التهجير والمصلحة العامة: حرب الكل ضد الكل
آخر تحديث: الأحد 23 سبتمبر 2012 - 11:10 ص بتوقيت القاهرة
كتب ــ أمير زكى:
هل التهجير حق تملكه الدولة لأنها ترى الأفضل لشعبها، أم أن الأمر يستحق نقاشا مع المواطنين كما تقتضى الأعراف الدولية؟ وحتى لو كان التهجير حقا للسلطة، فهل نثق فى أن السلطة الحالية تدرك الصواب وتسير عليه أم أن قراراتها مرتبكة كما تكرر كثيرا فى تاريخ البلد؟ دولة الستينيات ذات المشروع القومى، كانت على وشك بناء حلم من أحلام المصريين آنذاك وهو السد العالى، ولكن بناء السد كان يحتاج الكثير من التضحية، وكان على أهل النوبة أن يقوموا بهذه التضحية من أجل مصر كلها...
أهالى النوبة اعتادوا على التضحية من أجل مصر، ربما بداية من 1902 حين بنى سد أسوان وكانت تعليته تتم على حساب مساحات من أرض النوبة، مما أدى إلى تهجير سكانها. السد العالى كان حلما وطنيا وتعبيرا عن السيادة واستقلال مصر فى مواجهة الغرب، لذلك فرغم أن التضحية كانت كبيرة إلا أن أحدا لم يلتفت لتلك المجموعة التى تركت أرضها وهُجّرت فى سبيل خدمة التوجه الرئيسى للوطن آنذاك. يذكر صقر عبدالصادق هلال، فى مقال منشور له بمدونة «اتحاد شباب النوبة الديمقراطى»، أن الاحتفاء بالسد العالى والغناء له ثم الاهتمام بعملية نقل معبد أبوسمبل ابتلعت كل الكلام فى وقتها.
تهجير النوبيين من أجل مشروع وطنى لم ينه الجدل حول حقوقهم ورغبتهم فى العودة، من هنا يمكن أن نفكر: هل من حق الدولة أن تجعل الفرد يتنازل عن جزء من حريته مقابل أن تسير فى طريقها الصاعد كما تراه من وجهة نظرها؟ أم من حق الفرد أن يقاوم هذه الرغبة من الدولة فى أن تجعله يتنازل لصالحها؟ هذا التساؤل له صدى فى إشكالية فلسفية قديمة نسبيا، إذ يرى الفيلسوف الانجليزى توماس هوبز الذى عاش فى القرن السابع عشر والذى يعتبر من المنظرين للعقد الاجتماعى أن وجود الحكومة هو الذى يحفظ الإنسان من الفوضى أو ما يمكن أن يُسمى «حرب الكل ضد الكل». فى هذه الحالة يضطر الفرد أن يتنازل عن أجزاء من حقوقه لصالح الدولة لتقوم بحمايته ورعايته. ويصور توماس هوبز الدولة على أنها التنين «اللوياثان» الذى يضم كل المواطنين فى جسد واحد، هذا الكل هو الذى يحمى المواطنين. ويضيف أن الغالبية العظمى تكون قد وافقت على هذا النوع من العقد الاجتماعى الذى يجب طاعته، وإذا حاول أحدهم التمرد على هذا السياق فمن حق الآخرين تحطيمه.
هوبز تحدث عن السلطة المطلقة للحاكم أو الدولة، مما أعطى انطباعا أنه من منظرى الفكر الفاشى، الذى يسير فى سياق «السلطة المطلقة على حساب الفرد»، رغم ميل هوبز للسلام الاجتماعى لا الحرب كالفكر الفاشى.
الإنجليزى جون لوك الذى عاش فى القرن السابع عشر أيضا يعترض على آراء هوبز، فالفرد عند لوك لديه الحق فى الحياة وفى المِلكية، والعقد الاجتماعى علاقة تشارك وهدفه صيانة الحقوق الاجتماعية كالملكية والحرية لا التنازل عن مثل هذه الحقوق لصالح الحاكم الذى يرى ما هو الأنسب.
منظر العقد الاجتماعى الفرنسى جان جاك روسو والذى عاش فى القرن الثامن عشر مال أيضا للمشاركة بين أفراد المجتمع أكثر من التسليم التام الذى تحدث عنه توماس هوبز، فالعقد الاجتماعى عند روسو هو أمر يتشارك فيه جميع المواطنين، وبالتالى فمن حق المواطن أن يحصل على الحماية التى توفرها له الدولة فى حين يظل كما هو حر تماما، كما خلقته الطبيعة.
من هذا المنطلق يجب أن ننظر إلى أزمات التهجير فى مصر التى ضمت حالة كبرى فى الستينيات، ثم أصبحت شائعة فى بداية القرن الحادى والعشرين.