«الرعب البيئي».. اتجاه روائي تحتاجه الأرض في مواجهة تغير المناخ وسط نفور المؤلفين

آخر تحديث: الإثنين 21 أكتوبر 2019 - 12:58 م بتوقيت القاهرة

أ ش أ

في عالم تتهاوى فيه الطبيعة من حول البشر وتتوالى فيه الأعاصير والجفاف والحرائق وموجات الحرارة والفيضانات الغريبة المرعبة وغير المتوقعة، لم تلق ظاهرة تغير المناخ بعد بظلها على الأدب بنفس قدر حجم تأثيرها في كوكب الأرض.

وسلطت الكاتبة البريطانية ناعومي بوث الضوء، في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، على عجز المحتوى الروائي حول ظاهرة تغير المناخ وتداعياتها البيئية التي تسيطر على أذهان الملايين من الناس في الوقت الحالي، وتؤثر في عملية اتخاذ القرار والاجتماعات الدولية وتهيمن على العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام.

واسترجعت بوث تساؤلا للروائي الهندي أميتاف غوش: "هل من الممكن أن يكون تيار تغير المناخ عاصف لدرجة أنه لا يمكن نقله عبر السرد الاعتيادي للقصص؟"، مستشهدا بقلة من الروايات الرائدة عن ظاهرة تغير المناخ، ليبرز ما يراه إخفاقا عاما في الخيال الأدبي.

وتظل فكرة العالم الذي يعاني من كارثة إحدى الأسس الجوهرية في روايات الرعب، وهو أسلوب تم التقليل من قيمته على مر العصور على يد المتحكمين في الثقافة العليا لوصفهم إياه بالغريب وغير الجدي، فالرعب دائما ما عمل على تعزيز الخوف ومواجهة الراحة الزائفة والقناعة ولطف التعبير، وفي المقابل لا يعمل على قمع أو تعقيم ما يزعج الناس.

وبشكل حتمي انبثق عن الرعب أسلوبا فرعيا يُدعى "الرعب البيئي" والذي أعاد صياغة الرعب بهدف تصوير الأضرار التي تكبدها العالم على يد البشر، وكذلك الطرق التي يمكن من خلالها أن يضر العالم البشر أو حتى يدمرهم بالكامل، حيث يرسم المؤلفون "الطبيعة" في هذا الأسلوب على أنها مُهددة ومصدر تهديد في الوقت نفسه.

ويلعب أسلوب الرعب على تحويل المظاهر الجميلة إلى أدوات فتاكة، لكن الرعب البيئي يضيف تطورا مرعبا آخر وهو أن البشر باتوا متورطين في التدهور البيئي الذي صنعوه وأصبح خطرا وشيكا على الكوكب بأكمله.

وفي عالم يشهد سقوطا حرا من ناحية المناخ يتجلى في تنامي حجم وكثافة وقوع الظواهر الطبيعية المرعبة وغير المتوقعة، ليس من السهل على الروائيين استيعاب ومواجهة تلك الكارثة الأرضية في عالم متعمد الركاكة من الخيال النثري المبتذل.

وأشارت بوث إلى العديد من الأعمال الرائدة الحديثة تحت أسلوب "الرعب البيئي" بداية مما رأته أفضل عمل حتى الآن في ثلاثية "ساوثرن ريتش" للروائي الأمريكي جيف فاندرمير عام 2014، والتي تحول أولى أجزائها "الإبادة" إلى فيلم سينمائي عام 2018 يحمل الاسم ذاته، حتى المسلسل التلفزيوني "تشيرنوبل"، الذي يستند جزئيا على شهادات جمعتها الصحفية البيلاروسية صاحبة جائزة نوبل سفيتلانا ألكسيفيتش.

ودفعت أسباب عدة الروائيين للعزوف عن الانخراط في كتابات "الرعب البيئي"، بجانب النظرة الدونية التي يواجهها أسلوب الرعب بشكل عام بين المثقفين، على رأسها قلقهم من تلقي الجماهير لأعمالهم في هذا الأسلوب على أنها "ترفيه أو تسلية" للقلة غير المتضررة من التاثيرات البيئية لتغير المناخ.

ونوهت بوث بأن جماليات وأخلاق أسلوب الرعب البيئي معقدة حيث يواجه أحيانا صعوبة في الاستقرار على الأولويات البيئية، وعلى سبيل المثال واجه مسلسل "تشيرنوبل" انتقادات بأن العمل التلفزيوني "يفتري" على الطاقة النووية التي تعد أكثر أمانا من الوقود الحفري، رغم أن خروج تلك الطاقة عن السيطرة قد يسبب كارثة بيئية مثلما حدث في الأحداث الحقيقية لتشيرنوبل.

ورجحت بوث أيضا أن يكون سبب تجنب الروائيين لهذا الأسلوب هو الضغط والوطأة الهائلة التي تسقط عليه وينقلها بدوره إلى القراء، فعندما يكون الرعب البيئي في أكثر صياغاته تأثيرا سيجبر البشر على عدم تجاهل الكارثة حيث يقلل المسافة بين القارئ ومن يعاني من الأزمة البيئية.

وعند تعلق القارئ به سيجعله يشعر بالواقع المرير للكارثة المناخية والذي لا يمكن الهروب منه، ويجعل البعض يدرك أنهم يؤذون أطفالهم بأيديهم بعد أن أصبحوا محاصرين في عالم مُتداع ساعدوا في تسميمه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved