صفحات من مذكرات الزعيم مصطفى النحاس

آخر تحديث: الأحد 23 أغسطس 2015 - 9:09 ص بتوقيت القاهرة

عماد أبو غازى

• 3 كراسات و407 ورقات تحكى يوميات زعماء الوفد فى المنفى
• 50 سنة من العمل السياسى بدأها وزيرا للاتصالات وأنهاها تحت الإقامة الجبرية
• تولى رئاسة الحكومة 7 مرات بمجموعة 7 سنوات وعدة أسابيع
• جنازة النحاس فى 1965 أظهرت فشل سياسة التشوية والإلغاء ضد الرجل
• فشل بعثة عدلى يكن الرسمية ونجاح رحلة مكرم «الوفدية» فى لندن دفعت الاحتلال إلى نفى قيادات الوفد
• الشعب نجح فى فرض إرادته على لجنة الدستور الفرعية

23 أغسطس تمر ذكرى رحيل الزعيمين الكبيرين سعد زغلول ومصطفى النحاس، هذا العام يصادف الذكرى الخمسين لرحيل رئيس وزراء مصر الراحل مصطفى النحاس.

ومصطفى النحاس زعيم وطنى يستحق أن نحتفى به تخليدا للقيم التى عاش وكافح من أجلها، واعتذارا لهذا الرجل الذى تم تشويه تاريخه وحجب اسمه لسنوات، ينتمى مصطفى النحاس إلى الرعيل الأول من مؤسسى الوفد المصرى الذين انضموا إلى سعد زغلول، وأصبح بسرعة من أقرب المقربين إليه، ونفى معه، ثم أصبح سكرتيرا عاما للوفد المصرى.


لقد لعب مصطفى النحاس دورا مهما فى السياسة المصرية على مدى نصف قرن، بداية من انتمائه لتيار الحزب الوطنى فى مطلع القرن العشرين، ثم انضمامه إلى الوفد المصرى إلى جانب سعد زغلول، فتوليه زعامته بعد وفاة الأخير سنة 1927، وانتهى هذا الدور بعد يوليو 1952 بشهور قليلة مع حل الأحزاب السياسية، وظل النحاس معزولا سياسيا حتى وفاته فى 23 أغسطس 1965. قدم النحاس الكثير لوطنه ولم يلق بعد الاحتفاء الذى يقابل ما أعطاه لمصر، كان مصطفى النحاس واحدا من أبرز الزعماء التاريخيين لحركات الاستقلال الوطنى ذات التوجه الديمقراطى التى ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى، يقف اسمه بجداره إلى جانب أسماء عظيمة لعبت دورا فى تاريخ الإنسانية مثل: غاندى ونهرو فى الهند وديفاليرا فى أيرلندا وسعد زغلول فى مصر، كان خليفة لسعد فى نضاله مثلما كان نهرو خليفة لغاندى، وطول تاريخه السياسى قدم نموذجا للتمسك بالمبادئ، والصمود فى وجه العواصف العاتية.

شارك مصطفى النحاس فى أول حكومة وفدية تشكلت بناء على نتيجة أول انتخابات برلمانية أجريت على أساس دستور 1923، وقد تشكلت هذه الحكومة فى 28 يناير 1924 برئاسة سعد زغلول، وتولى مصطفى النحاس فيها وزارة المواصلات، لكن تلك الوزارة لم تكمل العام واستقالت فى نوفمبر 1924 احتجاجا على العقوبات التى فرضتها بريطانيا على مصر بعد اغتيال السردار لى ستاك. وبعد وفاة سعد زغلول فى 23 أغسطس 1927 انتخب الوفد مصطفى النحاس رئيسا له فى 23 سبتمبر وأقر الانتخاب رسميا فى اجتماع الهيئة البرلمانية الوفدية فى 26 سبتمبر، وحل محله فى سكرتارية الوفد مكرم عبيد، ومن يومها حمل مصطفى النحاس راية النضال الوطنى والديمقراطى زعيما لحزب الأغلبية فى ظروف حصار مستمر للحياة النيابية على يد الملك المستبد والسفارة البريطانية. وخلال الفترة من مارس 1928 إلى يناير 1952 تولى مصطفى النحاس رئاسة الوزارة سبع مرات، لكن مجموع ما قضاه النحاس فى الحكم لا يتجاوز سبع سنوات وعدة أسابيع، فعادة ما كان حكمه ينتهى بانقلاب دستورى يدبره الملك بمباركة الإنجليز، وفى الوزارة الأخيرة التى أقالها فاروق فى 27 يناير 1952، كانت مؤامرة حريق القاهرة المبرر لإقالة الوزارة.

لقد كان مصطفى النحاس تاريخا من النضال من أجل مصر، دستورها واستقلالها ودولتها المدنية التى لا تعرف خلط الدين بالسياسة. وكان الاستفتاء الشعبى الحقيقى على مصطفى النحاس يوم جنازته فى أغسطس 1965، فرغم أنه كان بعيدا عن السلطة والسلطان، ورغم ما تعرض له من عزل سياسى لسنوات قاربت الثلاثة عشر عاما، ورغم أن اسمه لم يذكر منذ نهاية أزمة الديمقراطية فى عام 1954، فى وسائل الإعلام الرسمية ــ والتى لم يكن هناك غيرها ــ إلا مصحوبا باللعنات وبالأكاذيب والمبالغات حول سيرته السياسية والشخصية، فإن الشعب كان له رأى آخر، حقا لقد أعقب الجنازة حملة اعتقالات قضى بعض ضحاياها شهورا فى المعتقلات، لكن الوداع الأخير للرجل كان كلمة الفصل فى تقييم الشعب لزعيم أخلص لوطنه ولقضاياه.
واليوم فى ظلال الذكرى الخمسين لرحيل مصطفى النحاس، أقدم صفحات من مذكرات الزعيم مصطفى النحاس التى تغطى فترة نفيه مع الزعيم سعد زغلول وبعض قادة الوفد إلى سيشل فى ديسمبر 1921 لفترة قاربت العامين. وقد حصلت على هذه المذكرات التى سماها صاحبها «مذكرات النفى» من القطب الوفدى الكبير الأستاذ فؤاد بدراوى، وكانت هذه المذكرات ضمن الأوراق التى انتقلت إلى فؤاد باشا سراج الدين بعد وفاة السيدة زينب الوكيل وتسليم منزل النحاس باشا فى جاردن سيتى إلى المالك، وقد عثر عليها الأستاذ فؤاد بدراوى منذ عدة أشهر ودفع بها إلى لتحقيقها، والمذكرات عبارة عن ثلاث كراسات متفاوتة فى حجمها، الكراسة الأولى من 22 صفحة، والثانية وهى مسودة من 300 صفحة، أما الكراسة الأخيرة فتبلغ صفحاتها 85 صفحة. وتغطى المذكرات الفترة من 19 ديسمبر 1921 حتى 12 مارس 1923، وهناك بعض الفجوات فى المذكرات، لكنها تقدم صورة واضحة ومفصلة عن فترة نفى سعد ورفاقه، رؤيتهم السياسية وتفاصيل حياتهم اليومية فى المنفى، وعلاقتهم بالوطن، وقدرات عناصر الوفد فى مصر على التواصل معهم وإمدادهم بالأخبار رغم قيود الرقابة. سأقدم هنا خمسة أيام متفرقة من «مذكرات النفى» التى كتبها الزعيم مصطفى النحاس بخط يده، هى مجرد نموذج لما تحويه هذه المذكرات من وقائع مهمة.

اليوم الأول 19 ديسمبر 1921... بداية الأحداث

عهد العنف والشدة والإرهاب
كانت النتيجة الحتمية لتأليف بعثة رسمية للمفاوضة ضد إرادة الأمة وسفرها إلى لندرا (لندن) على الرغم من الأمة، واستعمال وسائل القهر والخداع ضد الأمة لاختلاس ثقتها بالبعثة الرسمية، كانت نتيجة كل ذلك إطماع الإنجليز فى حكم مصر بالقوة؛ لذلك زادوا مطامعهم إلى أبعد من مدى ظاهر مشروع وأعلنوا بكل قوة بكل جرأة أن مصر لازمة لهم، وأنهم باقون فيها إلى الأبد، وتهددوها بإخضاعها بالقوة إن لم ترضخ لهم بالسلم، ودفعوا مشروع كرزون إلى عدلى رئيس البعثة الرسمية، فلم يسعه الإجابة عنه إلا بأنه لا يمكن أن يؤدى إلى اتفاق تقبله الأمة، فتخطوا البعثة ورجعوا إلى السلطان، فرفعوا إليه بواسطة مندوبهم السامى مشروع كرزون، ورد عدلى عليه ومذكرة من اللورد أللنبى معلنة نية الإنجليز نحو مصر وما عولوا عليه فى الحاضر والمستقبل، مهددين باستعمال الشدة لقمع ما سموه بالتهييج المبنى على التعصب.
عادت البعثة الرسمية إلى مصر وقوبلت أسوأ مقابلة، وقدمت تقريرا للسلطان لينا رخوا، دل على أن البعثة لم تعمل شيئا ولم تناضل عن حقوق مصر. وقدم عدلى استقالة الوزارة لأنه كما يقول لم يوفق إلى تحقيق برنامجه الذى أعلنه للأمة.
لم تعلن الاستقالة وحصلت مساعٍ لتأليف وزارة أخرى قبل إعلان الوزارة المستقيلة، وكانت المساعى متوجهة إلى إسناد الوزارة إلى بعض أعضاء الوزارة المستقيلة. وقد استمروا جميعا فى تأدية أعمالهم حتى تقبل الاستقالة.
قامت احتجاجات من مختلف الطبقات ضد تشكيل أية وزارة ما دامت مذكرة أللنبى موجودة لأن قبول الوزارة فى هذه الحالة معناه قبول السياسة الواردة فى هذه المذكرة والعمل على معاونة الأجنبى على تمكين حكمه فى البلاد.
ودعا سعد باشا زغلول وكيل الأمة الأمين ورئيس الوفد المصرى وجهاء القوم من مختلف الطبقات لاجتماع عام يعقد فى ليلة الجمعة 23 ديسمبر فى نادى «سيرو» بالقاهرة للنظر فى الأحوال الحاضرة.
فأصدر اللورد أللنبى فى 19 ديسمبر أمرا عسكريا بإلغاء هذا الاجتماع بحجة المحافظة على الأمن العام، فاحتج سعد باشا على هذا المنع، وتوالت الاحتجاجات كذلك فى جميع أنحاء القطر.


وفى 19 ديسمبر وصل الأستاذ مكرم إلى الإسكندرية قادما من لندرا بعد جهاده العظيم الذى أظهر به للرأى العام الإنجليزى حقيقة موقف البعثة الرسمية من الأمة المصرية، وأدى ذلك إلى فشل البعثة الرسمية فى مهمتها وعودتها خائبة. وقد استقبلته أنا وفخرى بك عبدالنور منتدبين من قبل الوفد، وتخلف عنا فتح الله باشا بركات ــ الذى كان منتدبا معنا ــ لانحراف صحته. وأقام له الطلبة حفلة شاى فى فندق ماجستيك تبودلت فيها الخطب الحماسية. وكذلك أقام له أعيان الإسكندرية وليمة عشاء فى فندق كلاردج تبودلت فيه أيضا الخطب السياسية الحماسية. وكانت روح الخطب مقاطعة الإنجليز إلى النهاية، وعدنا معه إلى القاهرة ظهر اليوم التالى، وكان استقباله فى جميع المحطات بالغا منهاه، وكان الهتاف لمصر ولسعد وزملائه ومكرم وللاستقلال والإضراب والمقاطعة للنهاية. وكان الاستقبال فى القاهرة يفوق الوصف، وكان فى انتظارنا بالمحطة أعضاء الوفد وفى مقدمتهم الرئيس الجليل، وكان الركب شائعا والاستقبال فخما على طول الطريق إلى بيت الأمة فكان هذا إعلانا حيا لقوة الروح المعنوية فى الأمة وتمسكها.. والتفافها حول رمز أمانيها ومن يلوذون به من زملائه المخلصين.
كان مكرم قد وعد فى خطبه السابقة بإذاعة أخبار المفاوضات بعد تقديم تقريره بها إلى الرئيس. وما كان للإنجليز ــ وقد قرروا استعمال الشدة ــ أن يمكنوه من ذلك. ففى نحو الساعة 11 صباح يوم الخميس 22 ديسمبر اتصل بعلم الرئيس أنه سيبلغ إليه اليوم أمر موجود الآن فى قلم المطبوعات بأن يبرح هو وأعضاء الوفد القاهرة إلى محال إقامتهم بالريف. فتذاكرنا فى الخطة التى يجب علينا اتخاذها عند وصول هذا الأمر إلينا وهى عدم إجابة هذا الأمر طوعا.
وقرب الظهر حضر إلى بيت الأمة المستر «تيل» وكيل الحكمدار، ومعه خطابات لكل من الرئيس وسينوت ومكرم وأنا من أعضاء الوفد، ولكل من فتح الله باشا بركات وعاطف بك بركات وصادق بك حنين وأمين أفندى عز العرب وجعفر بك فخرى من غير أعضاء الوفد، فتسلم كل من الحاضرين وقتئذ خطابه، وعاد وكيل الحكمدار بخطابات الباقين الذين لم يكونوا حاضرين، وهم: الأستاذ مكرم وصادق حنين وجعفر فخرى. وهذه الخطابات جميعها صادرة من الجنرال كلينتون مستشار وزارة الداخلية.

وهذه ترجمة خطاب الرئيس:
صاحب المعالى
أتشرف بأن أخبركم أنه بناء على تعليمات المارشال القائد العام أبلغ معاليكم الأمر الآتى:
سعد باشا زغلول ممنوع بهذا تحت الأحكام العرفية من إلقاء (ص 5) الخطب، ومن حضور اجتماعات عامة، ومن استقبال وفود، ومن الكتابة إلى الجرائد، ومن الاشتراك فى الشئون السياسية، وعليه أن يغادر القاهرة بلا توانٍ، وأن يقيم فى مسكنه بالريف تحت مراقبة مدير المديرية.
الإمضاء أللنبى ــ الوكالة البريطانية
القاهرة فى 21 ديسمبر سنة 1921
ولى الشرف أن أكون لمعاليكم الخادم المطيع
الإمضاء
كليتون بريجادر ــ جنرال
مستشار وزارة الداخلية

وهذه ترجمة الخطاب لكل من الباقين:
سيدى
بناء على تعليمات الفيلد مارشال القائد العام، أخبركم أنكم مأمورون بهذا تحت الأحكام العرفية أن تذهبوا بلا توانٍ إلى محل إقامتكم بالريف، وأن تتجنبوا كل عمل سياسى، كما أخبركم أنكم ستوضعون تحت مراقبة مدير المديرية التى ستقيمون فيها.
ولى الشرف يا سيدى أن أكون خادمكم المطيع.
الإمضاء
كليتون بريجادر ــ جنرال
مستشار وزارة الداخلية

اليوم الثانى الأحد 25 سبتمبر سنة 1921.. فى الطريق إلى المنفى..
قابلنا الرئيس فى الصباح، وكان سرورنا عظيما ومتبادلا، وقصصنا عليه حكايتنا، وقص علينا حكايته، ومن ضروب القسوة التى استعملها معه الإنجليز، أنهم أخذوه من منزله صباح يوم الجمعة 23 ديسمبر دون أن يعلموه بالجهة التى يأخذونه إليها، ودون أن يأخذ معه حوائجه ولا غذاء. ومع ذلك فإنهم قادوه مباشرة فى الأتوموبيل إلى الصحراء فى طريق السويس، ولم يرتبوا هم غذاء له أثناء الطريق، ولا غطاء يدفئة ضد البرد، حتى استعان بكوفية الضابط المرافق له عن أذى البرد نوعا ما. واستمروا فى الطريق سبع ساعات إلى أن وصلوا إلى معسكر السويس، وقد احتمل هذه المتاعب بصبر وجلد جديرين بالرجل العظيم، وألقى الله على قلبه الهدوء والسكينة، ووقاه شر الأذى. وبات ليلته فى خيمته ولم يكن عنده ملابس نوم، فبقى طول الليل مرتديا ملابسه التى كان مرتديها نهارا. ولم تصل له أمتعته وعبدالله سائق أتوموبيله الذى تطوع لخدمته إلا فى اليوم التالى بالقطار الذى وصل السويس فى المساء. وكان الذى عينوه لخدمته عسكريا لا يعرف شيئا من الفرنسية ولا العربية، وكان التفاهم معه مستحيلا إلا بالإشارة، فلما جاءه عبدالله وهو يعرف الإنجليزية فرج عنه.


تفسحنا معا فى الفناء المحيط بالخيام، وجلس الرئيس على مرتفع من الطين وجلسنا حوله، ومر بنا بعض الهنود الذين هم فى هذا المعسكر، لأنه خاص بالهنود، واسمه المعسكر الهندى، أظهر واحد منهم عطفا علينا، وميلا إلينا، وقدم السجائر لنا، وجاء غيره، وكنا نحن نتحاشى الاسترسال معهم، وإذا بالصاغ أمبروز (القائم بأعمال القيادة العامة للمعسكر) قد حضر وطلب إلينا أن لا نبتعد عن الخيام.
اليوم الثالث.. الأربعاء 5 يولية 1922.. بعد ستة أشهر فى المنفى..

وصلت الجرائد لغاية 12 يونيو، وبعض الخطابات لغاية الأسبوع الأول من يونيو، وآخر خطابات وصلتنى لغاية 3 يونيو، مما سرنى فيها تحسن صحة والدتى، التى أمكنها أن تمشى فى البيت كيف شاءت.
تصفحنا الجرائد على عجل، وأهم ما فيها تقرير لجنة الدستور الفرعية، تعليقا على مشروع الدستور الذى قدمته اللجنة الكاملة، ومن أعظم المصائب أن هذه اللجنة صرفت كل همها فى انتقاص حقوق الأمة وإعطائها للسلطة التنفيذية، حتى أنها قلبت مسئولية الوزارة إلى مسئولية البرلمان، فالمجلس الذى يبدى عدم ثقته بالوزارة يكون عرضه لأن يحله الملك، ولا يحدد القانون ميعادا لانتخاب غيره فيه.. إلخ إلخ. ولكن الأمة منتبهة، فقد حصل اجتماع حافل بالمنصورة تقرر فيه إبداء التعديلات الواجب إدخالها على القانون، واجتمع جميع أعضاء مجلس مديرية البحيرة ووقعوا على قرار بهذا المعنى، واحتجوا فيه على عدم تمكين المدير لهم من الاجتماع رسميا رغم طلبهم القانونى.
على أن الوزارة لاتزال تضرب بيد من حديد على المعارضة، حتى إنها صادرت نقدا على مشروع لجنة الدستور بقلم عبدالقادر حمزة بعد إعداده للطبع. وحتى أنها حظرت على الجرائد ذكر اسم زملاء سعد فى المنفى وأعضاء الوفد بمصر، والتنويه إلى شىء من أعمالهم، بقطع النظر عن القضاء على حرية الاجتماع، ولكنها كلما زادت شدة انفض أنصارها من حولها، واتحدت كلمة الأمة التى تطلب استقلالا صحيحا، لا عبودية مشروعة.
وكتب مكرم تلغرافا لوالده يبدى فيه قلقه من عدم تسلمه خطابات منه، ويسأل عن صحة العائلة، وسلمه لفتح الله لتوصيله صباح الغد.
اليوم الرابع.. الجمعة أول ديسمبر سنة 1922.. أخبار من لندن..

ورد فى تلغرافات رويتر من لندن بتاريخ 29 نوفمبر الساعة 2:55 بعد الظهر من القاهرة أن وزارة ثروت باشا استقالت بناء على عداء المعارضة، التى ترغب فى تكوين وزارة جديدة لنهو مسائل مثل إلغاء الأحكام العرفية ومثل السيادة المصرية على السودان.
فلم يبق فى الأمر شك من أن الوزارة استقالت تحت ضغط الرأى العام، وإن السياسة العامة نحو مصر ستأخذ مجرى آخر.
وقد قرأنا فى جريدة الديلى هرالد الصادرة بتاريخ 26 أكتوبر البرنامج الرسمى لحزب العمال الذى أعلنوه للأمة إبان الانتخابات العامة (بيانا) لسياستهم التى يجرون عليها بعد الانتخابات، وفيه عن السياسة الخارجية: الاعتراف باستقلال مصر الحقيقى، والحكومة الذاتية للهند، والتصديق على معاهدة أيرلندا. وقد كانت نتيجة الانتخابات أن صار حزب العمال المعارضة الرسمى، وإن نوابهم يمثلون 4.356.000 منتخب، فيكون هذا العدد العظيم فى إنجلترا من صفنا فى الاعتراف باستقلالنا الحقيقى، لا الاستقلال الوهمى الذى كان نتيجة لخداع الثروتيين«نسبة إلى عبدالخالق ثروت» العدليين«نسبة إلى عدلى يكن». وقد قضى على سياستهم الآن بسقوط وزارة ثروت التى كانت فى الواقع استمرارا لوزارة عدلى. نرجو الله أن يمدنا بعونه ويلحظنا برعايته حتى ننال حقوقنا كاملة، وتتعهدها الأمة بما يصونها من كل عبث ويأتى بثمرتها الطيبة إن شاء الله.
اليوم الخامس.. الخميس 15 فبراير 1923.. تلغراف يبعث على التفاؤل..
ورد التلغراف الآتى: القاهرة فى 14 فبراير الساعة 2:40 مساء

بركات باشا بماهى سيشيل
إن اجتماع الأمس المؤلف من مندوبى جميع المديريات والطبقات بمناسبة استقالة وزارة نسيم على أثر التهديدات البريطانية بخصوص حذف مواد السودان من الدستور قرر ما يأتى:
أولا: أن السودان ومصر كل لا يتجزأ، ويجب النص على ذلك فى الدستور.
ثانيا: أن الأمة تعارض فى تأليف أية وزارة تحت الحكم العرفى أو قبل عودة المنفيين وإطلاق سراح المسجونين من الزعماء المصريين.
ثالثا: الاحتجاج بشدة على التهديدات البريطانية الموجهة إلى العرش والوزارة بخصوص السودان، وعلى حكم الإرهاب الذى تستمر بريطانيا فى فرضه على مصر.
رابعا: ابدأ الإجلال والولاء لزغلول العظيم وزملائه النبلاء.
عن الوفد
المصرى السعدى

كشف لنا هذا التلغراف عن المعمى بخصوص الحالة فى مصر، ودل على أن استقالة نسيم كانت استقالة شريفة لمصلحة البلاد، فلم يجار اللنبى فى مطامعه على السودان، وأراد بالنص فى الدستور على المحافظة فعلا على حقوق مصر فى السودان، فلم يرق ذلك فى نظر السياسة الجشعة البريطانية، وكان ما كان من تهديد الوزارة والعرش، فاستقال نسيم، ولابد تكون الحالة الآن حرجة فى مصر، ونحن فى انتظار التطورات عن بعد بقدر ما يسمح الرقيب بتوصيله إلينا.
رعى الله مصر كنانته فى أرضه بعين عنايته ونجاها من هذه الأزمات فائزة منصورة.
أرسل مكرم تلغرافا بتاريخ الغد لخطيبته بما يأتى:
«خطاباك الرقيقان حركا قلبى فرحا ومحبة، وكان لهما فى نفس مصطفى حسن الأثر. محبة منا جميعا للوالد وللعائلة وإنى أقبلك.. مكرم».
وأرسل سينوت تلغرافا لوالدته بما يأتى:

«إنى سعيد بصحتكم جميعا، محبة للجميع وأقبلك».
وأرسل لأخيه راغب أيضا التلغراف الآتى:
«لم يصلنى منك خطابات منذ مدة، أفدنى تلغرافيا بالصحة، محبة للجميع».
ورد لمكرم خطاب من فرلوز بأنه وصله إخطار البنك الهندى ببومباى بتسلم خمسين جنيها لاسمه، وأن المبلغ أودع فى الخزينة، ويصرف إليه بواقع خمسمائة روبية كل شهر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved