عاصفة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.. تداعيات مواجهة كندا مع الهند
آخر تحديث: الجمعة 22 سبتمبر 2023 - 2:17 م بتوقيت القاهرة
واشنطن - د ب أ
أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، يوم الاثنين الماضي، أن أجهزة الأمن الكندية حصلت على أدلة موثوق بها تفيد بأن هناك صلة للحكومة الهندية بقضية مقتل هارديب سينج نيجار، وهو مواطن كندي وأحد الدعاة البارزين لانفصال السيخ في الهند.
وكان مهاجمان ملثمان أطلقا النار على نيجار خارج معبد سيخي في مقاطعة كولومبيا البريطانية مطلع هذا العام في هجوم تزعم كندا أن له صلة بـ"عملاء للهند". ووصفت وزارة الخارجية الهندية الاتهامات بأنها "غير معقولة"، وتم بعد ذلك تبادل طرد دبلوماسيين كبار من أوتاوا ونيودلهي.
ويقول خافيير ديلجادو الباحث في معهد كندا والمتخصص في قضايا الأمن القومي في تقرير نشره مركز ويلسون الأمريكي، إن الخلاف ألقى ضوءا مفاجئا على العلاقات بين كندا والهند، والتي كانت قبل حادث نيجار تسير في اتجاه إيجابي. فقد مهدت التطورات الجغرافية السياسية، والعلاقات الاقتصادية، والاتجاهات الديموغرافية خلال السنوات العشر الماضية لعلاقات أكثر قوة بين المستعمرتين البريطانيتين السابقتين. وأدى بروز الهند في استراتيجية كندا الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادىء لعام 2022 والمفاوضات عالية المستوى بين الدولتين للتوصل لاتفاق تجاري متقدم مبكر إلى قدر كبير من الشعور بالتفاؤل لداعمي العلاقات بين الدولتين.
والآن ألقى اتهام الحكومة الهندية بتدبير اغتيال مواطن كندي في كندا بظلال من الشك حول المسار المستقبلي للعلاقات الثنائية.
ويقول ديلجادو إنه من المرجح أن تكون التجارة هي المتضرر الرئيسي الأول بسبب الخلاف، حيث سيتم تعليق المفاوضات الخاصة بالاتفاق التجاري. حيث اعلنت الدولتان وقف المحادثات التجارية بينهما مطلع هذا الشهر. وقد كانت المفاوضات جزءا مهما لاستراتيجية كندا الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادىء، التي اعتبرت الاتفاق التجاري خطوة جوهرية نحو التوصل لاتفاق شراكة اقتصادية شامل أوسع نطاقا يعزز العلاقات التجارية بين الدولتين. وتوقف المباحثات التجارية يفرض ضغطا على العلاقات التجارية الثنائية التي تبلغ قيمتها 17 مليار دولار.
كما أن انخفاض تدفق المهاجرين الهنود، الذي يمثل نحو خمس عدد كل المهاجرين إلى كندا مؤخرا، يمكن أن يكون أمرا أكثر تدميرا من مجرد تدهور في العلاقات التجارية. وفي الحقيقة يرجع النمو السكاني في كندا، الذي يعد الأسرع في مجموعة السبع، أساسا للهجرة: إذ أن أربعة من بين كل خمسة كنديين جدد في الفترة من 2016 لى 2021 كانوا مهاجرين.
وتضاعفت الهجرة الهندية إلى كندا ثلاث مرات منذ 2013، وتفوقت الهند على الفلبين والصين كأكبر مصدر للكنديين الجدد حسب الإحصاء السكاني لعام 2021.
ويقول ديلجادو، إنه بالإضافة إلى تأثر العلاقات الكندية الهندية، قد يؤدي الخلاف بين الدولتين إلى حدوث خلل في الإطار الجديد للمؤسسات والتحالفات الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادىء. فالهند بقوتها الاقتصادية وإمكانياتها الأمنية، حظيت بالإشادة من جانب الولايات المتحدة والحلفاء الديمقراطيين باعتبارها قوة إقليمية موازنة للصين. وضمت واشنطن الهند كعضو مؤسس للإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادىء. كما أن الدولتين عضوتين مؤسستين للحوار الأمني الرباعي ( كواد)، وهو تحالف استراتيجي يضم اليابان وأستراليا أيضا.
ولم يتم دعوة كندا للانضمام لحوار كواد أو للإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادىء، وكذلك لم يتم ضمها إلى جانب الأعضاء في حلف أوكوس الأمني.
وأي توتر في العلاقات مع الهند يمكن أن يعوق قدرة كندا على الانضمام إلى شبكة مؤسسات منطقة المحيطين الهندي والهادىء، لأن الحلفاء الإقليميين سيحرصون على عدم إغضاب حكومة مودي، ولأن الهند نفسها يمكن أن تمنع انضمام كندا إلى عضوية كيانات معينة. ومن الواضح أن كندا على دراية بنفوذ الهند وقوتها في المنطقة. وتتضمن استراتيجية منطقة المحيطين الهندي والهادىء الكندية، التي نشرت عام 2022، قسما كاملا مخصصا للهند جاء فيه:إن أهمية الهند الاسترتيجية وقيادتها – في المنطقة والعالم على السواء- سوف تزداد- فأكبر ديمقراطية في العالم- تصبح أكثر الدول سكانا في العالم وتواصل نمو اقتصادها".
وعلى أي حال، لن تكون كندا وحدها هي الخاسر بسبب هذا الخلاف. فالاتهامات يمكن أن تلحق ضررا بالصورة العامة للهند كدولة ديمقراطية ملتزمة بنظام قائم على أساس القواعد أو الأهم من ذلك، تصورها كحليف موثوق به في المنافسة ضد الصين. ومن الممكن أن تقوم مجموعة "العيون الخمس" الاستخباراتية التي تضم كندا بإعادة تقييم مشاركة المعلومات الاستخباراتية والتعاون في إنفاذ القانون مع الهند إذا كشف المسؤولون الكنديون عن أدلة مؤكدة على تورط الهند في مقتل نيجار.
وتعتبر الخلافات بين الحلفاء أمرا شائعا، وينبغي توقعه في مجموعة الدول ذات الأجندات المختلفة التي يضمها الهيكل الجديد لمنطقة المحيطين الهندي والهادىء. فالحكومات تختلف فيما بينها من حين لآخر بسبب السياسات التجارية، والممارسات البيئية، وغيرها من القضايا التي لا تمثل تهديدا لعلاقاتها الدبلوماسية. ولكن الخلاف بين كندا والهند فريد من نوعه في أن خطورة الاتهامات، والعلاقات الاقتصادية والديموغرافية بين الدولتين، والسياق الجغرافي السياسي الذي تكشف فيه الوضع أثار المخاطر لدى كل الأطراف بما في ذلك الولايات المتحدة.
ومن أجل تجنب أضرار تداعيات الخلاف على التحالفات الناشئة الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادىء، سوف يتعين على واشنطن التعامل مع الوضع بحذر. فبكين هي الأكثر استفادة من الصراع الداخلي بين حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين، لكن بغض النظر عما ستشهده الأسابيع المقبلة من تطورات، ستظل كندا والهند تتمتعان بعلاقات سيئة مع الصين وعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة. وأحد أسباب ذلك هو القيم التي تتشارك فيها الدول الثلاثة. ويتعين على القادة الأمريكيين تذكر ذلك وتذكير أوتاوا ونيودلهي بأنه يتعين تمهيد المسار المستقبلي بتحقيق العدالة والاتزام بالاجراءات القانونية الواجبة: فالانحراف عن تلك القيم من شأنه أن يدفع العلاقات بين الدول الثلاثة إلى وضع مجهول ومتقلب.