«عيل بيطير غناويه للقاهرة».. عيون خلف جابر تنظر من أعلى نخلة

آخر تحديث: الخميس 21 أكتوبر 2021 - 2:56 م بتوقيت القاهرة

عبدالله محمد

صدر عن دار "تشكيل" للنشر والتوزيع ديوان شعر العامية الثالث للشاعر خلف جابر، مصبوغًا بطباع الجنوب محب لها، ورغم أنه من قرية تابعة لمحافظة بني سويف فإن الجنوب يصبغه بلونه الأسمر اللامع والذي لمع اسمه حين فاز عن هذا الديوان بجائزة عبد الرحمن الأبنودي.

وتظهر لنا نقطة الضوء في ديوانه الذي هو عبارة عن مجموعة شعرية تقع تحت عنوان "من أعلى نخلة في الصعيد عيل بيطير غناوية للقاهرة" على غرار الذاتية المغلفة على الكتاب بعنوانه الطويل، يبرر ذلك الشاعر خلف جابر شارحا رحلة انتقاله من محافظة بني سويف إلى القاهرة، البلد التي يسكن فيها والأصح التي تسكن فيه من خلال قصائده التي تنبض كلماته المصرية الأصيلة بها، وما شهده حين وصل للقاهرة وإيقاعها السريع هذا جعل جابر يطير بجواباته إلينا لعله أراد أن يقول روحي محبوسة والشعر يفك طلاسم هذا الحبس بـ "عيل بيطير غناوية للقاهرة"، ولعل القصد من وراء الجملة أن تحكي عنه في هذا الديوان الذي ينطلق به خلف من الشخصي ليخرج منه إلى العام الذي يتفاعل فيه كمواطن مغترب يشعر بالوحدة يتألم من فعل الحنين ويفرح ويموت وكأنه بفعل الكتابة يحيى من جديد.

ويأتي الديوان في حوالي 110 صفحات، ويحتوي على 23 قصيدة تحمل المجموعة هموم ذاتية خاصة بالكاتب ونجد أنفسنا مشتركون فيها سويا من مآسي ونضال وكفاح وغربة تفتقد الحنين للتربة الأصل وحنان الأم وفراق موجع وحكمة مندفعة نحو الأمل الشمع كشعاع الشمس فهو ديوان شامل ومتنوع، حيث يحتوي على قصائد عاطفية وعن أمور اجتماعية ووجدانية وإنسانية تتناسب مع ذاقة متنوعة، فهو مليء بصبغة ذاتية تنظر على النفس من أعلى نخله، أي من خارج حدوده الشخصي ليصل للموضوعي الذي يجد فيه شخص أو آخر أنه يتشارك معه نفس القصص والأفكار.

وخرج جابر من سطوة القافية فهي مشكلة تواجه جيل شعراء العامية، فالغالب أن الجمل الشعرية يغلب عليها الطابع الموسيقي والقافية، فجابر استخدم أدوات أصبحت أكثر رحابة من تلك الحالة التي تواجه شعراء العامية وهي الاستسهال.

و"العلاقة التبادلية الخصبة بين الفصحى والعاميات تمثل جدلية خلاقة، كل منهما تضيف للأخرى خلايا حية وأساليب متنوعة وخصوصية مميزة، الفصحى كنز يغترف منه العاميات وهذه بؤرة ساخنة تمور فيها الحياة فتمد الفصحى بالحرارة والراهنية والحيوية".

وقال د. صلاح فضل، في كتابه شعر العامية من السوق إلى المتحف: العامية لغة نمارس بها حياتنا اليومية وهي ما نكتب به عبر وسائل التواصل الاجتماعي فهي دليل قاطع على تجربتنا التي نعبر عنها بتكوين صادق وذو عمق في التعبير، فخلف استطاع في كثير من القصائد أن يعبر عن ذاته التي تتماسك مع الآخرين في نفس الوقت، ولكن هذا لا ينفي أن هناك بعض الألفاظ والمرادفات التي كانت أقرب لما نسميه بفلسفة في الوصف فتأخذك المرادفات في بحر من التيه؛ لأنها تبحر بك في المجاز مرة وفي الرمزية مرة وفي كثير من الأحيان يصور لنا الكاتب روح القصيدة ببعض مرادفات سريالية يصور لنا فيها الخيال ممزوجا بالواقع بشكل عميق يصعب على المتلقي العامي مثلنا أن يعيها ويقف أممها مما تعطل عملية الفهم السلس للنص، والعامية هنا عليها أن تكون سهله الوصول لوعي القارئ الذي يقرأ ما يلمس دواخله فهي في الأصل إيجابية فهو يريد أن يعلن عن ذاته لكن عليه أن يكون أكثر تحررا من فلسفة القصيدة.

وأضاف فضل: أقول لهم تخيروا القوالب القصيرة التي يجود فيها الشعر الحديث، وأضرب لهم مثلا ديوان الرباعيات والذي كتبت عنه بحث كبير وأعجبت بهذه القصائد جدا، وأتمنى من كتاب الشعر الحديث، أن يختصروا القصيدة ويا ليتهم يكتشفوا قالب جديد مختصر يسموه مثل ما يسموه، يتحركون فيه ويتركون الإطالة، وقد نجد أن خلف يجيد الحكي باختصار قائلا مثلا: "أمك وأبوك راح يبكو على النبتة.. اللي الزمان داسها بلا استئذان"، صراحة شاعرية فائقة الجمال فلا شك أن عاطفة الوالدين لا يضاهيها أي شعور أخر فيحزنوا حيث تخيب نبتتهم أو ليبتهجوا لموسم حصادها.

ويقول جابر: أنا هقول النص وأنت سقف لي نبل الأدوار والأرض دوارة، هي صراحة تساهم في رؤيتك للعالم من حولك كما لو أن الشعر يساعد على التأقلم وفرز جديد للبوح المكتوم بداخلنا وكذلك يكون الشعر فك طلاسم لشخصيات تعاني ما تعانيه في هذا العصر الحديث، في إجابة عن قساوة تجارب الحياة يحل الشاعر مفكك هذا اللغز يحيننا، قائلًا: جايز عيونا تلتقي صدفة فيبكوا دمع لكنه مش مالح

وأكد ثنائية التضاد بين النفع الفردي والبخل وما يطرأ في الواقع، من خلال التجارب التي تدخلنا مع الألم في رحلة صعبة مؤلمة.

وببساطة شديدة هذا الديوان من الممكن أن نجعله عنوان لسيرة خلف جابر في وقت قصير من حياته، فالرحلة ما بين بني سويف حيث ميلاده والقاهرة كانت محملة بالأغاني والمواويل والعديد والأمثال فالشاعر خلف جابر يصفها بـ"سيرة صعلوك تجول كثيرا في شوارع وسط القاهرة لكن قلبه ظل متعلقا ببلاده وناسها وأشجارها".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved