منتدى باكو: عالم ما بعد كورونا وحرب أوكرانيا.. فرصة لنظام دولي جديد

آخر تحديث: الخميس 23 يونيو 2022 - 12:34 م بتوقيت القاهرة

باكو- محمد بصل

مقترحات بتعديل ميثاق الأمم المتحدة ونظام مجلس الأمن وتقييد حق الفيتو
مطالبات بالطاقة الخضراء للتحرر من الوقود الروسي.. وتحذيرات من ترك الدول الصغيرة متعثرة

شغل البحث عن معالم نظام دولي جديد في أعقاب جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، شغل حيزا كبيرا من المناقشات في منتدى باكو الدولي الذي عُقد مؤخرا في أذربيجان ونظمه مركز نظامي جانچوي برئاسة نائب رئيس البنك الدولي الأسبق د. إسماعيل سراج الدين ورئيسة لاتفيا السابقة ڤايرا ڤايك-فريبرجا، حيث تم تخصيص عدة جلسات للحديث عن مستقبل الأمم المتحدة طارحة أسئلة عن مدى قابلية ميثاقها ونظام مجلس الأمن القائم للاستمرار.

في هذا السياق؛ قال الأمير تركي الفيصل، رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ومدير المخابرات السعودية وسفير المملكة بواشنطن سابقا، إن على المجتمع الدولي العمل من أجل منع تكرار مآسي أوكرانيا في دولة جديدة: "نسمع كثيرا من يتساءلون ما الذي كان يجب أن تفعله الأمم المتحدة؟ وما الذي كان يستطيع فعله مجلس الأمن؟ لكنا لا نسمع سؤالا واضحا هو لماذا يفشل مجلس الأمن في حسم مثل هذه القضايا المتعلقة بالإنسانية وحماية الشعوب؟"

واستطرد بأنه يقدم مقترحا -سبق وتقدم به شقيقه وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل عام 2003- لتعديل نظام مجلس الأمن، لإلزام الدول دائمة العضوية التي تحظى بحق النقض (الفيتو) بالامتناع عن استخدام هذا الحق في ما يتعلق بالقرارات والإجراءات الخاصة بتنفيذ مضامين القرارات المتفق عليها سابقا.

وكان الأمير سعود الفيصل قد اقترح هذا التعديل بمناسبة دراسة مجلس الأمن لتطبيق بعض قراراته السابقة بشأن القضية الفلسطينية.
كما وجه حكمت حاجييف، مساعد الرئيس الأذري للشئون الخارجية، نقدا واقعيا للمنظومة الدولية، راويا أن "بلاده بعد حصولها على الاستقلال في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي كانت تعمها ثقة واسعة في المؤسسات الدولية وأنشطتها، لكنها لسوء الحظ لم تحظ بالمساعدة الكافية ولا الاستجابة اللازمة أمميا لحمايتها من التهديدات التي واجهتها على مدار العقود الثلاثة الماضية، على الرغم من صدور 4 قرارات من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في ناجورنو كاراباخ وانسحاب القوات الأرمينية منها بعد تعرض المرتفعات الواقعة في غرب أذربيجان للغزو العسكري".

وانتهت حرب كاراباخ الثانية التي دارت رحاها عام 2020 بانتصار أذري صريح واستردادها مساحات شاسعة من الأراضي، ثم تم توقيع اتفاق سلام برعاية روسية لكن مازالت هناك العديد من النقاط العالقة المتوقفة على إجراء مفاوضات مباشرة بين أذربيجان وأرمينيا.

واستطرد حاجييف: "تعرضت أذربيجان للاحتلال عندما كانت عضوا في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والأمم المتحدة، لكنها نفذت قرارات للأمم المتحدة بشأن كاراباخ على نفقتها الخاصة وبإمكانياتها الذاتية، وحاليا نواجه مشاكل أكبر تتعلق بإعادة الإعمار وإزالة عدد لا محدود من الألغام".

وأشار حاجييف إلى أن استجابة أوروبا والعالم بدت بطيئة للغاية تجاه المناشدات الأذرية بضرورة وحدة أراضي الدولة كأولوية للتنمية والبناء، مشددا على ضرورة إعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة في ظل التغيرات الدولية العنيفة، وبسط رقابة أقوى على الصمت المطوّل على مخالفة قواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، خاصة وأن دولة مثل أذربيجان بحاجة إلى دعم مبدأ العلاقات متعددة الأطراف التي توفر منابر للتعبير عن الآراء الخاصة في الساحة العالمية.

ومن جهته؛ قال الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى إن على العالم مراجعة ما حدث خلال الجائحة والإجابة بأمانة على سؤال ما إذا كانت المساواة قد تحققت بالفعل في القضايا الصحية وعلى رأسها توفير اللقاحات لأفريقيا والدول الأكثر احتياجا.

وأضاف موسى أن مجلس الأمن كان يجب أن يتعرض لهذه القضية ويتعامل معها لضمان وصول اللقاح للشعوب الفقيرة، مطالبا بإعادة تعريف مصطلح "الأمن والسلم الدولي" في ميثاق الأمم المتحدة وإعادة هيكلة آليات مجلس الأمن وأدواته، ليشمل هذا المصطلح مبدئيا الجوائح وتغيير المناخ وأي ضرر يهدد الإنسانية أو يلحق بها.

ومن جهته قال د. إسماعيل سراج الدين، إنه من الممكن من بين كل هذه الكوارث أن نرى مستقبلا مختلفا وآليات بديلة للسائد الآن للتعاون في المجتمع الدولي، مذكرا بظروف إنشاء الاتحاد الأوروبي الذي كان ثمرة لرؤى مبكرة لتطوير الواقع الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي نفس الاتجاه الداعي للتفاؤل؛ تحدث الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط عن ضرورة استفادة الدول الصغيرة من الوضع الحالي بتعزيز التضامن بينها والبحث عن آليات أوثق للاستفادة اقتصاديا على قاعدة من التضامن المشترك، مشيرا إلى بدء نقاشات بين-عربية لتحقيق أمن الطاقة والغذاء المشترك.

وإلى جانب الإطار السياسي؛ تستنفر الحرب الروسية على أوكرانيا -أكثر من أي وقت مضى- أفكار السياسيين والاقتصاديين للبحث عن نظام جديد لإدارة الطاقة، في ظل استمرار الحاجة الماسة للبترول والغاز الروسيين وصعوبة إيجاد بدائل تتسم بالاستمرارية حتى ولو بكلفة مرتفعة، مما دفع الرئيس البلغاري السابق روسن بلينفيليف للحديث عن ضرورة تغيير البنية التحتية في أوروبا بالكامل، ودعم وتطوير مصادر الطاقة الأخرى، وتطوير برامج خضراء برعاية تقنية ومادية من الأمم المتحدة والدول الكبرى كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا "لنخرج من القضية بثمرة جيدة للكوكب".

وبشكل أكثر دقة دعت چين بادرشنايدر، الرئيسة السابقة لمجموعة إكسون موبيل، إلى زيادة الاستثمارات العالمية للتحول إلى الهيدروجين الأخضر الذي يمكن إنتاجه من جميع أشكال الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية عن طريق التحليل الكهربائي.

وذكرت أنه حل عملي وقابل للتنفيذ ويحقق هدف "إضفاء الطابع الديمقراطي على الطاقة" وإزالة الكربون عن الصناعة الثقيلة وخلق فرص عمل على مستوى العالم، كما يمكن أن يؤدي إلى تغيير جذري في المشهد الجيوسياسي، لأن الدول لن تكتسب وضعا خاصا بعد الآن بسبب الوقود الأحفوري الذي تنتجه، مستطردة: في 2021 استوردت ألمانيا من روسيا 34٪ من النفط الخام و 53٪ من الفحم الصلب المستخدم في مولدات الطاقة وصناع الصلب، و32٪ من إمدادات الغاز، وبشكل عام كانت صادرات الوقود الأحفوري إلى أوروبا تدر على روسيا ما يقرب من مليار دولار في اليوم.

وشددت على أن هذه الطاقة البديلة المتجددة هي أمل العالم في تحدي الوضع القائم وسيطرة روسيا على موارد الطاقة، مشيرة إلى أهمية مراعاة مصالح الدول النامية أثناء هذا التحول الأخضر.
وانطلاقا من هذه الإشكالية؛ دعا الرئيس التشيكي الأسبق فاتيسلاف كلاوس إلى ما وصفه بمواجهة الحقائق وعدم تجاوز المقدمات للتوصل إلى نتائج قاصرة، قائلا إن قضية الطاقة أعقد من الحرب الروسية التي سرعت شعور الناس بها فقط، وأنها بدأت منذ سنوات بالزيادات المستمرة لأسعار السوق بقرارات غير مبررة وأحادية من الدول المنتجة لا تراعي متوسط دخول الدول المستوردة الصغيرة، بل تراعي فقط احتياجات الدول الكبرى ورغبة الموردين في استفادة أكبر، ومن الناحية الأخرى كان الأوروبيون يتصورون أنهم سيأمنون شرور الدول المصدرة بهذا النهج.

وأضاف: الآن يجب البحث عن مصادر طاقة بديلة ولكن لا يمكن قبول ذلك بدون تحقيق العدالة ومراعاة مصالح الدول الأصغر التي ربما لا تتمكن من مجاراة الدول الكبرى في إيجاد مصادر بديلة، لأن هذا قد يعود عليها بخسائر فادحة وتركها في السوق منفردة مع المصدرين.. هذه الفوضى يجب دراستها بعناية وبطريقة منفصلة عن الأهداف السياسية.

وأعلن د. إسماعيل سراج الدين أن مركز نظامي جنچاوي سوف ينظم قريبا مؤتمرا لمناقشة أبعاد قضية التغير المناخي وارتباط ذلك بالطاقة الخضراء، داعيا إلى المشاركة في فعاليات قمة الأمم المتحدة للمناخ COP27 التي تستضيفها مصر هذا العام.

وافتتح رئيس أذربيجان إلهام علييف الخميس الماضي أعمال منتدى باكو الدولي التاسع، والذي ينظمه مركز نظامي جنچاوي تحت عنوان "تحديات النظام العالمي" انطلاقا من مناقشة القضايا الأكثر خطورة التي داهمت العالم خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأسها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وأزمة نقص الطاقة وإمدادات الغذاء واضطرابات الأسواق الدولية والتغير المناخي.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved