الأيدي الناعمة لطبيبات المذبح تتحدى سواطير الجزارين لضمان سلامة غذاء المصريين

آخر تحديث: الجمعة 23 يوليه 2021 - 2:15 م بتوقيت القاهرة

أدهم السيد

يقدم الأطباء البيطريون في المجازر المصرية، التضحيات الكبيرة في وقفتهم على خط الدفاع الأول عن سلامة غذاء المواطن، وتكون تلك التضحيات مضاعفة حين يكون طبيب المجزر سيدة تضحي بجلستها بين أهلها في الأعياد والعطلات لتمضي الأيام في المجازر وسط بحور من الدماء، ثابتة على قرارها في وجه كل متلاعب بصحة المواطن مضحية بأمنها الشخصي في وجه التهديدات التي لا تنتهى من الفاسدين.

وتسلط "الشروق" الضوء على طبيعة عمل السيدات كطبيبات للمجزر وما تحمله المهنة لهن من مشقة وذلك عبر شهادات للطبيبتين الدكتورة أسماء حجازي، رئيسة قسم الكشف عن المذبوحات بإدارة مجازر المنوفية، والدكتورة هبة البنة، مدير مجزر المحمودية بالبحيرة.

وعن طبيعة عمل أطباء وطبيبات المجزر تقول أسماء، إن العمل بالمجازر يصنف من اعتبارات أمن الدولة لذلك لا يستطيع طبيب المجزر التغيب للأسباب العارضة كما لا يحصلون على إجازة في العطلات الرسمية.

وتضيف أن العمل يبدأ من الصباح وحتى العصر إذ تتفقد الطبيبة، الذبائح قبل التصريح لها بالدخول للتأكد من خلوها من الأمراض ثم تراقب عملية ذبح جميع الذبائح ورؤية عملية الإدماء للتأكد من كون الذبيحة سليمة، وبعد ذلك تأتي عملية الكشف بفتح أجزاء من جسد الذبيحة للتأكد من خلوها من الدرنات والديدان الشريطية.

وعن البدايات تقول هبة، إن المديرين يحرصون في تكليفات التعيين على إبعاد السيدات عن المجازر حرصا على سلامتهن، إذ كانت هي أول طبيبة سيدة لمجزر المحمودية كما أصبحت لاحقا أول سيدة تدير المجزر كاملا.

وتقول هبة، إن علاقتها بالذبح لم تتجاوز ذبح الطيور قبل التحاقها بالمجزر إذ كانت تخشى رؤية عمليات الذبح الجماعي بالأيام الأولى.

وتضيف أنها كانت قلقة من مزحات الجزارين السخيفة التي تستهدفها لكونها سيدة وقد حدث بالفعل حين أراد أحدهم إفزاعها بالألعاب النارية، فما كان منها سوى توبيخ جميع الجزارين، وحذرت بحرمان من يقدم على تكرار الفعلة من دخول المجزر شهرا كاملا ما منع تكرار تلك المزحة ثانية.

وعن صعوبة التعامل مع الجزارين تقول أسماء، إن الجزار بوسعه فعل أي شيء لثني الطبيب عن أخذ القرارات الحاسمة حيال الذبيحة غير الصالحة بإعدامها إذ لا يتورع الجزارون في تلك الحالة عن الشتم وكثيرا ما يتطور الأمر للتعدي بالأيدي، مضيفة أن الطبيب عليه أن يتحلى بالحسم والثبات على قراره مهما كانت ردة فعل الجزار.

وعن قدر المسؤولية التي تقع على عاتق طبيبة المجزر، تقول هبة إن الطبيب هو خط الدفاع الأول عن سلامة غذاء المواطن إذ يؤدي أي قصور في فحص الذبيحة إلى انتشار أمراض معدية خطيرة على الإنسان مثل السل.

وتقول أسماء إن أداء الطبيبة لمهمتها تحتاج لذهن صاف، إذ لا يتجاوز حجم الدودة الشريطية مثلا حبة الحمص والتي بعدم كشف الطبيبة لها يتسرب مرض معدي للمستهلكين.

وعن التحديات والصراعات مع الفاسدين في قطاع الجزارة، تقول أسماء إنها حين كانت تشدد بعمليات الفحص والإعدام، اتفق الجزارون بمجزر قويسنا حيث كانت تعمل، على هجران المجزر والبحث عن أماكن أخرى يمررون بها ألاعيبهم ولحومهم الفاسدة فما كان من أسماء إلا الاستمرار بملاحقتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإمداد الأهالي ببيانات يومية عن عدد الذبائح لكل جزار لتجنيبهم الوقوع في شراء ذبيحة زائدة عن العدد المذكور من خارج المذابح الرسمية.

وتقول أسماء إن الجزارين يستغلون خوف وجهل المواطن لذلك حملت على عاتقها تسليح المواطن بالوعي لحماية نفسه من التلاعب، ولكن عاقبة ما فعلته أسماء أتت سريعا إذ لم يتوقف هاتفها عن تلقي التهديدات التي تنوعت بين القتل والتشويه بالحمض وخطف الأبناء وبلغ انحطاط إحدى التهديدات إلى إرسال فتيات للتحرش بها وتصوير مقطع فيديو لها.

وكان التهديد الأخير كفيل بأن تبتعد أسماء عن المجازر في هدنة قصيرة قبل أن تعود لتنغص حياة الجزارين المتلاعبين في ثوب جديد كرئيسة لقسم الكشف عن المذبوحات إذ تقول إنها واجهت في ذلك القطاع نوع أعتى من الجزارين الذين يحمل بعضهم سوابق بجرائم القتل.

وتقول أسماء عن خطورة العمل بالتفتيش عن المذبوحات إنه يتضمن الاحتكاك بأشد الجزارين خطورة؛ إذ أن أحدهم صاحب سوابق بجرائم القتل توعدها بأنها قد تلحق بكثيرين قبلها تغمدهم الله في رحمته بينما أرسل آخر صبيانه بالدراجات النارية خلفها وفريقها في مطاردة شرسة بعد أن حرزت لحوما له.
وتضيف أسماء أنها تقوم كل يوم بحبك قصة جديدة للتسلل بين الجزارين وكشف ألاعيبهم ومنع وصول بضائعهم الفاسدة لبيوت المستهلكين.
وعن الصفات التي على طبيب المجزر التحلي بها تقول هبة، إن الثبات الانفعالي من أهم الصفات لممارسة العمل مع الجزارين كي لا يفقد الطبيب حياديته في التعامل كما على الطبيب أن يحتفظ بنظافة يده من الرشوة في مقابل الجزارين الذين يمتلكون ملايين الجنيهات إذ أن إخلال الطبيب بواجبه يعرض صحة المواطنين للخطر.

فيما توضح أسماء الصفات التي اكتسبتها كطبيبة للمجزر، أنها كانت تخاف من خيالها قبل دخول عالم المجزر ولكن بعد تعاملها مع الجزارين ودخول كثير من الشجارات معهم أصبحت لا يخيفها كثير من الأشياء، ولا يعيقها أحد عن حل مشاكلها بنفسها، فحسب قولها فالسيدة التي لا تخشي الجزار لن تخشى من الدخول بمشادة مع أحد الجيران المزعجين.

ينتظر كثير من المواطنين العيد ويجهزون بيوتهم لاستقباله في الوقت الذي تعكف فيه هبة مديرة مجزر المحمودية على إتمام التجهيزات الأخيرة على المذبح لاستقبال أضاحي العيد بينما تقوم أسماء بوضع اللمسات الأخيرة على حيلتها الجديدة التي ستكشف بها جزار متلاعب جديد لتعمل السيدتين بإصرار ليجد المواطنون الأمان على صحتهم في العيد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved