بين إدمان السوشيال ميديا وفوائد الإنترنت.. كتاب جديد لنك كليج يكشف تناقضات العصر الرقمي

آخر تحديث: السبت 20 سبتمبر 2025 - 12:02 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم

-ارتفاع الآراء السلبية بين الشباب والمراهقين في أمريكا على وجود منصات التواصل الاجتماعي.. وإنستجرام يفوز بلقب أسوأ منصة للصحة النفسية

 

أعلن نائب رئيس وزراء بريطانيا السابق، نك كليج، عن صدور كتابه الجديد بعنوان "كيفية إنقاذ الإنترنت: التهديد الذي يواجه الاتصال العالمي في عصر الذكاء الاصطناعي والصراع السياسي" الصادر عن دار نشر تابعة لـ "بنجوين"، طرح من خلاله رؤيته لمستقبل أكثر تعاونًا وفاعلية بين شركات التكنولوجيا والجهات التنظيمية.

وتميز هذا الكتاب بمحاولته إداراة المتناقضات التي نشهدها في عالمنا الرقمي الحالي، ما بين إدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي نعلم يقينًا أنها مضرة للصحة النفسية والاجتماعية، وعدم قدرتنا على التوقف أو معرفتنا بأن الإنترنت في عالم اليوم مفيد ولا يمكن الاستغناء عنه.

وواجه المؤلف تلك المتناقضات بنفسه حين شغل منصب نائب رئيس الوزراء، حيث كان من مهام وظيفته أن يوازن بين التوجهات المتناقضة، محاولًا التوفيق بين حزب المحافظين بقيادة رئيس وزراء بريطانيا السابق، ديفيد كاميرون، وحزبه هو الديمقراطيين الأحرار، وبعد سنوات، اختار "كليج" تحديًا آخر، إذ تولى منصب نائب رئيس شركة التكنولوجيا "ميتا"، ثم رئيس الشئون العالمية من 2018 حتى يناير 2025، حيث كُلِّف بمهمة الربط بين عوالم وادي السيليكون والإدارة السياسية في أمريكا، فضلًا عن حكومات أخرى.

ومن هذا المنطلق، يعتبر كتابه الجديد بمثابة تقرير عن إدارته لهذه المهمة العسيرة، وفي البداية، قال "كليج"، إن التهديد الرئيسي لا يصدر عن الإنترنت نفسه، بل عن أولئك الذين يسعون إلى تقييده بالتنظيم، وأضاف: "أن الغاية الحقيقية من هذا الكتاب ليست الدفاع عن نفسي أو عن شركة ميتا أو عن عمالقة التكنولوجيا، بل مجرد ناقوس تحذيري بشأن ما أراه على المحك فعلًا لمستقبل الإنترنت، ولمن سيستفيد من هذه التقنيات الثورية."

وكرّس المؤلف جزءًا كبيرًا من الكتاب لتوضيح فوائد شركة "ميتا"، المعروفة سابقًا بـ"فيسبوك" والمملوكة لرجل الأعمال والمبرمج الأمريكي مارك زوكربيرج، والتكنولوجيا الحديثة بصفة عامة، حيث بدأ بدمج الإنترنت "الذي قال إنه يحظى بقبول واسع ولا أحد يختلف على فائدته" مع وسائل التواصل الاجتماعي "التي تثير مشاعر متباينة بين المستخدمين ما بين مؤيد ومعارض".

كما طرح المؤلف عبر صفحات الكتاب سؤالًا مثيرًا للجدل، ألا وهو: هل كنّا سنختار إيقاف بعض التقنيات لو كان ذلك ممكنًا؟ هل كنّا سنحرم أنفسنا من الابتكار القادم؟ هل كنّا سنكون أفضل حالًا من دون حريات الإنترنت المفتوح؟" وذلك في خضم حديثه عن موجة "الغضب ضد التكنولوجيا" التي برزت أواخر العقد الثاني من الألفية.

وعلى عكس إدعاء الكاتب، فقد أظهرت بعض الاستطلاعات الحديثة التي تم إجراءها على عينة من الشباب الأمريكي- وهم الجيل الذي صاغت شركات التواصل الاجتماعي فترة مراهقته- الكثير من الآراء السلبية ضد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أظهرت الاستطلاعات أن الشباب كانوا يتمنون لو لم تُبتكر منصات التواصل الاجتماعي أصلًا بالنسب الآتية: 34% لـ"إنستجرام"، 47% لـ"تيك توك"، و50% لـ"إكس"، بينما حظى الندم على اختراع أو وجود الإنترنت بنسبة منخفضة 17%، وعلى الهواتف الذكية 21%، أما استطلاع الآباء فقد كشف نسبًا أعلى من ذلك بكثير.

وفي الفصل الأول، حاول "كليج" معالجة اتهامين رئيسيين، ألا وهما: أن وسائل التواصل الاجتماعي أضعفت الديمقراطية العالمية وأثّرت سلبًا على الصحة النفسية للمراهقين، حيث أقر بتراجع كليهما خلال العقد الثاني من الألفية، لكنه زعم أن التراجع تزامن فقط مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكن نتيجة مباشرة لها.

واستشهد ببعض الدراسات الأكاديمية في هذا الصدد، إلا أن عرضه لا يخرج عن كونه ترديدًا لخطاب "ميتا" الرسمي، متجاهلًا أبحاثًا كثيرة تثبت العكس، بل إن بعض دفاعاته مأخوذ حرفيًا من مقال نشرته شركة "ميتا" عام 2022 ردًا على إحدى مقالات صحيفة الجارديان التي عرضت فيها أدلة على أن وسائل التواصل الاجتماعي تضر بالديمقراطيات المتقدمة كما ورد عبر الصحيفة.

وفي المقابل، نرى أن إن ادعاء الكاتب بأن الأدلة في هذا الشأن مجرد ترابطات، يتعارض مع شهادات موظفين من داخل شركة "ميتا" نفسها، فضلًا عن بعض الوثائق المسرَّبة، ففي ملف المدعي العام لولاية نيو مكسيكو مثلًا، ورد أن "كليج" وجّه في أغسطس 2021 رسالة إلى مارك زوكربيرج مرفقة بطلب من أحد الموظفين لموارد إضافية لمعالجة قضايا الصحة النفسية لدى المراهقين، مضيفًا من جانبه أن تلك القضية باتت أكثر إلحاحًا لاسيما مع التوسع المهول للشركة في عالم الإنترنت، مؤكدا أن الشركة تعاني من نقص في الكوادر وتشتت في الجهود، لكن "زوكربيرج" لم يرد.

أما زعمه الحالي بأن الأضرار مجرد ارتباطات طفيفة، فيناقضه أيضًا ملف المدعي العام لولاية تينيسي، الذي كشف عن دراسة أجرتها شركة "ميتا" بنفسها عام 2019 حول صحة المراهقين النفسية، حيث لفت الباحثون الشركة إلى أن المراهقين مدمنون على منصات التواصل الاجتماعي رغم شعورهم السلبي، وقالوا إن الوقت الطويل الذي يقضيه الشباب على المنصة يؤثر سلبًا على الصحة النفسية واصفين تطبيق "إنستجرام" بـ "أسوأ منصة للصحة النفسية."

وعبر صفحات الكتاب، طرح الكاتب عدة حلول لعملية "إنقاذ الإنترنت" كما أسماها، ومن بينها: الشفافية الجذرية والتعاون، وعبر الحل الأول، دعا المؤلف شركات التكنولوجيا إلى تحقيق انفتاح أكبر بشأن خوارزمياتها وقراراتها مع جمهور المستخدمين، محذرًا قادة وادي السيليكون من أنهم إن رفضوا السير في طريق الانفتاح طوعًا، فسوف يُنتزع منهم حق الاختيار في المستقبل.

أما الحل الثاني فهو الدعوة إلى "تحالف الديمقراطيات الرقمية"، لاسيما مع تصاعد القلق من أن الصين طوّرت تقنياتها بشكل ضخم بما يعزز نظامها السلطوي، ولذا قال المؤلف، إنه يتعين على الديمقراطيات أن تتكاتف كي يظل الإنترنت حاملًا للرؤية الديمقراطية التي سادت في تسعينيات القرن الماضي.

ويبقى السؤال هنا مفتوحًا للقارئ: هل تنجح خطة "كليج"؟ من حيث المبدأ تبدو الشفافية أمرًا محمودًا، لكن ربما فات الأوان لتطبيقها على شركات عملاقة تسيطر على معظم فضاء الإنترنت، فقد وصفت الصحفية التقنية، كارا سويشر، الوضع عام 2019 بقولها إن "زوكربيرج" ومؤسسين آخرين "بنوا مدينة بلا لافتات شوارع، بلا صرف صحي، بلا شرطة، ولا حتى عمال نظافة"، ثم أضافت متهكمة أن تلك المدينة ليست مكانًا صالحًا للعيش، لكنهم برغم يجمعون الإيجارات من السكان بشكل دوري.

ربما لهذا السبب تنتشر عمليات الاحتلال، ووقائع الابتزاز الجنسي، بل وتجارة المخدرات، والتطرف السياسي والعقائدي والمجتمعي عبر تلك المنصات -المهددة للمراهقين والديمقراطيات على السواء- في حين تبدو الشركات عاجزة عن الحل، إن المزيد من الشفافية في عام 2025 قد لا يكفي لإصلاح التصميم الحضري الرديء لتلك المدن والحياة الرقمية الذي وُضع قبل عشرين عامًا.

وفي الختام، نذكر ما قاله عالم الأحياء الأمريكي الراحل، إي. أو. ويلسون، ذات يوم متحدثًا عن الماركسية، حين وصفها بـ "الفكرة الجيدة ولكن الموجهة للفئة الخطأ من البشر"، ولهذا لم تنصف صحيفة الجارديان الكتاب الجديد، فإلى جانب كتب كثيرة تناولت ثقافة "ميتا" غير الأخلاقية والمتهورة، ومئات الصفحات من تسريبات 2021 المعروفة باسم "ملفات فيسبوك"، والدعاوى القضائية الجارية، يمكن القول عن مقترحات المؤلف إنها: "خطة جيدة، لكن للصناعة الخطأ."

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved