مئوية الأستاذ.. كيف روى هيكل تجربته في تغطية الحرب العالمية الثانية؟
آخر تحديث: السبت 23 سبتمبر 2023 - 10:38 ص بتوقيت القاهرة
محمد حسين
رغم مرور 100 عام على ميلاد الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، إلا أن ذكره وحضوره لا يغيب، كواحد من ألمع الأسماء في تاريخ الصحافة العربية على امتداد تاريخها.
ولد هيكل في 23 سبتمبر 1923 لأسرة من الطبقة المتوسطة، حيث كان الجد والوالد يعملان في الحبوب والغلال بحي الحسين العريق.
وجاءت أولى خطوات هيكل الصحفية مع "إجيبشيان جازيت"، التي كانت تصدر باللغة بالإنجليزية، وتوزع في مصر على نطاق واسع، وكان وقتها الشارع المصري متلهفا لمتابعة مستجدات الحرب العالمية الثانية.
واعتبر هيكل "الجازيت" هي فترة التكوين المهني، وأول مغامراته في مهنة البحث عن المتاعب، وروى تفاصيل التجربة من خلال صفحات كتابه "بين الصحافة والسياسة".
- سكوت واطسون.. الأستاذ الأول
ويقول هيكل: "قضيت فترة التكوين المهني الأولي (1942 ـ 1944) في جريدة "الاجيبشيان جازيت"، وكانت وقتها أكبر الصحف الأجنبية التي تصدر في مصر عن شركة الإعلانات الشرقية التي تملكها أسرة "فيني"، وكان التحاقي للتدريب بها فرصة أتاحها لي ولـ3 غيري من الشباب الناشئ واحد من أهم محرريها وهو سكوت واطسون".
وتابع: "بينما كنا جالسين أمامه في محاضرة عن عناصر الخبر، وإذا به يتطرق من موضوع محاضراته إلى ذكرياته أيام كان مراسلاً في الحرب الأهلية الإسبانية".
وأكمل: "كنا نستمع إليه في انبهار وشبه خشوع، فلقد طاف بنا فيما يشبه الملحمة بين تضاريس ومعالم تلك الحرب التي انقسمت أوروبا بسببها بين الفاشية والديمقراطية، وحين ختم محاضرته كانت دعوته لمن يريد منا أن يتدرب عمليا أن يلقاه في اليوم التالي بمكتبه في الإجيبشيان جازيت".
- للمرة الأولى.. داخل مطبخ الصحافة
وواصل: "وفي اليوم التالي وقبل أن يصل هو إلى مكتبه، كنا نحن الـ4 قد سبقناه إليه ننتظر، وهكذا وجدت نفسي في جو الصحافة العملية لأول مرة أعمل بين رجلين كان لهما تأثيرا واضحا على نشأتي الصحفية الأولى، سكوت واطسون وكان إلى جانب كفاءته المهنية مثقفاً يسارياً صاغته تجربة الحرب الأهلية في إسبانيا بكل عناصرها الفكرية والإنسانية العظيمة، ثم هارولد إيرل رئيس تحرير الجازيت، وكان صحفياً كلاسيكياً قديراً يعمل في نفس الوقت مراسلاً لجريدة المانشستر جارديان في مصر".
- من مستعد للمخاطرة؟
وبعد قرابة سنة من العمل في قسم الحوادث، جاءنا هارولد إيرل باقتراح مثير، دعانا إلى مكتبه يوماً يقول لنا إن هناك حربا تجري على أرض مصر، ومع ذلك فإن أحداً لم يصفها بعين مصرية ولم يكتبها بقلم مصري، ثم سألنا هل فينا من هو مستعد للمخاطرة في تجربة جديدة وعلى مسئوليته وحده؟.
وقال: "تحمست للتجربة، وكنت متأثراً آنذاك بواطسون وتجربته في الحرب الأهلية الإسبانية، وبعد شهر وجدتني في العلمين شاهداً مصرياً على الحرب العظمى الثانية، وأعترف أن تجربة العمل كمراسل حربي قد استهوتني".
- العلمين: ذورة المأساة الإنسانية
ووصف تقييمه للتجربة، بقوله: "أثناء عملي في قسم الحوادث بدت لي الجريمة وكأنها ذروة المأساة الإنسانية على مستوى الفرد، فعندما يعجز شخص عن حل تناقضاته مع الآخرين بالعقل فإنه يلجأ للعنف".
وفي تجربتي الجديدة بدت لي الحرب وكأنها ذروة المأساة الإنسانية على مستوى الشعوب والأمم، وعندما يعجز مجتمع عن إدارة صراعاته بالعقل مع مجتمعات أخرى غيره يكون اتجاهه إلى القوة.
وأحسست ـ بخيال الشاب وقتها ـ أن الظروف أتاحت لي أن ألمس بأطراف أصابعي مأساة الإنسان والإنسانية، وكان أجواء القاهرة آنذاك معجزة من معجزات التاريخ التي لا تتكرر بسهولة.
وكان البحر الأبيض هو بؤرة الحرب، وأصبحت القاهرة عاصمة الحرب وعاصمة العالم، وكانت كل عواصم الشمال الكبرى في أوروبا ـ لندن وباريس وروما وغيرها ـ مكشوفة لحريق القنابل أو مكبوتة بظلام الاحتلال، بينما كانت القاهرة وحدها في مركز فريد قريبة من بركان الحرب بدرجة كافية وبعيدة في نفس الوقت عنه بدرجة كافية، وأصبحت ملتقى النخب من كل نوع: قادة الحرب في السياسة، وفي ميادين القتال يعيدون بقراراتهم كتابة المقادير، صحفيون ومراسلون رفعتهم الكلمة إلى مصاف النجوم.