على وقع وباء فيروس كورونا.. قصة مواجهة محمد علي لـ«الفناء الكبير» في مصر

آخر تحديث: الإثنين 23 مارس 2020 - 10:17 م بتوقيت القاهرة

إسماعيل الأشول

اعترف بصفته مستبدا مستنيرا بأنه يجب توفير الرعاية الصحية لكل أفراد المجتمع
أنشأ أول نظام صحي قروي تدعمه الحكومة في عالم البحر المتوسط
كان الرصاص يطلق على أرباب الأسر الذين لم يبلغوا عن موت أحدهم
خلال هجوم وباء الطاعون اللعين في القاهرة عام 1695 كان الأصدقاء يزورون المصابين
رغم احتياطات الحجر الصحي دخل الطاعون الموانئ المصرية عام 1835
مع تراجع الوباء في أكتوبر 1837 توفي ما يقرب من مائتي ألف مصري
عمل الدبلوماسيون البريطانيون على منع إقامة مراكز حجر صحي على المراكب عام 1839
في الدلتا عام 1841 تم فرض تدابير ضد الطاعون بشمولية غاية في القسوة.. وكانت القرى تحاط بأكملها بكردون صحي

على وقع وباء فيروس كورونا المستجد الذي ينهش جسد العالم من أقصاه إلى أقصاه، مخلفا وراءه آلاف الجثث، وملايين البيوت محاصرة بالذعر خوف المجهول، يبرز كتاب "الأوبئة والتاريخ.. المرض والقوة والإمبريالية"، لمؤلفه المحاضر في علم التاريخ بجامعة إيلينوي الأمريكية شلدون واتس، ومن ترجمة أستاذ الطفيليات بكلية الطب البيطرى جامعة القاهرة أحمد محمود عبد الجواد، جوانب من مواجهة البشرية للطاعون الذي فتك بالناس ما بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر الميلادي، ليقضي على حياة الملايين، في مأساة جماعية، تقف خلف كل واحدة منها، قصة وحكاية.

ويبين مؤلف الكتاب الصادر عن المركز القومي للترجمة عام 2010، أنه راعى في دراسته للطاعون الدملي في أوروبا الغربية، وفي الإمبراطورية المملوكية وقاعدتها القاهرة، التسلسل الزمني؛ كلاهما ضربه المرض في عام 1347م. اختفى المرض في أوربا في تسعينيات القرن السابع عشر - عشرينيات القرن الثامن عشر، ولكنه ظل في الشرق الأوسط حتى أربعينيات القرن التاسع عشر.

وفي فصل يحمل عنوان "الاستجابة البشرية للطاعون في أوروبا الغربية والشرق الأوسط 1347 - 1844"، يسرد المؤلف القصة قائلا: في صيف عام 1347 اعتلت الفئران والبراغيث المصابة بالطاعون الدملي (الليمفاوي) متن السفن التجارية الجنوبية في "كافا" (ميناء على البحر الأسود)، وفي هذه السنة مرت بعض هذه السفن خلال الدردنيل بتركيا، ثم رست في صقلية، بعد ذلك أبحرت إلى بيزا وجنوا ومرسيليا: بعض السفن الجنوية الأخرى أبحرت مباشرة من "كافا" إلى مصبات نهر النيل في مصر. وخلال بضعة أشهر بدأ وباء من نوع غير معروف للمعاصرين في قتل الرجال والنساء والأطفال على جانبي البحر المتوسط. وبانقضاء عام 1348 بدأ الطاعون في مهاجمة السكان على طول شواطئ المحيطين الأطلنطي والبلطيق. بعد ذلك صعد إلى الأنهار، وعلى طول الممرات وعبر الحقول، حتى وصل إلى الأوربيين الذين يعيشون في عمق الداخل.

مع ندرة المعلومات التي يعتمد عليها، قد يبدو أنه خلال السنوات الخمس (1347 - 1351) انتشر الموت الأسود، وتراوحت نسبة الوفاة بين ثمن إلى ثلثي عدد سكان المنطقة. وزيادة على ذلك قد يكون أدى إلى وفاة ثلاثة من كل عشرة من الأوربيين، تاركا ما يقرب من 24 مليون قتيل. ويظل هذا أسوأ كارثة لمرض وبائي في أوروبا منذ انهيار الإمبراطية الرومانية. يقول المؤلف. كانت نسبة الإصابة في الشرق الأوسط الإسلامي أيضا مرعبة للغاية: فقد مات ما بين ربع وثلث السكان تقريبا.

ردود الفعل في الشرق الأوسط
عندما عاود الطاعون الدملي ظهوره في الشرق الأوسط عام 1347، كان العالم الإسلامي الغربي، تحت حكم النظام العسكري المملوكي، وامتدت الإمبراطورية المملوكية، ومركزها القلعة بالقاهرة، جنوبا بعد أسوان وشمالا إلى فلسطين وسوريا.
في زمن الطاعون، كان على المماليك الغرباء بطبيعة الحال أن يتخذوا قرارات فردية عن كيفية التعامل مع المرض. ففي عامي 1347 - 1348، هرب العديد من المماليك بقيادة سلطان صغير يبلغ من العمر أحد عشر عاما (الناصر محمد بن قلاوون)، من القاهرة إلى القرى الخالية من الطاعون شمال المدينة، ومع ذلك قرر معظمهم في السنوات الأخيرة أن من الأفضل لهم البقاء في القلعة للدفاع عن مصالحهم ضد المماليك المنافسين. وربما لم يكن البقاء بالفكرة الجيدة؛ فقد لاحظ المعاصرون وفيات مرتفعة من الطاعون بدرجة غير عادية بين نزلاء القلعة.

وكما كان يحدث في الغرب المسيحي في أوائل القرن السادس عشر، كان الالتزام الديني في العالم الإسلامي أقوى في المدن الكبرى عن وجوده في الريف. وعلى ذلك، ففي القاهرة خلال هجوم وباء الطاعون اللعين في 1695 - 1696، كان التصرف الأخلاقي المتوقع من المؤمنين بين الناس من الطبقات المتوسط يتم الحفاظ عليه بشكل دقيق. وبانتشار العقيدة الإسلامية عن الأعمال الصالحة، فإن الأسرة والأصدقاء والجيران كانوا يزورون بصفة منتظمة المصابين بالطاعون، ويساعدون في إطعامهم وغسلهم. وكانت أعضاء الأسرة تساعد المتوفين، وتجهز أكفانهم وتنقلهم إلى المقابر بصحبة مواكب كبيرة من المعزين.
ووفقا لكاتب الحوليات، الجبرتي، فإن العديد من الأثرياء والأمراء وكبار التجار وآخرين، كانوا يشاركون في هذا العمل الخيري. ويساعدون بصفة شخصية في دفن عدد كبير من الموتى بالطاعون في المقابر الشرقية والجنوبية، وفي فعلهم لما قاموا به، يعتقد المؤمنون أن عودة المرض تمت بواسطة الله الرحيم ليفتح للمؤمنين بابا من 360 بابا من أبواب الجنة.

من عمل الجن
وربما كان الموقف في المناطق الريفية مختلفا نوعا ما، وهنا بين الفلاحين الأميين، استمر النظر إلى الطاعون على أنه عقاب من عمل الجن الذي يستجاب له على نحو أفضل بالفرار إلى القاهرة حيث كان هناك نقص مزمن في العمالة. وفي شرق الأناضول في قلب الأراضي العثمانية، أثناء طاعون عام 1720، صعد العديد من القرويين إلى سفوح التلال؛ وبعد الأزمة ظل البعض منهم في مواطنهم الجديدة. وبالسفر مقابل اتجاه مصر على ساحل البحر الأحمر في سنة 1816، أخبر الناس الفارون جون لويس بوركهارت أن "الطاعون هو البركة التي أرسلها الله إلى العالم ليدعو الصالحين إلى الجنة؛ نحن نعتقد أننا لم نصل بعد إلى هذه الحالة من النعمة، ولذا ندخر أنفسنا لوقت آخر".

وصول محمد علي
استمر الطاعون، في مكان ما في مصر، على الأقل في الست عشرة من الخمسين سنة بين عام 1750 و1800، وقد لقي عدد كبير من الناس حتفهم بسبب المرض. بعد ذلك، في أوائل القرن التاسع عشر وصل إلى الساحة حاكم أجنبي جديد، وعلى عكس أسلافه، أثبت محمد علي قدرته في اتخاذ إجراء قوي عندما واجه الطاعون.

خدم محمد علي وهو ابن تاجر عسكري مقدوني في الجيش العثماني، ففي سنة 1801 بينما كان شابا يافعا مندفعا، أرسل إلى مصر كقائد ثان على الفرقة الألبانية للتخلص من بقايا جيش نابليون بونابرت (الذي ضربه الطاعون من قبل في سوريا)، وفي 1805 أصبح محمد علي باشا نائبا للسلطان، والحاكم الحقيقي لمصر تحت السلطان العثماني.
اعترف محمد علي بصفته مستبدا مستنيرا بأن كل أفراد المجتمع، لكي يكونوا منتجين يجب توفير الرعاية الصحية الحديثة لهم. ولهذا الهدف، قام بإنشاء أول نظام صحي قروي تدعمه الحكومة في عالم البحر المتوسط؛ ربما لم يوجد نظام مشابه في بريطانيا الليبرالية حتى مجيء الحكومة الاشتراكية في عام 1945، ولكي يقدم تغطية صحية قروية شاملة، استقدم الباشا المستشارين الطبيين الأوربيين في الممارسات الإكلينكية، يتقدمهم الدكتور أيه. بي. كلوت. وفي عام 1827، أسس كلوت ومحمد علي المستشفى التعليمي الأول على النمط الأوروبي في مصر، مستشفى قصر العيني.

كان التدريس بالعربية، وكان الطلاب من خريجي الأزهر حيث درسوا الشريعة والدين، وهي برامج ملائمة تماما لطلاب الطب. وبحلول عام 1830، خرج خريجو قصر العيني للعمل في العيادات القروية، فيما كان دكتور كلوت رافضا أن يسموا أنفسهم أطباء.وبعد أربع سنوات، ضربت مصر بأول نوبتي مرض شديدة بالطاعون.

في عام 1834، كان محمد علي ملتزما بمفهوم النظام في زمن أزمة المرض، وفي عام 1812 وبعلمه بظهور الطاعون في إسطنبول، المدينة الرئيسية للنظام السياسي العثماني، والشريك التجاري الأساسي، فقد فرض حجرا صحيا بحريا على السفن التركية، فلم يدخل الطاعون مصر.

وبعد ذلك، وللتعامل مع مشكلة الأفراد والبضائع القادمة من موانئ الشرق الموبوءة بالطاعون، قام بتأسيس مستشفى للأمراض المعدية، ومخزن بدمياط.
وعلى الرغم من احتياطات الحجر الصحي التي اتخذت في عام 1834، دخل الطاعون الموانئ المصرية الواقعة على البحر المتوسط بقوة كبيرة في السنة التالية.

كردون صحي
خلال الشهور الاولى، لم تتأثر إلا المناطق البعيدة بالقرب من الإسكندرية، ومع ذلك، ضرب محمد علي كردونا صحيا حول المدينة. وعندما انتشر الطاعون، استخدم محمد علي تدبيرات مشددة كتلك المتبعة في جنوا عام 1656، وقامت الشرطة والجيش بحبس ضحايا الطاعون في مستشفيات الأمراض المعدية، وحرق متعلقاتهم الشخصية.
وكما كان يحدث في أوربا، أُخذت الحالات الاجتماعية في الاعتبار؛ فأهالي الإسكندرية من الطبقة المتوسطة أو العليا الذين كان يشتبه في مرض أحد أفراد أسرهم، كان يتم ترحيلهم مع عزل أهل البيت. وفي المقابل، كان يتم تجميع أسر الطبقات الفقيرة بالكامل المشتبه في إصابة أحد أفرادها بالطاعون ليلا ونقلهم إلى مراكز الحجر الصحي في حافة المدينة. وكان الرصاص يطلق على الفور على أرباب الأسر الذين لم يقوموا بالإبلاغ عن موت أحد أفراد الأسرة بالطاعون.
والذي أغضب مسلمي الإسكندرية على نحو خاص من "مفهوم النظام" الذي طبقه محمد علي، هو أن "الملحدين النصارى" (الأطباء الغربيين) كانوا يظهرون وكأنهم يأمرون الأطباء المسلمين بفعل أشياء تتنافى مع شريعة الله.

كانت إجراءات الصحة التشريحية التي يقوم بها الأطباء عند فحص وتشريح جثة المتوفي العارية، والتي كانت تدفن في الجير الحي، تعتبر أمثلة صارخة على التدنيس.
ولإيقاف تجميع المشتبه فيهم (الذي كان يشاع أنهم ربما ماتوا بفعل الطاعون بعد الفحص الإكلينكي) اعترضت مجموعات من المسلمين سبيل الجنود الذين كانوا يأخذون الناس تحت جنح الظلام. كانت النتائج متوقعة: قتل بعض الأفراد رميا بالرصاص، مما روع كل المناطق المحيطة، وتم تجميع المزيد من ضحايا الطاعون وأسرهم.
بعض الأسر التي ووجهت بفشل تضامن الجوار قامت باتخاذ تدابير خاصة بها، حيث قاموا سرا أثناء الليل بحفر حفر لموتاهم بفعل الطاعون في ساحة الدار، أو ترك الجثة في أحد الشوارع البعيدة بحيث لا يمكن التعرف عليها، وبذلك يجنبون الأسرة العقاب.

وفي النهاية، لم يأت تطبيق "مفهوم النظام" بالنتائج المرجوة. بمجرد أن ينتشر وباء الطاعون بين الفئران والبراغيث والسكان في جميع الأنحاء من الإسكندرية إلى الأقصر، لم يكن لدى محمد علي ما يفعله سوى الانتظار حتى يأخذ الوباء دورته.

وفاة مائتي ألف مصري
في الوقت الذي تراجع فيه الوباء في أكتوبر 1837، توفي ما يقرب من 75 ألف قاهري، و125 ألف مصري آخرين. كان مجموع الوفيات مساويا لحجم الجيش كله، الذي كان يبلغ حوالي 7% من سكان مصر.
بالنسبة لأمة صغيرة غير غربية تناضل من أجل الظهور على أسس متساوية مع القوى الإمبريالية الليبرالية، كانت هذه الخسارة ضربة قاضية. وكانت هذه البداية، ففي عام 1838، تحت نداء موجة تحرير التجارة، أجبر اللورد بالمرستون، السلطان العثماني ونائبه في مصر على السماح للوكلاء البريطانيين بشراء القطن مباشرة من المنتجين، وهو ما دمر احتكار الحكومة المصرية لمورد تصدير ودخل حيوي.

وبعد ثلاث سنوات أجبرت أوربا المصريين على الانسحاب من سوريا (حيث كانت منذ عام 1250 جزءا رئيسيا من الإمبراطورية المملوكية) وبحرمانه من قاعدته الضريبية في سوريا، ومن إيرادات الاحتكارات الحكومية في مصر، حل منتصف عقد الأربعينيات ولم يكن محمد علي قادرا على منع المرابين من الفوز بالسيطرة على الأسواق المالية في مصر. وقد بدا أن حلمه بتأسيس مصر تحت سيادة اسمية عثمانية مستقلة عن الغرب سرعان ما أصبح وهما.
عمل الدبلوماسيون البريطانيون على منع إقامة مراكز حجر صحي أخرى على المراكب، وعندما كتب السفير البريطاني اللورد بونسونباي عام 1839 إلى الباب العالي، أبدى ازدراءه بصراحة للسياسات الشرقية بشأن فحص وحجز السفن والمخازن.
وعلى الرغم من الإعاقات التي سببها الإمبرياليون لمحمد علي، عندما انتشر وباء الطاعون في شمال مصر عام 1841، فإنه مرة أخرى أخذ زمام المواجهة هذه المرة. كان يصاحب أطباء الطاعون الأجانب كتائب من الجنود، وكان هناك معالجات من النساء للنساء المصابات بالطاعون. وبمواجهتهم بهذا النظام الداعم، أصر الأهالي المحليون على موقفهم، وقرروا عدم التعاون.

ومثال لذلك، في محافظة الغربية بالدلتا، قابل ثلاثمائة شيخ من شيوخ القرى حاكم المحافظة في فبراير 1841، وأكدوا له أن فلاحيهم التابعين لهم غير مصابين بالطاعون. وقد كان هذا كذبا واضحا، فبعد عدة أيام قليلة عُلم أن ستمائة وخمسين شخصا، نصف سكان إحدى هذه القرى تقريبا قد ماتوا بالفعل بسبب المرض. وفي قرية أخرى اكتسحها الطاعون، قتل من نجا منهم الجنود الذين أرسلهم محمد علي، ولعدة ساعات منعوا القوات المعززة حتى من استرداد جثثهم. ومع ذلك، ففي مناطق أخرى، نجحت القوات المخصصة لدعم "مفهوم النظام" في الحفاظ على السلطة.

نجاح مدهش
وكما أنجزها الدكتور ماسيرانو وأطباء بأجر آخرين في الدلتا عام 1841، فقد تم فرض تدابير ضد الطاعون بشمولية غاية في القسوة. ففي أية قرية مشتبه فيها، كان الفصل يتم بين الضحايا الأحياء وأفراد الأسرة عن الفلاحين الأصحاب فيوضعون في العزل، وكانت القرية تحاط بأكملها بكردون صحي يحرسه جنود أعطوا أوامر بإطلاق النار والقتل. وفي داخل القرية، كانت تحرق ملابس ومتعلقات المتوفى بالطاعون. وكان يتم ترحيل جميع الفلاحين الآخرين، ويفصلون بحسب الجنس في انتهاك عنيف لأفكار المسلمين حول عدم لياقة العري العام، الذي كان يتم في حمام في حضور الأطباء (ومن هناك كانت الحاجة إلى طبيبات من النساء للإشراف على غسل النساء). وعند الانتهاء من الحمام (لم يكن أحد يعرف حينئذ أن البراغيث التي من الممكن أن تحمل الطاعون كان يتم التخلص منها) كانت تقدم للفلاحين ملابس نظيفة ويظلون لعدة أيام تحت الإشراف الطبي.

وبمواجهة السفن القادمة من موانئ البحر المتوسط المشتبه فيها بإجراءات صارمة، بدا أن تدابير محمد علي قد نجحت هذه المرة بتأثير مدهش.
فقد تناقض الطاعون (كانت النوبة المحلية الأخيرة في أكتوبر عام 1844) ثم انقطع. وبعد ذلك أصبحت مصر خالية من الطاعون، وربما استمرت على ذلك طوال ثلاثة أجيال، الزوار الذين يقفون اليوم أمام مقبرة الباشا في مسجده بالقلعة، ربما قد يتغاضون عن التفكير في أنهم سمعوا تنهيدة تصدر صاعدة تقول ما ترجم عن الأقوال العربية: "لكنني أخيرا فزت بالنصر على الطاعون". ويعظم من تباهي الباشا هذا الفهم الحديث بأن الحجر الصحي، متوافقا مع هلاك أعداد الفئران الموبوءة، ربما حرر حقا مناطق كبيرة من البلاء العظيم.

خمس موجات من الوباء
منذ العقد الأخير من القرن الثامن عشر حتى العقد الرابع من القرن التاسع عشر حدثت في مصر خمسة موجات من وباء الطاعون، آخرها الطاعون الذي حدث في عهد محمد علي عام 1834. الطاعون الأول كان عام 1791، وقد أشار إليه الجبرتي، ومات به الشيخ مرتضى الزبيدي صاحب كتاب "تاج العروس"، ثم طاعون 1792، والذي أشار إليه الشيخ محمد الصبان النحوي المشهور، ثم طاعون 1800 الذي حدث أثناء الحملة الفرنسية بمصر، وقد كان أشد فتكا بالصعيد وخاصة أسيوط. وفيه ذكر الجبرتي: فلما ظهر الوباء انزعج الفرنساوية من ذلك، وجردوا مجالسهم من الفرش، وكنسوها وغسلوها، وشرعوا في كرنتيلات ثم زادوا في وسائل المكافحة فأمروا بحرق الثياب التي على أجساد الموتى من الوباء، وحصل بذلك للناس انزعاج عظيم"، أما وباء عام 1823 والذي حدث في مدة حياة الشيخ حسن العطار، فقد وصفه في حاشية العطار على شرح الخبيصي.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved