#كيف_أضحت! (10).. أبيدوس.. المدينة المقدسة وقبلة الحجاج في مصر القديمة

آخر تحديث: الخميس 22 أبريل 2021 - 12:57 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

بين الكتب والروايات إلى الأفلام، ترددت مدن وأماكن تاريخية عديدة على مسامعنا وأعيننا، حتى علقت بأذهاننا ونُسجت بخيالنا، بعدما جسدها الكتاب والمؤلفون في أعمالهم، لكننا أصبحنا لا نعلم عنها شيئا، في الوقت الحالي، حتى كثرت التساؤلات عن أحوال هذه المدن التاريخية الشهيرة، كيف أضحت وأين باتت تقع؟

بعض هذه المدن تبدلت أحوالها وأضحت أخرى مختلفة، بزمانها ومكانها وساكنيها، فمنها التي تحولت لمدينة جديدة بمواصفات وملامح غير التي رُسمت في أذهاننا، لتجعل البعض منا يتفاجأ بهيئتها وشكلها الحالي، ومنها التي أصبح لا أثر ولا وجود لها على الخريطة، ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأنها كانت مجرد أماكن أسطورية أو نسج خيال.

لكن، ما اتفقت عليه تلك المدن البارزة أن لكل منها قصة وراءها، ترصدها لكم "الشروق"، في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، من خلال الحلقات اليومية لسلسة "كيف أضحت!"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء المدن والأماكن الشهيرة التي علقت بأذهاننا وتخبركم كيف أضحت تلك المدن حاليا.
….

كثيرا ما سمعنا عن مدينة أبيدوس التاريخية، الواقعة في صعيد مصر، مع تردد اسمها وتعدد الاكتشافات الأثرية فيها، التي تعلن عنها بعثات التنقيب الأجنبية ووزارة السياحة والآثار المصرية، فتلك المدينة مازالت تشتهر بكثرة معالمها الأثرية والوفود السياحية التي تفد إلى منطقتها سواء داخلية أو خارجية، حيث تعد المدينة التاريخية من أهم المناطق السياحية المصرية، نظرا لما كانت تمثله من أهمية كبرى لدى القدماء المصريين، بالإضافة إلى ما تتميز به من قداسة وتاريخ حافل على مر العصور.

كانت مدينة أبيدوس الأثرية قديما عاصمة لأول دولة مصرية موحدة، بل وعرفت كقبلة الحجاج المصريين في مصر القديمة، التي تجرى فيها الطقوس الجنائزية للملوك وتجديدا في معبد سيتي، وفيها بُنيت أول مقبرة ملكية في التاريخ الفرعوني القديم، كما أنها كانت أول منطقة شهدت بناء مراكب الشمس، وما زالت تضم آثار كثيرة يعود بعضها لعصور ما قبل الأسرات.

والزائر لمحافظة سوهاج يمكنه مشاهدة قصة تأسيس أول دولة في التاريخ، كانت عاصمتها أبيدوس، بمتحف المحافظة.

بين حج الفراعنة وتقديس الإغريق

كانت العاصمة المصرية أبيدوس، التي تقع على الضفة الغربية لنهر النيل جنوب محافظة سوهاج، وعلى مسافة اثني عشر كيلومترا جنوب شرق مدينة البلينا، قبلة الحج لكل المصريين عندما كانت مصر إمبراطورية، تمتد من بلاد الرافدين حتى جبال الجزائر وانتهاء بمنابع النيل في وسط أفريقيا، وهو ما ورد ذكره في كتاب "وصف مصر" الجزء الثالث والعشرين المترجم باللغة العربية.

ولكن مع مرور العصور تغير اسم المدينة الفرعونية، فكانت تُعرف حتى وقت قريب بقرية العرابة المدفونة، نسبة لآثارها المدفونة تحت الرمال، حتى تم تغيير اسمها إلى الاسم الحقيقي لها، الذي عرفت به لعصور طويلة، بعدما أطلقه عليها اليونانيين، لتصبح قرية "أبيدوس"، التي باتت تعد من القرى الأشهر والأعرق في سوهاج.

ويرجع تاريخ مدينة أبيدوس إلى 5 آلاف عام مضت، حينما كانت المركز الرئيسي لعبادة الإله أوزوريس، والتي يحج إليها قدماء المصريين ليبكوا الإله حارس الحياة الأبدية، لتظل مدينة مقدسة على مدار العصور المختلفة حتى أطلق عليها الإغريق اسم "تنيس"، بعدما كانت تسمى خلال عصور الفراعنة بمدينة "إيبدو".

إيبدو.. أقدم جبانة في التاريخ

وتعد مدينة أبيدوس الفرعونية أقدم جبانة جرى بناؤها في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، وفيها آثار تمتد من عصور ما قبل التاريخ حتى العصور المتأخرة، لذلك تحظى المدينة بأهمية تاريخية وأثرية كبيرة.

واشتهرت مدينة أبيدوس باحتفاظها برفات الملوك والأمراء منذ عصر الأسرة الأولى، وفيها تأسست أول دور للعبادة، منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وبعدها بدأ تنافس الملوك على إقامة الكثير من الأبنية الدينية، وعرف الشعب كله المدينة بأنها تضم قبر "الإله أوزوريس"، الذي احتلت قصته وعبادته مركز الصدارة بين المعبودات الفرعونية.

مدينة المعابد الهامة والآثار

لذلك، أصبحت مدينة أبيدوس تضم أهم المعابد الفرعونية بما فيها معبد سيتي الأول ومعبد رمسيس الثاني، واللذان يتميزان بالنقوش المصرية القديمة البارزة، ومعبد الأوزريون، ومقبرة سنوسرت الثالث، إضافة إلى بعض الآثار المهمة الأخرى، مثل كوم السلطان وأم الجعاب، وفيها اكتشف أقدم القوارب في التاريخ بالمقابر القديمة إلى الغرب من معبد سيتي الأول والد رمسيس الثاني، مؤسس الأسرة التاسعة عشر.

معبد أبيدوس.. مركز العبادة

ويعد ﻣﻌﺒﺪ أﺑﻴﺪﻭﺱ من أجمل المعابد المصرية، التي بناها ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺳﻴتي ﺍﻷﻭﻝ، ﺛﺎني ﻣﻠﻮﻙ ﺍﻷﺳﺮﺓ التاسعة عشر، ووالد الملك رمسيس ﺍﻟﺜﺎني، ﻭﻫﻮ ﻣﻌﺒﺪ ﺟﻨﺎﺋﺰي وضعه الملك داخل سور شامل يضم ﺍﻟﻘﺒﺮ القديم الذي يفترض ﺃﻧﻪ قبر ﺍﻹﻟﻪ "ﺃﻭﺯﻳﺮﻳﺲ".

كان المعبد المركز الرئيسي لعبادة الإله أوزوريس، ويشتهر بكثرة المقابر والمدافن والتي تُنسب إلى ملوك الأسرة الأولى والثانية.

بالأبيض.. طقوس الحج في أبيدوس

قبل آلاف السنوات، نشأت طقوس الحج إلى مدينة أبيدوس، فكان الحجاج المصريين يرتدون ملابس بيضاء، عبارة عن إزار أبيض قصير يلبس حتى الكتف، وكان لها دلالات ورموز نسبة لأن اللون الأبيض كان يدل على التطهر والورع والنقاء، فكلمة "حج" في اللغة المصرية القديمة تعني أبيض أو ناصع، وفقا لدراسة نشرتها كلية الآثار بجامعة جنوب الوادي، عن الحج إلى أبيدوس.

ومن أهم مظاهر عبادة "أوزوريس" في أبيدوس الاحتفال سنويًا بعيد الإله، حيث تقام مسرحية يمثل فيها موت أوزير وآلامه وبعثه، فيما كان يلتزم الحجاج الذاهبين إلى رحلة الحج في المدينة بميعاد ثابت ومحدد، وهو يوم الثامن من الشهر الأول من فصل الفيضان حتى يوم السادس والعشرين من نفس الشهر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved