عادل نصيف: العمارة فى مصر الآن أصبحت فى خصام مع البيئة والواقع

آخر تحديث: السبت 21 سبتمبر 2019 - 12:34 م بتوقيت القاهرة

كتب ــ محمد بلال:

ـ هناك ارتفاعات غير مبررة لكنائس مساحتها صغيرة.. واستخدام مبالغ فيه لعناصر تضر بالإحساس الروحى مثل الرخام

الفن القبطى فى خطر من شبح التقليد الأعمى للكنائس الغربية

«نحن حاليا فى أزمة منذ سنوات ولكنها زادت مؤخرا بسبب تقليدنا للكنائس الغربية فأصبحت الرسوم فى الكنائس لا تمتُّ للفن القبطى بصلة؛ لأنها مستنسخات زيتية من دول متعددة مثل إيطاليا وفرنسا وأمريكا، بل وصل الأمر إلى انتشار رسوم لشخصيات واقعية مثل الصورة الشخصية للرسام ويليام بوجروه على أنه أحد الرسل، وغيره، فتحول الفن القبطى من فن مستوحى من البيئة المصرية بألوانها مثل البنيات بدرجاتها وألوان الحجر إلى نسخ أعمال غربية مرتبطة بالواقع الغربى وليس بواقعنا، وذلك النسخ يدمر الروحانية فى الكنيسة، حيث أصبحت الملامح غربية بعيدة عن الملامح المصرية. وهذا يقطع التواصل بين الجيل الجديد وتراثه العريق».
تأكيد صادم قاله الفنان عادل نصيف عند سؤاله عن العمارة فى الكنيسة القبطية المصرية وكيف وصلت بها الحال إلى تقليد أعمى للعمارة الغربية. المسألة لا تبتعد عن الشأن الثقافي؛ إذ إن العمارة القبطية لما تمثلها من تاريخ وتراث معمارى ضخم، تندرج بوضوح ضمن الملفات الثقافية ويجب المحافظة عليها.
معروف أن مصر من أوائل الدول التى اهتمت بإنشاء دور العبادة وظهور الفنون المختلفة المرتبطة بها منذ المعابد الفرعونية ومرورا بالفن القبطى ثم الإسلامى، فكان لذلك تأثير مميز على العمارة الدينية فى مصر وجعل لها صفات وسمات مميزة تجدها متقاربة جدا، وهذا ما نراه فى المعابد الفرعونية والكنائس القديمة و أيضا المساجد القديمة. ولكن ما نراه الآن مختلف جدا فأصبحت الكنائس والمساجد تشبه أو تحاول التشبه بالموجودة فى دول أخرى، الأمر الذى يساهم فى غياب الهوية وطمس التراث المصرى الأصيل.
الفنان التشكيلى عادل نصيف أكد أن العمارة فى مصر الآن أصبحت فى خصام مع البيئة وخصام مع الواقع، وعلى الرغم من أنه من المفروض أن يكون المعمار جزءا من البيئة فإننا نجد الآن «نشاذ» يجعلنا نشاهد خرسانة وزجاجا فى الصحراء، ونجد فتحات ضخمة جدا فى بلد حار مثل مصر، وذلك ما أضاع هوية العمارة وخصوصيتها، فمن يريد أن يتعلم العمارة ينظر إلى المعابد الفرعونية والعمارة البيئية و يشاهد العمارة الكنسية فى مصر القديمة، ويشاهد أيضا العمارة الإسلامية فى مصر القديمة، ويرى كيف كان المعمارى يوظف كل العناصر المعمارية لنجاح استخدام المبنى فى الغرض المنشأ له.
وللأسف حاليا قد نجد مكانا به كل العناصر المطلوبة لمكان العبادة ولكن حين الدخول للمبنى تشعر أنه غير صالح للصلاة سواء كان مسجدا أو كنيسة، وأعتقد أن السبب هو غياب المعمارين الموهوبيين الذين يمتلكون موهبة ورؤية فنية، حتى الأسماء الكبيرة فالمنتج النهائى يوضح أنها العمارة بمفهوم المقاولة «يعنى نلبى طلبات الزبون بدون ابتكار»، وإذا أقام أحد المعماريين مبنى مميزا يتم تقليده أكثر من مرة، وهذا يعتبر إفلاس أضر بمحتوى العمارة وخصوصية العمارة القبطية والعمارة الدينية بشكل عام، وقد يكون الوضع بالنسبة للكنائس أصعب؛ لأن كثيرا منها بنى بدون ترخيص وطبعا لم يكن ذلك هو السبب الوحيد ولكن حتى الكنائس التى بنيت بترخيص نجدها على خصام مع البيئة المحيطة، وأصبح هناك ميزانية ولكن بدون التوظيف الصحيح لتلك الميزانية، وأنا لا أعارض أن يتكلف المبنى ولكن أعارض ألا يفى المبنى فى النهاية بالغرض المطلوب منه، فقد نجد ارتفاعات غير مبررة لكنائس مساحتها صغيرة، واستخدام مبالغ فيه لعناصر تضر بالإحساس الروحى مثل الرخام نجده من الداخل والخارج وهذه فلسفة غريبة على الكنيسة والعمارة القبطية؛ لأن العمارة القبطية والفن القبطى بشكل عام هو فن الوقار والبساطة وهو فن النجاح فى استخدام العناصر بأقل التكاليف، وظهرت عمارة مبالغ فيها جدا وهى أننا أصبحنا نضع «مواصفات» الكاتدرائية للكنيسة و«مواصفات» كنيسة المدينة لكنيسة القرية ما أدى إلى ظهور النشاذ والذى يحتاج إلى ضبط فمن المفروض أن يتصدر لهذا العمل من يمتلك موهبة ودراية وإحساسا بالنسب.
أشعر بالصدمة، عندما يُطلب تدخل الفنان فى النهاية، وقد تم الإتيان على النسب من كل الزوايا تاركا مساحة صغيرة غير متناسقة من المفترض أن يستخدمها الفنان للقيام بعمله الفنى عليها ولكنه يجد النسب مشوهة، ولا أعلم كيف يعجز المعمارى عن وضع نسب جمالية مناسبة للمبنى وللرسم. ولماذا لا يكون دور الفنان منذ بداية البناء؟
وأشار نصيف إلى أن العمارة توصف بأنها أم الفنون، فلو كانت العمارة مصممة بشكل فنى وراق فإنها تحتوى داخلها كل الفنون التى نعرفها من نحت و تصوير ورسم وهذا ما انتبه إليه العالم كله واهتم بالعمارة، ولو نظرنا إلى العمارة القبطيه القديمة نجدها على درجة من التقدم والرقى المستمد من العمارة الفرعونية من حسابات الضوء وروحانية المكان واستخدام عناصر البيئة، وهذا ما نفتقده حاليا.
للأسف الفنان دوره أصبح متراجعا فى التأثير على المبنى ويعامل على أنه مقاول، والفنان أصبح للأسف دوره فى النهاية لأن لو المعمارى مش عارف يجب أن يسأل الفنان ويكون هناك تنسيق ولكنهم يتعاملون مع المعمارى على أنه إله المبنى وما يأمر به واجب النفاذ. وتقع المسئوليه فى الاساس على من ينقق الاموال الباهظه دون وعى.
وفى كثير من الأوقات ما يقوله يكون مكلفا جدا وغير متناسق ويسبب بهرجة فى المبنى، والمكان الروحى يجب أن يشع بالروحانية والبساطة وبالتناسق والتوافق ولا يمكن أن يخاصم المبنى الطبيعة كما نرى الآن، فكيف ونحن فى بلد حار وبه أتربة كثيرة نصنع فتحات ضخمة جدا لا تتناسب مع مساحة الضوء للمبنى ولا مع السخونة داخل المبنى ولا نشعر بالروحانية بسبب نسب الإضاءة والهدوء والوقار ومشاكل الصوت مثل كنائس مصر القديمة ولا أعرف سبب هذا التغيير ربما التعجل او ادعاء المعرفه.
وهذا بخلاف استخدام سلالم لا تناسب أعداد المصلين مثل السلالم الحلزونية. نحن نحتاج أن نعود إلى تراثنا لأن العمارة تؤثر فينا وتدعونا للصلاة بدون تدخلات حداثية كلمبات الليد والنجف، كل ذلك فشل معمارى، فالمعمارى الناجح من يستطيع استخدام خامات بسيطة لإخراج عمل إبداعى تتوافر فيه القيم الجمالية والقيم الأساسية التى تدعم الروحانية، وقد نجد مبانى تلغى فكرة الأعمدة وذلك غير مستحب؛ لأن الأعمدة رمزية داخل الكنائس فلو كانوا 12 فهم يرمزون للرسل مثل الكنيسة المعلقة، ولو 4 يرمزون للأربعة الإنجيليين، وأيضا عدد الشبابيك له معنى روحى.

الجهة الإرشادية لبناء الكنائس
وحول سؤالنا عن الجهة الإرشادية لبناء و تصميم الكنائس، أجاب الفنان عادل نصيف:«التصميم يسير وفق قناعة المسئول عن بناء المكان سواء كان شخصية دينية أو بعض الأفراد بشكل فردى (تحكمه ثقافه التعجل وتحقيق انجاز) ولا توجد مرجعية و أنه كان قد طالب بوجود مرجعية لمتخصصين لمراجعة التصميم؛ لأنه فى حالة وجود عمارة دينية جميلة تتنج حالة إيجابية. والعمارة الدينية فى مصر القديمة شاهد على ذلك مثل الكنيسة المعلقة وأبو سرجة.. تجعل المصلى يشعر بالتأثر منذ بداية دخول الكنيسة أما أغلب الجديد لا يجد به هذا الجمال ونرى شغل مقاولات«.
وفى النهاية أوضح أن الحل فى وجود معمارى يمتلك وعى مثل الفنان المعمارى الراحل رمسيس ويصا واصف من أعماله كنيسة مارى جرجس وكنيسة المرعشنى بالزمالك. ومتحف المثال محمود مختار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved