عن ترميم مسجد «الجيوشي» بتمويل شيعي.. الأوقاف والآثار «شاهد ما شافش حاجة»

آخر تحديث: الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 9:56 ص بتوقيت القاهرة

مصطفى ندا

صحيح أن «الترميم» يعيد شريان الحياة لكثير من الآثار، إلا أن الوضع كان مختلفًا مع «جامع الجيوشي» بالمقطم، فلم يشفع تاريخ المسجد الممتد لأكثر من ألف عام في حمايته من «الدفن بمقبرة الترميم والتشويه».

منذ أيام، تداول عدد من مستخدمي موقعي فيس بوك وتويتر تظهر المسجد العائد لعصر الدولة الفاطمية في «حالة يرثى لها»، وسط انتقادات حادة لوزارتي الأوقاف والآثار، بدعوى تخليهما عن هذا الأثر المدرج على قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو.

«الشروق» تواصلت مع مسؤولي وزارتي الأوقاف والآثار وبدا كل منهما «يلقيان الكرة في ملعب الأخر»، ويظل مصير الجامع غير معلوم إلى الآن.

تهريج وليس ترميم

الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة وصف عملية ترميم مسجد الجيوشي بأنها «تهريج وليس ترميم».

د. الكسباني رأى أن الآثار الفاطمية «تٌترك لطائفة خارجية تتولى عملية الترميم»، في إشارة منه إلى طائفة البهرة الشيعية المعروف عنها بضخ أموال لترميم المساجد الأثرية في مصر عن طريق الاتفاق مع مهندسين بقطاع المشروعات على ذلك.

مسجد الجيوشي قديما

مسجد الجيوشي قديما

طائفة البهرة تغير وتبدل في الجوامع الآثرية التي تعود للعصر الفاطمي كما تريد، الأمر يهدد بخطورة خروج الآثار من تعداد التراث العالمي»، بحسب أستاذ الآثار الإسلامية.وشدد على ضرورة اتخاذ موقف حازم مع هيئة الإشراف على مشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية، لكونها من وافقت على «هذا التهريج»، مطالبًا بمحاكمتهم وفقًا لقانون الآثار.

ليست المرة الأولى

«نفس الأمر حدث في جامع الحاكم بشارع المعز لدين الله الفاطمي، الذي يعود أيضًا إلى عصر الدولة الفاطمية، فتسبب الترميم في تغيير معالمه الأثرية، وأصبح مبنى جديدًا بعد أن أهدروا قميته الأثرية التي تعود لألف عام ولم يتبق من قيمته التراثية سوى المإذنتين».. بهذه الكلمات عبر د. جلال الشايب الأستاذ بكلية الفنون الجميلة عن استيائه مما تعرض له جامع الجيوشي.

د. «الشايب» اعتبر أن الصورة التي تم التقاطها لجامع الجيوشي تعكس حجم المشكلة الكبيرة في ترميم الآثار الاسلامية بمصر، موضحًا لـ«الشروق» أن الأمر ليس بسر على أحد فالجميع يعلم أن طائفة البهرة الشيعية تدفع أموالًا طائلةً لترميم المساحد الأثرية في مصر، وتحديدًا التي يعود إنشاؤها إلى العصر الفاطمي، دون رقابة تذكر من «الأوقاف أو الآثار».

وأشار إلى أن الأمر يمثل تهديدًا كبيرًا ليس فقط على تلك الجوامع الأثرية وإنما على القاهرة التاريخية ككل وخطر تعرضها لإدراج مواقعها الآثرية على لائحة التراث المهدد بمنظمة اليونسكو.

تصريح المخابرات الحربية

أمام جامع الجيوشي المشيد أعلى هضبة المقطم تقف قوة من رجال الشرطة العسكرية، والتي ترفض دخول أحد إلى محيط الجامع دون الحصول على إذن من المخابرات الحربية لدخول المنطقة أو إمكانية التصوير وبدون هذا هذا التصريح تظل المهمة مستحيلة، على حد قول أحد أفراد القوة لـ«الشروق».

جامع الجيوشي

جامع الجيوشي

الأوقاف: إسألوا «الآثار»

وأمام ذلك، عقب الشيخ محمد عبد الرازق وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد على ما سبق مؤكدًا أن الوزارة «مسئولة عن ترميم الجوامع الأثرية بالاشتراك والتنسيق مع وزارة الآثار».

وأشار إلى أنه «عندما عندما علموا بوجود بلبلة حول ترميم جامع الجيوشي في منطقة المقطم أرسل بدوره فريقًا للمعاينة لمعرفة إذا كان الترميم تم وفقًا للطريقة العلمية الصحيحة التي يتبعها خبراء ترميم الآثار الإسلامية أم لا؟»

وأوضح أنه «ليس لديه علم بما تم لجامع الجيوشي من عملية ترميم مؤخرًا إلا من خلال وسائل الإعلام والصحف»، مشيرًا إلى أن المسئولية الكبرى ملقاة على عاتق وزارة الآثار باعتبارها المسئول رقم واحد عن ترميم الجوامع الأثرية قبل الوزارة، ومن الممكن أن تكون الوزراة فتحت قنوات اتصال مع طائفة البهرة الشيعية لترميم جامع الجيوشي».

وذكر أن دور «الأوقاف» حيال الجوامع الأثرية في القاهرة التاريخية يرتكز على إبلاغ الشرطة وأجهزة الأمن بما يتم من علميات سلب ونهب للقطع الأثرية داخل الجوامع سواء من كعوب المآذن أو الأبانوس أو العاج.

«الدماطي»: كلام فارغ

في رده على كل ما سبق، وصف د.ممدوح الدماطي وزير الآثار ما تناولته وسائل الإعلام كثيرًا عن إدراج القاهرة التاريخية بما تحويه من مواقع أثرية ضمن قائمة التراث المهدد بمنظمة اليونسكو بـ«الكلام الفارغ».

وأضاف «الدماطي»، في تصريحات خاصة لـ« الشروق»: «لا يوجد شىء في الدنيا يسمى بقائمة التراث المهدد ومعنى إدراج أي موقع أثري ضمن هذه القائمة يعني أنه تم إزالته من الوجود».

وأوضح الدماطي أن الحديث عن قضية مسجد الدماطي لم يتوقف منذ أزمة أهرامات سقارة ودهشور وزوسر، مؤكدا أن الموضوع «قُتل بحثًا»، متمسكًا بأن ما يتعلق بجامع الجيوشي وعملية ترميمه وما أثير حولها في وسائل الإعلام ظل لفترة لا يعلم عنه شيئًا لأنه من المفترض أن ملف الجوامع الأثرية مسئولية مشتركة بين الآثار والأوقاف مناصفة.

عملية ترميم جامع الجيوشي

عملية ترميم جامع الجيوشي

وشدد الوزير على ضرورة عقد اجتماعٍ هامٍ، بداية الأسبوع القادم، لبحث الأمر ومعرفة الملابسات المتعلقة به بالتنسيق مع وزارة الأوقاف عقب العودة من إعادة افتتاح متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية مرة أخرى بعد إغلاقه عقب اندلاع ثورة يناير 2011.

البهرة في أحضان القاهرة

و«البهرة» طائفة شيعية فرت من مصر في عهد صلاح الدين الأيوبي، واستقرت بجنوب الهند، قبل العودة إلى مصر أواخر سبعينيات القرن الماضي، أي في عهد الرئيس أنور السادات وبدأت في الازدياد في فترة الثمانينيات، وساتقروا بالقاهرة الفاطمية، وأقاموا فيها وبدأوا رحلة البحث عن مراقد وآثار الفاطميين والعمل علي بعثها وتجديدها.

كان من أشهر الآثار الفاطمية التي قام البهرة بتجديدها في مصر مسجد الحاكم بأمر الله المسمى بالجامع الأنور الملاصق لسور القاهرة من الجهة الشمالية بجوار بوابة الفتوح، وهو من أضخم مساجد القاهرة، وقد استخدمه صلاح الدين الأيوبي ومَن بعده من ملوك الأيوبيين بعد أن تم إغلاق الجامع الأزهر.

لا تقتصر مهمّة البهرة في مصر على آثار الفاطميين وحدهم بل امتدّت لتشمل مراقد آل البيت، فقاموا بتجديد مرقد السيدة زينب بالقاهرة ومقصورتها، كما جدّدوا مقصورة الحسين.

وفي أغسطس الماضي، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، سلطان طائفة البهرة بالهند، مفضل سيف الدين، يرافقه نجلاه الأميران جعفر الصادق، وطه سيف الدين، والسيد مفضل حسن، ممثل سلطان البهرة بالقاهرة.

السيسي وزعيم طائفة البهرة

السيسي وزعيم طائفة البهرة

حينها تحدثت الخارجية المصرية عن أن هذه الزيارة تأتي في ظل «اشتغال طائفة البهرة بالتجارة واهتمامهم بالاستثمار في مصر، ولا سيما في مجال المنتجات الغذائية وصناعات الورق والرخام».

فيما أشار سلطان البهرة إلى «العديد من الجهود التي تبذلها الطائفة في مصر في مجال ترميم المساجد الأثرية والأعمال الخيرية»، فضلا عن مساهمته بـ10 ملايين جنيه في صندوق تحيا مصر للنهوض بالاقتصاد المصري.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved