في عيدهما.. كيف عبر الشعراء العرب عن مكانة الأم في الحياة؟

آخر تحديث: الإثنين 23 مارس 2020 - 2:32 م بتوقيت القاهرة

الشيماء أحمد فاروق

21 مارس ليس عيدا للأم فقط بل أيضا عيدا للشعر وفق ما أقره المؤتمر العام لليونسكو، خلال دورته الثلاثين عام 1999، ولأول مرة تم الاحتفال بالشعر، بهدف دعم التنوع اللغوي ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرص أكثر لاستخدامها في التعبير.

وزخر الشعر العربي على مدار تاريخه بالأبيات التي كتبت في الأم سواء حبا فيها أو غزل أو رثاء لفقدها وغيره من الموضوعات التي كانت الأم محورها.

ومن أشهر الأبيات الشعرية الحديثة التي تناولتها الكتب وذكرت في أوراق الطلاب في مصر، كان أبيات الشاعر حافظ ابراهيم والذي قال فيها: "الأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعب طيب الأعراق.. الأمّ روض إن تعهّده الحيا.. بالري أورق أيما إيراق".

أما في رثاء الأم، فكان أبو الطيب المتنبي أحد أبلغ شعراء العرب وأهم من كتب في رحيل الأم واصفاً مشاعر الفراق: "أبكيك لو نقع الغليل بكائي وأقول لو ذهب المقال بدائي.. قد كنت آمل أن أكون لك الفِدا مما ألم فكنت أنت فدائي .. قد كنت آمل أن يكون أمامها يومي وتشفق أن تكون ورائي".

ومن الأبحاث التي تناولت الأم في الشعر العربي، كان المنشور في مجلة "ديالي" المتخصصة في البحوث الإنسانية في العراق، تحت عنوان "صورة الأم في الشعر العربي الحديث".

وذكر البحث أن العرب كانوا دائماً يخاطبون المرأة بالأم في أشعارهم وكلامهم اليومي، دلالة على ما تحمل الكلمة من تقدير ومكانة في لغتهم، وكانوا يكنون نساءهم بـ"أم فلان"، فنجد عمرو بن الأهتم يقول: "ذريني فإن البخل يا أم هيثم.. لصالح أخلاق الرجال سروق".

كما أكد أن شعراء الشعر الحديث خاضوا تجربة شعرية ناجحة في موضوع الأم، فهم استثمروا الطاقات الشعورية والنفسية والفكرية واللغوية، فتحققت لهم التجربة الشعرية والإنسانية، فجاءت الصورة الشعرية للأم مختلفة وبأنماط متباينة في الشكل والمضمون، وسجلت حضورا مستمرا ومؤثرا إنسانيا وأصيلا في الشعربي الحديث.

وتناول البحث الأفكار الشعرية التي تناولت صور الأم، فذكر كل من حافظ إبراهيم و معروف الرصافي وعبدالقادر حسن، وكان اهتمام هؤلاء بالأم بصفتها أول المدارس في الوجود لتعليم الأبناء، أما إيليا أبوة ماضي فقد اهتم بالأم كونها مثال للتضحية والنبل والحنان، فقال: "صورتها في القلب مطبوعة لا شيء حتى الموت يمحوها.. يضيع مالي ويزول الصبا وحبها باق وحبيها...".

وهناك شعر الأمومة والطفولة وتناوله البحث، أنه النصوص الشعرية التي تعرض ما تقوم به الأم في رعاية الأطفال والحنو عليهم وحملهم وإطعامهم والسعر على راحتهم، ومن الأشعار البارزة في ذلك النسق للشاعر على أحمد باكثير وقال فيها: "عيدك يا أمي أبهج اعيادي.. لولاك يا أمي ما كان ميلادي...".

واكد البحث على أن الشعر العربي الحديث تمكن من تغطية صور الأم المتنوعة ودلالاتها، وكان للام الإيجابية الفاضلة النصيب الأكبر منها، وقد استطاع الشعراء أن يتوفقوا في إبراز دور الأم التربوي والتعليمي والوطني والديني والإنساني في بناء الإنسان والمجتمع، في حين لم نعثر على نصوص كثيرة لصورة الأم السلبية.

ومن الدراسات الأخرى التي تناولت الشعر المخصص للأم، دراسة بعنوان "الأم في الشعر السعودي الحديث.. دراسة موضوعية"، وتناول البحث تاريخ الشعر السعودي في هذا الصدد.

وأكد البحث على بعض الجوانب في الشعر السعودي وتناوله للأم، حيث كانت الأم مصدر إلهام للشعراء قديماً وحديثاُ وحظيت بأكثر رصيد من القصائد في ديوان الشعر السعودي سواء في حياتها أو بعد مماتها، كما اهتم بقصائد رثاء الأم، وشكلت الغالبية العظمى بالنسبة للأغراض الأخرى.

كما اتضح من البحث إجلال لفظ الأم لدى الشعراء السعوديين، فقد استخدم اللفظ في مواضع ودلالات متنوعة، فهو إما ان يكون الأرض أو الصحراء أوالوطن أو الإنتماء، وتأثر الشعراء بألوان من الثقافات التي استقوا منها معانيهم ، فظهرت الثقافة الدينية في القرآن الكريم والسنة واضحة في أشعارهم.

ومن أشهر شعراء فلسطين، الشاعر محمود درويش، الذي ارتبط اسمه بشعر الوطن، ويُعد من أهم الشعراء الذين طوروا الشعر العربي الحديث وإداخال الرمزية فيه، وله العديد من الأعمال الشعرية عن الوطن والحبيبة، ومن أجمل القصائد التي كتبها عن الأم قصيدة أحن إلى خبز أمي والتي تقول: "أحن إلى خبز أمي.. وقهوة أمي ولمسة أمي.. وتكبر في الطفولة يوماً على صدر يوم وأعشق عمري.. لأني إذا متّ أخجل من دمع أمي".

ويقول الكاتب المصري وديع فلسطين في مقال له بعنوان "صورة الأم في الشعر"، وهو مقال نشر في مجلة الآداب عام 1958 :"في غمرة الأسى على فقد أمي، نشدت السلوى بين دواوين الشعراء، فتناولت طائفة منها أنقب فيها عن صورة الأم في خواطر الشعراء، فوجدت الشعراء في هذا المقام ثلاثة أنواع، شعراء ليس للأم ذكر في دواوينهم وشعراء لم يتحدثوا عن الأم إلا في مناسبة الرثاء، وشعراء تغنوا بالأم في مواضع شتى... وأكثر الشعر في الأم هو في باب الرثاء وهذه ظاهرة يمكن تعليلها بأن قيمة الأم تتجلى للبنين في أسطح صورها إلا يوم يفقدونها".

ومن الحالات التي رصدها الكاتب في مقاله، حالة الشاعر خليل مطران، والذي قال عنه: "من عجب الشاعر خليل مطران الذي رثى الذاهبين من معاصريه بمطولات من القصائد لم يستطع أن يعبر أساه في فقد أمه إلا ببيتين اثنين، هما في اعتقادنا أوجز ما قيل في باب الرثاء فقال وفدوا يسألونني كيف حالي.. لو دروا ما جواب هذا السؤال.. ما حياتي بعد التي هي منها.. ما كفاحي فيها وما آمالي".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved