وزير الخارجية السابق نبيل فهمي يكتب عن: التحرك الفلسطينى بعد إعلان «صفقة القرن»

آخر تحديث: الإثنين 24 فبراير 2020 - 10:49 م بتوقيت القاهرة

مسار حل الدولتين وصل إلى مفترق طرق تاريخى... ولا بد من دبلوماسية نشطة وقوية

سبق أن أعلنتُ أننى لا أرى أن (صفقة القرن)، التى طرحها دونالد ترمب من البيت الأبيض، تشكل أساسا مقبولا لحل النزاع الفلسطينى الإسرائيلى، ليس للأسلوب الفج والمنحاز الذى أُعلنت به بحضور إسرائيلى وغياب فلسطينى فحسب، إنما لأنها أُسست على أن الواقعية السياسية والعسكرية التى تخدم الواقع الإسرائيلى المحتل تجب الشرعية الدولية كأساس للحل، حتى عندما تتعارض مع كل قواعد القانون الدولى، ما يجعل من المُستبعد التوصل إلى اتفاق يُلبى حتى الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، ويهدم فى الوقت نفسه كل أسس عملية السلام العربية الإسرائيلية، وينسف الأرضية للمفاوضات مستقبلا إذا تهيأت الظروف مرة أخرى بعد الانتخابات الإسرائيلية، وإذا نجح الطرف الفلسطينى فى توحيد صفوفه داخليا من أجل الوصول إلى السلام بإقامة دولتين: إسرائيلية وفلسطينية.

وليس من المبالغة أو التهويل القول إن منهجية الصفقة المقترحة، وأسلوب الكشف عنها، والاستهزاء الشديد والمقصود بالجانب الفلسطينى قبل وبعد إعلان الصفقة، تثير تساؤلات حول أن الغرض الحقيقى من كل ذلك لم يكن الضغط على الجانب الفلسطينى للتماشى مع الطرح، إنما لضمان رفضه المبادرة، والإيحاء بأنه متعنت، وأن لا جدوى من استمرار السعى لحل الدولتين، وهو ما يفتح الباب لإسرائيل لاتخاذ مزيدٍ من الإجراءات الأحادية بالضم الرسمى للأراضى العربية المحتلة، وتحديدا فى الضفة الغربية والجولان.

وأعتقدُ أن مسار حل الدولتين وصل إلى مفترق طرق تاريخى، وعلى الجانب الفلسطينى التحرك بدبلوماسية نشطة وقوية ووعى وشجاعة كاملة إزاء كل ذلك، خصوصا بعد أن رفض كل من جامعة الدول العربية والجانب الفلسطينى الصفقة المطروحة، وأيد كلاهما التفاوض على الأسس المشروعة كأفضل سبيل لحل النزاع العربى الإسرائيلى سلميا.

ويجب أن يكون للفلسطينيين ثلاثة أهداف رئيسة، هى: عدم تغير أسس عملية السلام العربية الرئيسة، والتصدى لاتخاذ إسرائيل خطوات أحادية على الأراضى الفلسطينية، والاستعداد لما هو مُقبل فى ظل تآكل فرص تحقيق السلام الفلسطينى الإسرائيلى على أساس حل الدولتين.

وفى هذا السياق والانتخابات الإسرائيلية والأمريكية على الأبواب، وبصرف النظر عن نتائج تلك الانتخابات، يجب عدم ترك «مشروع صفقة القرن» كآخر البدائل والاقتراحات المطروحة للتعامل مع هذه القضية، حتى لا يشكل هذا الطرح وحده نقطة انطلاق للنقاش بعد انتهاء الموسم الانتخابى فى البلدين.

وعلى الجانب الفلسطينى أن يطرح مبادرة تفاوضية تكون برعاية الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمم، تحمل فى طياتها قدرا أكبر من التفصيل، فى ما يتعلق بالقضايا الرئيسة التى انصبت عليها غالبية الجولات التفاوضية الفلسطينية الإسرائيلية السابقة، والموجودة كذلك، لكن مبتورة، فى صفقة القرن بما يتماشى مع الرؤية الإسرائيلية فقط، ألا وهى حدود الدولة الفلسطينية بما فى ذلك ما يمكن أن تشمله من تبادل جزئى للأراضى أو تعديلات بسيطة بالحدود لتوحيد القرى، والصيغة الملائمة للقدس الشرقية، وليس فقط التمسك بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وكذلك ما يتعلق بحرية العبادة لكل الأديان، وترتيبات التعاون بينهم والإسرائيليين لضمان ذلك، وعناصر «الحل العادل المُتفق عليه» لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بما فى ذلك مسئولية إسرائيلية، وضرورات التعاون الدولى، وأيضا التصور الفلسطينى لطموحاته الأمنية ومدى استعداده للتعاون، وقد سبق له أن أعلن أنها محدودة، لتفنيد الحجج الإسرائيلية المُبالغ فيها عن حاجاتها الأمنية.

وسبق أن نوقش كل هذه العناصر بين القيادات الفلسطينية والإسرائيلية، وموجودة بشكل عام فى إطار المبادرة العربية، أى أن الفكرة هى بلورة المبادرة العربية بقدر أكبر من التفصيل، لتكون طرحا جديدا، ينبنى على الشرعية الدولية، ويحترم الحقوق الفلسطينية، ومن الطبيعى أن يحظى هذا الطرح بتأييد عربى ودولى، خصوصا فى ظل النقاش الدائر بأوروبا حاليا.

ولا مانع كدعم للحق التفاوضى الفلسطينى فى ضوء التطورات الأخيرة أن تعلن السلطة الفلسطينية فى الوقت نفسه قيام دولة فلسطينية تحت الاحتلال على أساس حدود 1967، وهو ما يتفق مع حل الدولتين المُعترف به دوليا، الذى ادعت الولايات المتحدة وإسرائيل فى الطرح الأخير أنها تؤيده، وعبارة «على أساس حدود 1967» تتفق مع الموقف الدولى، ولا تغلق الباب أمام بعض التعديلات الحدودية المحدودة من خلال التفاوض.

وبالتوازى مع هذا، من المفيد أن ينشط الجانب الفلسطينى فى التصدى بالمحافل الدولية لأى خروقات إسرائيلية للقانون الدولى وحقوق الإنسان، وجاء موقف مجلس حقوق الإنسان ووضع قائمة سوداء بالشركات التى تستغل الأراضى الفلسطينية المحتلة فى صالح الفلسطينيين.

تساعد هذه الخطوات فى حماية أسس عملية السلام للتفاوض، واحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، لكن لا توجد ضمانات لنجاحها، أو حتى تحقيق تقدم على المدى القصير، فالتحديات والعقبات كبيرة وكثيرة، خصوصا إذا انتهت الانتخابات الأميركية والإسرائيلية لصالح مؤيدى (صفقة القرن)، وهو احتمالٌ قائمٌ بالفعل.

كما أن استمرار تآكل الاحترام الدولى لأسس عملية السلام قائم، ومواصلة إسرائيل تغيير الأوضاع على الأرض، وفرض الأمر الواقع غير مستبعد على الإطلاق، ما سيقضى على إمكانية إقامة دولة فلسطينية متواصلة الأراضى وصاحبة السيادة، ليصبح «واقع الدولة الواحدة الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة» البديل العملى الوحيد.

وعلى الفلسطينيين بدء التعامل مع هذا الاحتمال غير المستبعد، الذى أصبح أكثر ترجحا، ما يتطلب نفسا طويلا وطرحا فلسطينيا مختلفا، ينصب على إثارة مسألة ضرورة احترام وضمان الحقوق المتساوية لكل مواطنى الدولة الواحدة، ويتطلب التوسعَين الفلسطينى والعربى فى الاتصال والاهتمام بمواطنى إسرائيل ذوى الأصل العربى، وطرح قضايا حقوقهم المتساوية فى مختلف المحافل، باستخدام كل الوسائل السلمية السياسية والاقتصادية والصناعية والإعلامية لتحقيق ذلك.

مسيرة شاقة وطويلة، على غرار ما جرى فى جنوب أفريقيا، لكن يجب الاستعداد لها إذا لم يكن هناك سبيل لضمان الحقوق الفلسطينية الوطنية المشروعة على المدى القصير.

حل الدولتين على مشارف النفسَ الأخير، إن لم يكن انتهى، والدولة الواحدة ربما تكون الواقع الوحيد المُبتغى، واقعٌ لا يلبى طلبات أى من الطرفين، وينبئ بامتداد النزاع إلى أجيال قادمة، وتركيزه عمليا على ضمان الحقوق المتساوية بين الشعوب بهُوية وطنية مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved