بلح «الدميرة» يفيض في الوادى الجديد -تحقيق

آخر تحديث: السبت 21 سبتمبر 2019 - 10:09 م بتوقيت القاهرة

عمرو بحر:

65 ألف طن إنتاج الوادى الجديد من التمور سنويا.. و2 مليون نخلة تزين أرض المحافظة.. وسبع سنوات من العرق قبل الإثمار.. وتحديد السعر العادل يفجر صراعا بين التاجر والمزارع

 

ترتبط زراعة النخيل منذ القدم، باسم محافظة الوادى الجديد، التى تنتج سنويا نحو 65 ألف طن من البلح الذى ينضج فى وقت «الدميرة» أو فيضان النيل الذى يرافق موسم جنى المحصول فى نهاية الصيف من كل عام؛ حيث يمثل البلح ثروة اقتصادية وجزءا أساسيا من ثقافة أهالى واحات الوادى الجديد.
تضم المحافظة، نحو 2 مليون نخلة، على مساحة 21 ألف فدان، وتنتج سنويا نحو 65 ألف طن بلح من النوع الصعيدى، بجانب الأصناف الأخرى مثل المجدول والبارحى والمنتور والفالق والحجازى والتمر الجاف، وبعض الأنواع الأخرى التى تدرج تحت مسمى نخيل المجهل.
تعتبر زراعة النخيل من الزراعات الشاقة التى تتطلب وقتا ومجهودا بدنيا كبيرا ومتابعة مستمرة منذ مرحلة الغرس حتى بدء عملية الطرح حتى الحصاد والبيع؛ حيث يتم فى البداية اقتلاع فسائل النخيل الصغيرة والتى تنمو بشكل طبيعى أسفل جزوع النخيل، ويتم غرسها فى الأرض فى خطوط مستوية بمسافة من 8 إلى 10 أمتار ما بين الفسيلة والأخرى، ويحرص المزارعون على رشها بشكل يومى لمدة 40 يوما، حسب درجة الحرارة ونوعية التربة، إلا أنها تتطلب الطقس الجاف لضمان نموها حتى لا تجف ويتوقف نموها.
ويقول خالد سندادى، أحد مزارعى التمور بالوادى الجديد: إن المزارع يواصل متابعة فسيلة النخيل بعد غرسها حتى تبدأ فى النمو ويستمر فى عملية الرى والتسميد لمدة تتراوح من 5 إلى 7 سنوات بعدها تبدأ النخلة فى مرحلة الطرح، ثم تمر النخلة بمراحل متتابعة من التقليم وقطع الجريد الجاف والتلقيح من خلال حبوب لقاح ذكر النخيل.
وبعد نمو العراجين، ينتقل المزارعون إلى عملية تقويس العراجين أو التدلية أو «الدلاوة» بالمسمى الواحاتى حتى لا تتعرض العراجين للكسر، ومع بداية نضج البلح وتحول لون الثمار تتم عملية تكييس العراجين أو التزميط بالمسمى الواحاتى أيضا، ويضيف سندادى أن مرحلة جنى البلح تبدأ فى شهر سبتمبر حتى منتصف شهر أكتوبر؛ حيث تختلف فترة النضح من منطقة لأخرى، وحسب عمر النخلة، فالنخيل كبير السن يطرح مبكرا وينضج مبكرا على عكس النخيل ذى الطرح الحديث يطرح متأخرا وينضج أيضا فى نهاية الموسم.
وتطورت عملية تعبئة البلح خلال السنوات الأخيرة؛ حيث كان يتم تخزينها فى أجوال ثم انتقلت إلى مرحلة إلى الصناديق البلاستيكية، لكن فى السنوات الأخيرة اتجه بعض الفلاحين إلى إنشاء ثلاجات لحفظ البلح، وهى عبارة عن حجرات محكمة الإغلاق وبها جهاز تكييف لضمان حفظ التمور وتبخيرها ضد الحشرات أو التلف.
ترتكز أغلب زراعات نخيل البلح وبالأخص البلح الصعيدى النصف جاف بمناطق الخارجة والداخلة وباريس كنقاط أساسية توسعت من خلالها مزارع النخيل وساهم الطقس الجاف فى الطرح مبكرا.
عرض وطلب
تنتج محافظة الوادى الجديد سنويا نحو 65 ألف طن بلح سنويا من البلح الصعيدى النصف جاف والذى يحتمل التخزين لفترة تصل إلى عامين، وفى الأعوام السابقة اعتمد المزارعون على تحديد سعر البلح فى ظل وجود مصنع حكومى وحيد ومصانع أخرى تتبع الجمعية الزراعية التعاونية المركزية، ليتم تحديد حد أدنى لسعر الكيلو وتركه يرتفع وينخفض حسب نظرية العرض والطلب، لكن فى الأعوام الأخيرة ترك سعر البلح للعرض والطلب فى السوق دون حد أدنى، بجانب إنشاء أكثر من 50 مصنعا ووحدة لتصنيع التمور التابعة لشركات وأفراد قطاع خاص، الأمر الذى أدى إلى عدم الاعتماد على القطاع الحكومى فقط، بعدما اعتراض عدد كبير من المزارعين على أسعار البلح التى اعتبروها منخفضة جدا فى مقابل ارتفاع تكاليف الزراعة.
يقول إسلام أبوالحسن، منسق رابطة الوادى الجديد للتنمية: إن سعر البلح هذا العام غير عادل فى ظل ارتفاع أسعار الكهرباء وكل الخدمات الزراعية، وأسعار تقنين الأراضى وكذلك إيجارات الأراضى وتكاليف تجهيز الأرض، ومع ذلك فرضت المحافظة منذ سنوات رسوم تصاريح على خروج البلح للمحافظات الأخرى ووصلت هذا العام إلى 600 جنيه على الطن الواحد، الأمر الذى كبل التجار وحجم عدد كبير عن شراء محصول البلح فى ظل ارتفاع الإنتاجيات وعدم قدرة مجمع التمور الحكومى أو مصانع الجمعية الزراعية على شراء جميع الكميات.
من جانبه، قال أحمد المملوك، أحد أصحاب المصانع الخاصة بالمحافظة: إن السعر المتوازن سيحقق عوائد للمزارع والتاجر، فلا يوجد مؤامرة على الفلاح، والبلح مقارنة بأسعار الفاكهة الأخرى متوازن ويرتفع تدريجيا كل عام حسب العرض والطلب بالسوق، مشيرا إلى أن القطاع الخاص له دور كبير فى تسويق البلح وعرض منتجات التمور بالمحافظة من أجل تعظيم قيمة التمور بالوادى الجديد.
«الدميرة جت»
يرجع مصطفى معاذ، الباحث فى تاريخ الواحات، سبب تسمية البلح بالصعيدى إلى أنه فى السنوات القديمة كان تجار الصعيد يقدمون لشراء محصول البلح من المزارعين من ضواحى أسيوط وسوهاج، وبالأخص أبناء منطقة الكوامل بسوهاج، بعدها بدأ تجار المحافظات الشمالية فى التوافد عليهم حتى عهدنا الحالى، فأطلق الأهالى مسمى البلح الصعيدى.
وبحسب معاذ، فإن فترة جنى البلح تسمى فى الواحات بـ«الدميرة» وهو موسم الخير وتحقيق العوائد الاقتصادية المجدية، ويرجع سبب تسمية الموسم بالدميرة إلى فيضان النيل السنوى فى الصعيد؛ حيث كان يسمى ببحر الدميرة، وفى تلك الفترة كان يحضر تجار الصعيد ويحملون المنتجات التى تزرع بوادى النيل مثل الفول والعدس والشطة وغيرها من التوابل لعرضها وبيعها فى موسم البلح أو الدميرة، وبمجرد رؤية الأهالى للتجار يرددون «الدميرة جت، الدميرة جت».
وارتبطت الدميرة فى ثقافة أهالى الواحات ببشائر الخير، فيتزوج الشباب وتجهز العرائس ويرتبط أيضا ببناء المنازل وشراء الملابس وسداد الديون وإخراج الزكاة وتخصيص كميات من البلح للنذور، فالفرحة فى موسم جنى البلح تصبح فرحتين على حد قوله، بجانب توزيع البلح بالإضافة إلى كميات من الليمون والجوافة كهدايا للأسر التى لا تمتلك نخيلا فى أوان مصنوعة من الخوص.
تراث الواحات
يشكل البلح جزءا أساسيا من ثقافة أهالى واحات الوادى الجديد؛ حيث يحفظ الأهالى أغان فلكورية مختلفة للبلح، علاوة على الرقصات والتابلوهات الاستعراضية المرتبطة بالنخيل، لتصبح جزءا أساسيا فى الأفراح والمناسبات السعيدة، وتابلوهات الفرقة القومية للفنون الشعبية بالوادى الجديد التابعة لهيئة قصور الثقافة.
يقول محمد عبدالله البيرسى، مدير فرقة الفنون الشعبية بقصر ثقافة الخارجة: إن النخلة هى رمز الخير وتشكل جزءا مهما ومميزا للفلكولور الواحاتى، لذا يزخر التراث الواحاتى بأغان عديدة للبلح، فكانوا يرددون «عرجون البلح مندلى، نازل فى الواطى ويعلى»، «تحت النخلة الطويلة واستنى يا على، تحت النخلة الطويلة وابرك جملى»، «يا مين على صدره نقش البلح الأخضر»، «نخل عالى يا نخل عالى ياللى بلحك عقد فى صدرك يلاللى»، «وبلحنا ملاح ملاح تمر وقعقاع».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved