات أى مدرسة إلى هنا ليشاهد التلاميذ المتحف؟

فى موقع منظمة اليونسكو تحت عنوان «المتاحف»، نقرأ: «ليست المتاحف مجرد أماكن تُعرض وتُحفظ فيها القطع والأعمال الفنية. ونتيجة للنمو الهائل الذى شهده قطاع السياحة الثقافية فى العقود الأخيرة، ارتفع عدد المتاحف فى العالم من 22 ألفا فى عام 1975 إلى 55 ألفا اليوم. ويمكن للمتاحف أن تؤدى دورا رائدا فى تدعيم الاقتصاد الإبداعى على الصعيدين المحلى والإقليمى. ويزداد حضور المتاحف أكثر فأكثر فى الحياة الاجتماعية بوصفها منابر للحوار والنقاش تجرى فيها معالجة القضايا الاجتماعية المعقدة فى إطار يشجع مشاركة عامة الجمهور».

وظلت مسألة حضور «الجمهور» تشغلنى طوال الوقت حينما تفقدت غرف المتحف الذى يعد خطوة أولى إيجابية بعد تأجيل طويل، إلا أن المتحف يحتاج إلى إعادة نظر وتوسعة كافية، خاصة أن مبنى التكية ثلاثة أدوار لكن تم تخصيص دورين فقط. وعلمت من عدة مصادر أن وزارة الآثار وافقت على تخصيص الدور الثالث أيضا للمتحف. مسألة حضور الجمهور ستكون غير واردة مع قاعات المتحف الصغيرة جدا، عليك فقط أن تدخل قاعة «الحارة» التى لا تستوعب أكثر من 5 كراسى، وهى من المفترض قاعة سينما تعرض فيلما تسجيليا للمخرجة سميحة الغنيمى، يتحدث فيه الأستاذ نجيب حول مولده وتأثير ثورة 19 عليه ونشأته وعلاقته بالحارة المصرية، وقاعة أخرى تعرض عبر شاشة LCD أبرز لقطات من أفلام الأستاذ نجيب، وهى قاعة صغيرة جدا، عبارة عن «دكة صغيرة» لا يمكن أن تستوعب أكثر من شخصين، أما قاعة «رثاء» التى تعرض قلادة النيل، فهى لا يمكن مطلقا أن يدخلها شخصان معا. وهنا يثار سؤال حول تنفيذ تخطيط المتحف فنيا فهناك متخصصون فى فنون العرض والإضاءة والمساحة الممكنة للعرض.

ويظل السؤال حول أسباب اختيار هذا المكان، ولماذا وزارة الآثار لم تعط وزارة الثقافة إلا الدور الأرضى والأول فقط من مبنى تكية أبو الدهب؟ ويزداد طرح هذا السؤال إلحاحا إذا اكتشفنا أنه لا توجد قاعة تمهيدية تسرد للجمهور ــ خاصة إذا تحققت أمنية استيعاب زيارة مدرسية للمتحف ــ قصة حياة الأستاذ نجيب محفوظ من البداية حتى الرحيل، قاعة تشرح للأطفال وللجمهور عامة من هو نجيب محفوظ بدلا من تجميعهم للمعلومات من قاعة هنا وقاعة هناك.

القاعة الأولى التى تستقبلك هى قاعة تضم بعض الأوسمة والجوائز التى حصل عليها الأستاذ نجيب محفوظ، وهى قاعة واسعة، وتشعرك بالفخر أمام بعض الزوار العرب الذين تصادف وجودهم، والذين يعرفون عن محفوظ وحياته وأعماله الكثير، ويقولون بكل ثقة :«هو فخر للعرب جميعا». لكن يظل السؤال حول تسمية القاعة بأسماء تبدو غريبة مثل «تجليات» المرتبطة بكتاب الروائى جمال الغيطانى، قاعة تجليات تضم مكتب الأستاذ نجيب محفوظ وشاشة تعرض حوارات تليفزيونية معه وبعض الكتب العامة، وكذلك قاعة «أحلام الرحيل» التى توضح محاولة اغتيال الأستاذ نجيب وبعض مقتنياته الشخصية مثل نظارته ومكبر الخطوط. أما قاعة «نوبل» فتضم لوحات تضم صور وأسماء الأدباء الحاصلين على جائزة نوبل، الغريب أن «أورهان باموق» الأديب التركى مكتوب «أورخان»، «ساراماجو» الأديب البرتغالى مكتوب ساراماغو مثل الكتابة الشائعة فى الشام.

إتاحة المقتنيات الأخرى خاصة كراسات التمرين
ولأنه من أهداف المتحف أن يكون مركزا ومكانا للقراء والباحثين والدارسين لآثار نجيب محفوظ فى الرواية العربية والعالمية، وكذلك فى الأدب والسينما، طلبت من عدد من المقربين من الأستاذ نجيب محفوظ مثل الروائى نعيم صبرى والدكتور حسين حمودة زيارة المتحف، خاصة أنهما لم يحضرا حفل الافتتاح، والتصريح بما يتمنيان أن يضمه المتحف أو كيف يتصورانه.

الروائى نعيم صبرى قال حاولت التفكير ولم أصل لشىء؛ لأن الرجل كان قمة البساطة والتواضع وأعتقد أنه لم يكن سيرد إلى فكره موضوع عمل متحف له». أما الدكتور حسين حمودة الذى أبدى فرحته بالافتتاح طلب إتاحة دورية نجيب محفوظ التى وصفها بأنها «شريدة»، وأبدى أمله فى استمرارها، فقال: «أتمنى أن يضاف للمتحف بعض مقتنيات نجيب محفوظ الأخرى، وأرجو ممن لديهم أية مقتنيات تخص الأستاذ نجيب أن يتقدموا بها، على أن توضع بطاقات مع هذه المقتنيات تشير إلى المتبرعين والمتبرعات بها، كذلك أرجو إضافة كل الدراسات النقدية الجديدة عن أعمال محفوظ، بكل اللغات التى كتبت بها هذه الدراسات، مع توفير إمكانية التصوير منها للباحثين والباحثات، كما أن هناك بعض المسودات الخاصة بأعمال نجيب محفوظ، أرجو البحث عنها وعرضها بالمركز بطريقة تتيح الاطلاع عليها، وأيضا هناك «كراسات التمرين» الكثيرة جدا التى كان محفوظ يدرب يده على الكتابة فيها، فى الفترة التى تلت محاولة اغتياله، وإصابة يده اليمنى إصابة بالغة، ولعل هذه الكراسات لدى وزارة الثقافة، ولعلها سوف تعرضها أيضا فى المركز، ثم أتمنى الحصول على الأفلام التسجيلية العديدة التى نفذها مبدعون ومبدعات، فى مصر وفى فرنسا بوجه خاص، وإتاحتها للعرض لمن يريد مشاهدتها، ومنها أربعة أفلام كان لدى المخرج الراحل توفيق صالح نسخ منها. أتمنى، باختصار، أن يستكمل مركز نجيب محفوظ كل ما يمكن الحصول عليه من أعمال تتصل بعالم محفوظ لعرضها داخل قاعاته».
الروائى نعيم صبرى أكد أن كراسات تمرينات الكتابة يحتفظ بها الدكتور يحيى الرخاوى، وهى عشرات الكراسات، وكان يجرى عليها دراسات تحليلية، مطالبا أن توضع فى المتحف.

مركز إبداع أم متحف؟
قبل يومين من الافتتاح يدعى «متحف نجيب محفوظ». لكن تسرب وقت افتتاحه أنه مركز إبداع أيضا، وهذا أمر محايد لا جيد أو سيئ، المهم أن يكون مخططا له، وليس أمرا طارئا نتيجة السرعة فى الافتتاح ــ على الرغم من أنه فكرة مؤجلة من 12 عاما ــ التى تستدعى الوقوع فى أخطاء كثيرة، إذ يختفى معها الترتيب ولا يستقيم معها التخطيط المدروس. لماذا؟ قاعات المتحف بالكاد تستوعب مقتنيات نجيب محفوظ، وبالكاد يمكنها أن تستقبل أشخاصا يعدون على أصابع اليد الواحدة.

هناك أيضا جائزة باسم الأستاذ نجيب محفوظ تنظمها الجامعة الأمريكية فلم أجد الروايات الفائزة بتلك الجائزة!، كما أن أعمال الأستاذ نجيب محفوظ ترجمت إلى عدة لغات، وكُتبت عنه دراسات بلغات أجنبية أكثر من الدراسات العربية، فأين تلك الترجمات خاصة الإسبانية والألمانية؟

الحماس الحكومى فى افتتاح المتحف على الرغم من تأجيله إلى 12 عاما أمر محمود وخطوة أولى إلا أن التجارب فى العالم أثبتت أن المتاحف والمعارض تكون أكثر احترافية عندما تنظمها هيئات أهلية. افتتاح المعرض خطوة يجب استثمارها حتى لا يصبح مجرد جدران صماء، وذلك عبر توسيع القاعات أمام الجمهور خاصة قاعة مؤلفات الأستاذ نجيب محفوظ التى تضم مؤلفاته الصادرة عن دار الشروق ونسخا قديمة صادرة عن مكتبة مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved