في زمن التشتت.. كيف نُعيد امتلاك انتباهنا؟
آخر تحديث: الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 2:29 م بتوقيت القاهرة
سلمى محمد مراد
وسط ضجيج الحياة الرقمية وتعدّد المهام، يظهر كتاب جديد لعالمة السلوك الأميركية زيلانا مونتميني بعنوان "إيجاد التركيز"، ليعيد طرح سؤال جوهري: ما هو أثمن مواردنا اليوم؟ بالنسبة لها، ليس الوقت، بل الانتباه.
وبحسب تقرير مُترجم عن صحيفة الجارديان البريطانية، نشأت الكاتبة، وهي ابنة لعائلة مهاجرة من مولدوفا، على ثقافة الإنجاز والعمل المتواصل. لكنها تعلّمت لاحقًا التخلي عن وهم "التوازن الكامل"، واستبدلته بفكرة مراحل أو فصول الحياة، التي قد يتطلب كل منها تركيزًا أكبر على العائلة، أو العمل، أو النشاط التطوعي.
* من قصة عميل إلى كتاب ملهم
تروي مونتميني حكاية أحد عملائها، الذي كان مشتتًا دومًا بهاتفه، حتى إنه كان يقطع جلسات العلاج معها لتفقُّد شاشته. لكنها تشير إلى أن الرجل، حين رفع نظره أخيرًا عن هاتفه ذات صباح، التقى امرأة بجانبه عند معبر المشاة. وكانت تلك اللحظة بداية قصة حب انتهت بالزواج. تلك القصة تُلخّص جوهر رسالة مونتميني: الحضور يفتح أبواب الحياة الحقيقية.
* التركيز كمرونة عاطفية
تؤكّد مونتميني أن التركيز لا ينبغي أن يُختزل في الإنتاجية أو إنجاز المهام، بل تراه فعلًا من أفعال المرونة العاطفية، يساعدنا على تحديد ما هو مهم، وحمايته في عالم مزدحم بالمحفّزات الرقمية.
وتقول: "نحن في أزمة تشتّت انتباه. لسنا مرهقين بسبب العمل فقط، بل لأننا موجودون في كل مكان... وفي اللامكان، في الوقت نفسه".
* تجربة شخصية قادت إلى الإلهام
جاءت فكرة الكتاب من موقف شخصي. إذ أدركت مونتميني ذات يوم أنها كانت منشغلة بهاتفها أثناء القيادة، ولم تسمع ما كان يقوله ابنها من المقعد الخلفي. عندها أيقنت أنها تقع في الفخّ ذاته الذي تحذر منه.
* من التشتّت إلى الحزن
وما رسّخ أفكارها أكثر، كان حريق باسيفيك باليساديس في لوس أنجلوس، الذي دمّر مجتمعها ومرافقه الأساسية. ورغم أن منزلها بقي قائمًا، فإن خسارة البيئة المحيطة جعلتها تدرك أن التشتّت أحيانًا ليس إلا وسيلة للهروب من الحزن، بينما الراحة الحقيقية تكمن في مواجهة اللحظة كما هي.
* وصفات عملية لاستعادة الحضور
تقدّم الكاتبة استراتيجيات عملية لبناء الانتباه، تتمثل في:
1- تجنّب الهاتف فور الاستيقاظ.
2- استخدام دفتر لتفريغ الأفكار المزدحمة.
3- خلق فترات قصيرة من الصمت، مثل القيادة بلا موسيقى.
4- تخصيص طقوس خالية من الأجهزة (كالعشاء العائلي).
5- قضاء وقت يومي في الطبيعة.
6- تدريب النفس على تحمّل الملل، مثل النظر من النافذة، أو التوقّف للتأمل.
وتقول مونتميني: "التشتّت هروب من الحاضر، أما الراحة فهي عودة إليه. الفرق بينهما هو ما يصنع صفاء الذهن".
وترى أن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، مثل لحظة سلام، أو محادثة غير متوقعة، أو صمت قصير، هو ما يُشكّل جوهر الحياة لذلك، فإن التركيز ليس مجرد وسيلة لإنجاز المزيد، بل هو طريقة لنعيش بوضوح، وفاعلية، ومرونة.