قضية النصف تريليون جنيه (حلقة 2) كيف استطاعت العصابة سرقة ملايين الأمتار من أملاك الدولة.. على الورق؟

آخر تحديث: الإثنين 21 سبتمبر 2020 - 7:39 م بتوقيت القاهرة

مصطفى المنشاوي

ست خطوات للخطة الشيطانية.. من غرفة حفظ القضايا إلى الشهر العقاري
نزعوا محاضر الجلسات وتلاعبوا بالإعلانات عبر محضرين مرتشين ورفعوا استئنافات لجعل الأحكام نهائية
محام بشركة 6 أكتوبر أبلغ عن طرف الخيط.. والمتهمون رفعوا دعوى في القضاء الإداري استنادا لحكم "مفبرك"

كشفت تحقيقات نيابة الأموال العامة برئاسة المستشار طارق الحتيتي، الخيط الأول في أكبر قضية استيلاء على أموال الدولة بما يقرب من نصف تريليون جنيه، والتي بدأت أحداثها عام 2009 حتى تم اكتشافها عام 2020 من قبل هيئة الرقابة الإدارية، وتنظرها حاليا محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار مجدي عبد الباري وعضوية المستشارين مصطفى البدويني ومحمد عبد الحكيم رضوان، وأمانة سر رجب شعبان.

طالع هنا الحلقة الأولى من التحقيقات

البداية كانت عندما تلقت شركة 6 أكتوبر الزراعية، إحدى الشركات المساهمة المصرية التي تعمل في مجال استصلاح الأراضي، مطالبه قضائية بتاريخ 15 مايو 2013 مستحقة لمحكمة البدرشين غير مدون بها سببها، وعليه قامت الشركة بتكليف شاهد الإثبات "هشام ن." مدير عام الشئون القانونية بالذهاب إلى المحكمة لمعرفة السبب.

كانت المفاجأة عندما وجد حكما قضائيا يفيد بأن الشركة اقامت دعوى اختصمت فيها رئيس الوزراء وحضر محام عنها وهو المحامي المتهم "محمد خ." بتوكيل مزور، وقدم به إقرارا بالصلح في تلك الدعوى المصطنعة مع أطرافها، بالتنازل عن عدد هائل من قطع أراضي.

فحصلت الشركة على صورة ضوئية من القضية "المضروبة" وتقدم مدير الشئون القانونية بها ببلاغ للنيابة العامة أثبت خلالها أن أورق الدعاوي مزورة وأن توكيلات التي حضر بها محامين عن الشركة تم تزويرها وأنهم ليس لهم علاقة بالعمل في الشركة من قريب أو بعيد.

كما تم الكشف عن عقدي بيع مؤرخين في 29 ديسمبر 2001، و12 فبراير 2007، أثبت فيهما على خلاف الحقيقة قيام رئيس مجلس إدارة الشركة ببيع قطع أرض إلى المتهمين من بينهم 3 قطع لا تمتلكها الشركة من الأساس، ومضى على تزويرها أكثر من 10 سنوات.

خيط آخر اكتشفته الرقابة الإدارية والنيابة العامة مع الهيئة العامة للسياحة، عندما تم تخصيص قعطة أرض إلى شركة مصر ميديكا للقرى السياحية (المملوكة لأربعة من المتهمين) بتاريخ 19 أغسطس 2007، بمساحة 126 ألف متر مربع بمرسى علم في محافظة البحر الأحمر بقيمة 63 مليون جنيه تقريبا، وعندما ألغى ذلك التخصيص لعدم التزام الشركة بشروط التخصيص، أقام المتهمون دعوى أمام القضاء الإداري لإلغاء قرار الهيئة بإنهاء التخصيص استنادا إلى حكم مزور من محكمة البدرشين بالتصالح على الأرض مع رئيس مجلس الوزراء الذي قضى بملكيت الشركة للأرض وله حق التصرف فيها دون الاعتراض.

وأوضح الشاهد الثالث في القضية "حامد. ح" مدير عام محكمة 6 أكتوبر الإبتدائية، كيفية ارتكاب المتهمين للواقعة بالشكل الذي جعل الأحكام المزورة تبدو صحيحة لتلزم أجهزة الدولة بتسليم الأراضي للمتهمين بالشكل المتعارف عليه قانونا.

الخطوة الأولى في الخطة الشيطانية هي رفع المتهمين دعاوى ومطالبات قضائية ضد بعضهم البعض، حيث يتقدم الطالب سواء بشخصه أو بوكيل عنه بصحيفة الدعوى وصور منها بقدر ضعف عدد الخصوم وحافظة المستندات المؤيدة لدعواه إلى كاتب أول المحكمة لمراجعة حافظة المستندات وتحديد الرسم الواجب في ضوء الطلبات المبينة بها والذي يدون بخط يده على أول أو آخر ورقة من أصل الصحيفة، ومن ثم يعيد تلك الأوراق إلى الطالب الذي يقوم بالتوجه إلى جلسة تداول الدعوى، ويحتفظ موظف الجدول بصورة عريضة الدعوى والتي يوقع عليها الطالب بما يفيد استلامه لأصل العريضة وصورة الإعلان وأصل حافظة المستندات ويضعها داخل ملف يدون به رقم الدعوى وبيانات الخصوم ومحتويات الملف وتاريخ أول جلسة ويسلمها لأمين السر المختص بالدائرة المحدد لها نظر الدعوى.

ووفقا لذلك؛ أقام المتهمون في القضية لتنفيذ مخططهم 8 دعاوى قضائية، أولاها برقم 35 لسنة 2009 مدنی جزئی البدرشين مقامة من المتهم "عمار إ. ل." بواسطة وكيله المحامي "أشرف ع" ضد آخرين.

الخطوة الثانية في الخطة هي إضافة رئيس الوزراء كخصم في الدعوى بعد صدور الحكم بها، بالاتفاق مع أمين الحفظ المتهم الأول "رضوان" بصفة رئيس الحكومة رئيسا لكافة الوزارات والهيئات والمحافظين.

وتبين من مراجعة الأوراق بعد اكتشافها في التحقيقات إضافة صفة رئيس الوزراء في حين خلت الصورة الكربونية من قوائم تقدير الرسوم المودعة بملف الدعوى مما يفيد اختصامه، في الوقت الذي اشتمل فيه ملف المطالبة القضائية لتلك الدعوى على صورة ضوئية من العريضة في عدد ثلاث ورقات وغير مختصم فيها رئيس الوزراء وذلك على خلاف أصل العريضة الموجود بملف الدعوى مما يدل على أن بيان اختصام رئيس الوزراء قد أضيف بعريضة الدعوى ودفتر جدول المدني بعد تاريخ صدور الحكم وتقديم الرسوم عليه وتسلم ملف الدعوى المدنية قلم الحفظ المدني.

وتوالى إقامة المتهمين للدعاوى بين عامي 2009 و2010، وعادت التحقيقات إلى أوراق ومحاضر الجلسات التي أثبتت التأجيلات والقرارات انتهاء بصدور الأحكام، فتبين أن المتهمين نزعوا بعض المحاضر من ملفات القضايا رغم الإشارة لها في محاضر أخرى.

وهنا تأتي الخطوة الثالثة وهي التلاعب بمناطيق الأحكام، والزعم على غير الحقيقة بحضور المستشار "محمد ع." نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، كممثل لرئيس الوزراء والتوقيع على محاضر صلح يتم بموجبها تسليم الأراضي للمتهمين، الأمر الذي نفاه المستشار جملة وتفصيلا لأنه لم يعمل بالقاهرة أو الجيزة، وتبين إقحامه على ملفات القضايا.

والخطوة الرابعة هي رفع بعض المتهمين ضد بعضهم استئنافات، للطعن على الأحكام الصادرة لبعضهم الآخر، وذلك تمهيدا لجعل تلك الأحكام نهائية باتة واجبة النفاذ، ومنها

الاستئنافات أرقام 300 لسنة 2010، و797 لسنة 2013 مدني كلي الجيزة، و1425 لسنة 2014 شمال القاهرة، وتبين من التحقيقات أن بجميع الدعاوى إضافات واضحة بالعين المجردة لاختصام رئيس الوزراء ورئيس مصلحة الشهر العقاري بتاريخ لاحق على قيد الدعاوى، في حين خلت الصورة الكربونية من قوائم تقديم الرسوم المودوعة بالملف الدعوى مما يفيد اختصامهما.

وأوضح مدير المحكمة الذي أشرف على جرد الملفات المزورة وجود اختلاف بين صور عرائض الدعاوى الموجودة بملفات المطالبات القضائية، وبين أصل العرائض، وأنه اكتشف أيضا وجود دعوى برقم 614 لسنة 2009 مدنی جزئی البدرشين مقامة من "أحمد ا." متوفی، ضد اثنين من المتهمين، وأضيف لهما رئيس مصلحة الشهر العقارى كمدعى عليه ثالث، رغم خلو أصل العريضة من اختصامه.

وتكررت الطريقة نفسها في عدد أكبر من الدعاوى، أضيف في أحدها اسم هيئة الأوقاف المصرية كمدعى عليها، للاستيلاء على أرض مملوكة لها، لكن القدر لم يمهل المتهمين لاستئناف ذلك الحكم وجعله نهائيا.

وبشأن طريقة صدور تلك الأحكام جميعا بإلحاق محاضر الصلح بمحاضر الجلسات، قال شاهد الإثبات الثاني "نادر ع." أمين سر بمحكمة مأمورية الصف، بأن القاضي الذي فصل في تلك الدعاوى كان يقضي بإلحاق محضر الصلح بمحضر الجلسة وجعله في قوة السند التنفيذي، وأن ملفات الدعاوى يوجد بكل منها محضر جلسة يحمل نفس التاريخ لم يحرر منه سوى الورقة الأخيرة، بينما باقي أوراق المحضر مصطنعة منسوب صدورها إليه وللقاضي على خلاف الحقيقة، مؤكدا أن النهج التي كانت تتبعه دائرة المحكمة التي يعمل بها مع القاضي في ذلك الوقت هو القضاء بالصلح في دعاوى الفرز والتجنيب حين يقدم الخصوم ما يفيد بحصوله، وذلك دون الإحالة إلى خبير لبحث الملكية، وهو ما لم تتبعه باقي الدوائر التي كانت تستلزم الإحالة للخبير وينتهي الحال بالقضاء برفض الدعوى.

وبالعودة للجريمة، تأتي الخطوة الخامسة باتفاق المتهمين مع المحضرين بالمحكمة لإعلان الأشخاص والجهات والشركات مالكة الأراضي بالأحكام المزورة، وذلك دون الانتقال لمقار تلك الشركات أو الجهات، والاكتفاء بإعلان محامين (شركاء للمتهمين) باعتبارهم وكلاء لتلك الجهات، على غير الواقع، وتروير توقيعات الجهات والأشخاص على الإعلانات القضائية، وهو ما أكده مسئولون بهيئة الأوقاف وهيئة المجتمعات العمرانية، استمعت النيابة إلى شهادتهم.

أما الخطوة السادسة والأخيرة التي تمكن المتهمون من إتمامها فهي مهر جميع الأحكام التي زوروها لصالحهم بخاتم الجمهورية، وجعلها محتواها صالحا للشهر في مقار الشهر العقاري على مستوى الجمهورية، تمهيدا لنقل مساحات الأرض التي خططوا للاستيلاء عليها إلى حوزتهم.
فاستطاعوا التعرف إلى المتهم الثالث عشر "حسن ع. ن." رئيس مكتب الشهر العقاري بالمنزلة بالدقهلية، والذي طلب مقابل ذلك منفعة بتعيين نجليه في شركة بترول وتعهد له المتهم "عمار" بتلبية ذلك، مقابل مهر صور الأحكام الثمانية بخاتم الجمهورية للمأمورية بما يفيد اعتماد مشروع تسجيل الأحكام وصلاحيتها للشهر، وبصحة إجراءات بحث ملكية الأراضي المذكورة فيها، إيهاما للغير بصحة الإجراءات، فضلا عن تزويره توكيلات مصطنعة لمحامين من المتهمين باعتبارهم وكلاء لجهات رسمية وشركات لا تعرف عنهم شيئا.

غدا في الحلقة الثالثة:
كيف اختارت العصابة الأراضي التي حاولت الاستيلاء عليها؟ وكيف قيمتها جهات التحقيق؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved