وزير الخارجية السابق نبيل فهمي يكتب: قراءة في الانتخابات الأمريكية (2)

آخر تحديث: الإثنين 21 سبتمبر 2020 - 11:04 م بتوقيت القاهرة

نقلا عن إندبندنت عربية
كتبت منذ فترة فى هذا المكان أن السباق الرئاسى الأمريكى لانتخابات نوفمبر 2020 هو استفتاء على ترامب، وليس منافسة تقليدية بين مرشحين كما اعتدنا، يتم فيه تقليديا التركيز على مرشح من الحزب الجمهورى وآخر من الحزب الديمقراطى، دون إعطاء أهمية كبيرة للمرشحين الآخرين، مثل حزب الخضر أو المستقلين أو غيرهم، لصعوبة المنافسة الجادة على هذا المنصب بكل ما يتطلب من إمكانيات وترتيبات.
وما زلت عند هذه القناعة ونحن نقترب من الشهر الأخير قبل انعقاد الانتخابات، وأتمسك بهذا الرأى حتى مع قرب المناظرات الرئيسية الثلاثة بين المرشحين، والتى ستسلط الأضواء بعض الشىء على المرشح الديمقراطى جو بايدن، ومما سيجعل البعض يفترض أن الساحة الانتخابية الأمريكية عادت إلى شكلها المعتاد، كسباق بين سياسات ومقترحات الرئيس الحالى الجمهورى ومنافسه الديمقراطى مع اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية والسياسية يسارا وجنوبا.
وقد يبدو الأمر كذلك، غير أننى ما زلت عند رأيى زن ما نشهده جديدا على الساحة الأمريكية، وأقرب إلى استفتاء على ترامب عن أنه انتخابات بين منافسين، وذلك لعدة اعتبارات أهمها:
· ‏أولا: أن مؤيدى ترامب ليسوا بالضرورة من مؤيدى الحزب الجمهورى ومواقفه التقليدية، ولكنهم يمثلون ويشكلون نسبة غير قليلة وثابتة من معارضى المنظومة السياسية التقليدية الاأريكية بمختلف الاتجاهات، ولن يحيدوا عنه كثيرا مهما فعل، لأن تصرفات ترامب غير التقليدية لا تثير أو تنفر هؤلاء، ولا مجال أن تتحول نسبة كبيرة منهم لتأييد المرشح الديمقراطى.
· ثانيا: أن معارضى ترامب بممارساته وتوجهاته الحادة، يشكلون نسبة شبه ثابتة تقريبا أيضا وتقترب من نسبة الفئة الأولى، وتصويتها لصالح بايدن هو تعبير عن رفض ترامب أكثر ما يكون لصالح الحزب الديمقراطى، الذى فقد رسالته السياسية ويطرح نفسه كبديل لترامب فضلا عن أنه يقدم مرشحا تقليديا للغاية.
· ‏ثالثا: أن هناك استقطابا شديدا فى الساحة الانتخابية الأمريكية، وكلتا المجموعتين عاقدة العزم على التمسك بمواقفها دون الاطلاع بموضوعية على ما سيدور فى المناظرات وستعمل على استغلالها للترويج لمزيد من الاستقطاب مع أو ضد ترامب.
· رابعا: هناك حيرة لدى الناخبين على جانبى الوسط، بين أولئك الذين يصوتون عادة ضد المرشح الجمهورى ترامب وأولئك القلقين من ضعف المرشح الديمقراطى وقلة إرادته.
· خامسا: جميع المؤشرات وإحصائيات الرأى العام ترجح النتيجة لصالح المرشح الديمقراطى، لرفضهم شخصية ترامب، ومن الملفت من متابعة السوابق التاريخية عدم نجاح مرشح بالفوز فى الانتخابات بعد تأخره بنسبة تصل إلى 9% فى هذه المرحلة المتأخرة من السباق، عدا الرئيس هارى ترومان الذى تغلب على تقدم المرشح ديوى فى منتصف القرن السابق.
· سادسا: بعد المقدمات التمهيدية فى بداية المناظرات القادمة، والتى يسرد فيها كل مرشح إنجازاته وتطلعاته، ينتقلون بسرعة إلى شخصنة النقاش والتركيز على نقاط الضعف فى الشخصية والقدرات والحكمة لدى المرشح الآخر.
· سابعا: يعلم ترامب أنه لن يجذب ناخبين جدد من خلال نقاش سياسى أو مقترحات ملموسة، خاصة وأغلب مؤيديه غاضبين من المنظومة السياسية ورموزها، لذا يفضل شخصنة النقاش والتركيز على أنه صاحب قرار وعزيمة، وأن منافسه ضعيف الشخصية ونمطى، وفى المقابل سيركز بايدن على التناقضات والحدة فى سلوك ترامب، وعدم تعامله بصدق وشفافية مع الناخب الأمريكى، والاعتماد فى ذلك على ما نشر فى كتب لمقربين من ترامب أو من عائلته، وأخيرا على كتب بوب وودورد، أو ما قد يستجد وينشر خلال شهر أكتوبر، وكل ذلك للتأكيد على أن ترامب لا يصلح لقيادة البلاد، وبمعنى آخر فى كلتا الحالتين يكن المعيار المطروح هو أن تكون مدى صلاحية المرشح لتولى منصب الرئيس، وليس السياسات المحتمل أن يطرحه.
· ‏ثامنا: كل من المرشحين يراهنان على عامل الخوف لدى الناخب، وإنما الجديد هذه المرة أن الخوف يرتبط بالأمور الداخلية الأمريكية وليس الشئون الخارجية، رغم ما يثار بين الحين والآخر عن النفوذ ‏الصينى أو الروسى، الخوف من الانكماش الاقتصادى بالنسبة للأغنياء والتهميش الاقتصادى من الطبقات الأقل ثراء، ‏الخوف من الاستقطاب الأمنى والمجتمعى لدى الوسط واليسار السياسى الأمريكى، والخوف العنصرى من قبل البعض فى ضواحى المدن الأمريكية الكبرى، وكلها عوامل تجذب أصواتا لصالح ترامب أو تساعد على تشكيلها ضده، دون أن يكون للمرشح الديمقراطى دور رئيسى فى تشكيل توجهاته.
· تاسعا: بصرف النظر عن ‏رفض ‏نسبة غير قليلة من النخبة لتصرفات ترامب غير التقليدية، هناك العديد من الأشخاص الذين يشعرون بالتهميش فى النظام السياسى والاقتصادى الأمريكى، وقد دعموا ترامب فى الماضى، ممثلا للتغيير فى الحزب الجمهورى، وهم أيضا الدعم الرئيسى للتيار اليسارى مثل برنى ساندرز فى المنافسات ‏الرئاسية الديمقراطية قبل الاستقرار على مرشح وسطى، والسؤال هنا هل ينجح الحزب الديمقراطى فى توظيف رفض التيار اليسارى لديهم وأغلبه من الشباب للتصويت فى الانتخابات لصالح بيدن رغم عدم تحمسهم له وإنما يعتبر ترامب بديلا أسوأ لهم.
· و أخيرا: اعتاد الناخب الأمريكى على التصرفات غير التقليدية للرئيس الأمريكى واعتاد منه الكثير من التجاوزات والمبالغات، لذا لن يحاسبه كثيرا إذا استمر على هذا النهج خلال المناظرات القادمة، وأصبح محصنا بعض الشىء من تداعيات أى أخطاء فى المناظرات، بينما يقدم بايدن نفسه كبديل نقى وحكيم للرئيس الأمريكى، ومن ثم سيحاسب بدرجة أكبر على أى كبوات فى المناظرات، كبوات غير مستبعدة تحت ضغط المواقف ومناظر شرس، مطلق اليد فيما يقوله ومحصن باعتياد الناخب الأمريكى على تصرفاته غير المعتادة، ولبايدن سجل طويل من التصريحات غير الملائمة سياسيا، خاصة عندما يسترسل فى الحديث، ويطول فى الشرح من موقف الدفاع عن النفس، وهو ما شهدته شخصيا وكثيرا خلال خدمتى كسفير لمصر فى الولايات المتحدة لمدة تسع سنوات.
لكل هذه الاعتبارات لعلنا نتابع الأحداث، وننتظر نتيجة الاستفتاء على الرئيس الأمريكى القادم، نتيجة ستحسم بين مؤيدى ترامب ومعارضيه، وتوضح من منهم أكثر قوة على الساحة الأمريكية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved