من دفاتر الغزالي : «ركائز الإيمان».. الإسلام دين يطارد الخرافة

آخر تحديث: الخميس 23 مايو 2019 - 9:34 ص بتوقيت القاهرة

أحمد بدراوى:

مازلنا مع رؤية فضيلة الشيخ محمد الغزالى، رحمه الله، للنهوض بالعالم الإسلامى، وتفريقه بين حدود الإيمان بين العقل والقلب وركائزه.
فى هذا الفصل من كتابه «ركائز الإيمان بين العقل والقلب»، يغوص الرجل فى معركة جديدة عن الإيمان بالغيب، ويعنون فصله «الإيمان بالغيب ليس إيمانًا بالوهم ولا إيذانًا بالفوضى».
يقول الغزالى إن الأجيال الأولى من المسلمين السابقين، أنشط عقولًا، وأسلم وجهة وأحكم سياسة من غيرهم، ولم يكن الإسلام قيدًا على انطلاقهم الفكرى، أو عائقًا دون اقتحام المجهول أدبيًا وماديًا، لكن كان الإسلام محرضًا على البحث الجرىء والفكر العميق، وانطلق العقل الإسلامى وجدد التراث الأول للإنسانية، ومهد لحركة الإحياء فى الغرب.
ويقول الغزالى إن الإسلام تضمن كغيره من الديانات السماوية بحثًا فى عوالم أخرى غير محسوسة، وهو حديث محدد البدايات والنهايات، غير أن الخياليين والخرافيين من الناس وسعوا دائرة الكلام فى هذه العوالم المغيبة، وأقحموها فى شئون مادية كثيرة، ونسبوا إليها من التصرفات والآثار ما يبرأ منه الدين، وما شردت به الحياة العادية.
والمسلم يلتزم ما ورد فحسب، وهو لن يخالف معلومًا من الدين بالضرورة، ولكن من حقه تكذيب الأخبار التى يقصها الواهمون، كما أنه من حقه حراسة الحقائق المادية والدينية من شغب المنحرفين، فإن تصديق السحر والشعوذة وخلط المعارف الطبية بأعمال الشياطين الخفية، لا صلة له بالدين.
ويقول الغزالى إن صحابة الرسول فى معايشهم وعلاقاتهم كانوا نماذج لنضج التفكير وسلامة الحواس ودقة الأحكام، ولم تتلوث الحياة الاجتماعية فى العالم الإسلامى بهذه الأوهام إلا فى عصور التخلف وغفلة الفقهاء، إذ خلط المسلمون بين عالم الغيب وعالم الشهادة، إذ يلبس بعض المتدينين هذا بذاك، وقد انتشر هذا اللغو فى أمصار وأقطار شتى فوقف تقدمها العلمى ورسب فى الأذهان أن حقائق الأشياء غير ثابتة، وأن قوانين الكون غير مضبوطة، ويستحيل أن ترقى أمة يسودها هذا الفكر المكذوب.
ولقد كان من رحمة الله بالأمة الإسلامية أن سلفها الصالح سلم من هذا الداء، وأن النبى وأصحابه وتابعيهم بإحسان لم يعرفوا هذه الظلمة، فسعدت بهم الدنيا، ورشدت بهم الحياة، وبلغوا أمانات الوحى بصدق، وغرسوها فى أرجاء الأرض بقدرة، فكانت الحضارة الإسلامية بركة على الإنسانية كلها، ولو أن تلامذة محمد غرتهم هذه الأوهام عن الكون والكائنات ما فتحوا مصرًا ولا هدوا قطرًا ولا أعقبوا أثرًا.
والإسلام دين يطارد الخرافة من الفكر، والرذيلة من القلب، والزيغ عن الخطو، والشرود عن السيرة، بل هو إيجابى فى هذه المجالات كلها، فهو يشكل المشاعر والأفكار الإنسانية تشكيلًا يجتذب العقل إلى الحق والفؤاد إلى الفضيلة، ويقتاد البشر من نواصيهم ليثبتهم على الصراط المستقيم، وأن ما لا يلاحظ أحيانًا على بعض المتدينين من صدأ عقلى وكسل ذهنى هو محض علل شخصية أو بيئات متأخرة ولا علاقة له بالدين.
ويعرج الغزالى فى هذا الفصل الشيق إلى الحديث عن العبادات التى فرضها الله، وكذلك ما استحب من التسبيح، إذ يقول إنه عندما استحب لنا الدين مثلًا أن نسبح الله ونحمده ونكبره ثلاثة وثلاثين، فالمراد الأهم إيقاظ القلب لتنزيه الله وشكره وإعظامه، بيد أن بعض المتعبدين يتيه عن هذه الغاية، ويظن أن العدد مقصود لذاته، وأن له سرًا مغيبًا مرهوبًا، ويجتهد أن يبلغ هذا العدد ترديدًا باللسان، وإن كان القلب غافلًا، ويظن أنه قد أدى العبادة المستحبة وإن كان ذكر الله لم يتسلل إلى باطنه بشعاع مضىء ولا إلى سلوكه بخلق ذكى، وما أكثر المتدينين الذين يتقنون من الدين هذا الجانب، ويحرصون عليه ويذهلون عما وراءه أو يفرطون.
ويتساءل الغزالى، إذن ما جدوى إيمان الشفتين وتزويق الظواهر، وقد يقبل البعض هذا الإيمان، لأنه أفضل على كل حال من الإلحاد الذى شارع فى عصرنا ولوث الآفاق، إلا أننا نلفت النظر إلى شىء خطير، هو أن مستقبل الإيمان أمام هذا الإلحاد الزاحف منوط بيقظة البصائر وحدة المشاعر وطول التضحية، وشدة البذل، وأن الإيمان الخامد والذكر القليل لا يغنيان فتيلًا فى ميدان يتطلب الصدق والجد، وإذا لم يفلح الدين فى شد زناد الفكر والشعور إلى أبعد مدى مستطاع فحقيق به أن ينهزم وحقيق بأتباعه أن يبادوا، فاحترام الشكل أمر حسن قانونًا وعرفًا، لكن التهويل فيه والتعويل عليه أمر عجيب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved