وزير التعليم السابق الهلالي الشربيني يكتب: إصلاح التعليم وإقامة مجتمع المعرفة (1-2)

آخر تحديث: الإثنين 24 فبراير 2020 - 10:48 م بتوقيت القاهرة

يواجه التعليم فى مصر منذ عدة عقود تحديات كثيرة، تتعلق بالأبنية، والمناهج، والإدارة، والكتاب، والامتحانات، والتقويم، وإعداد المعلم وتدريبه قبل الخدمة وفى أثنائها.

وعلى الرغم مما تبذله وزارة التعليم من جهود وما ينفقه أولياء الأمور على الدروس الخصوصية وغيرها من أموال، فإن المحصلة النهائية غالبا ما تأتى ضعيفة، نظرا لوجود مدارس كثيرة غير مؤهلة فى مواجهة ثورة فى المعلومات والاتصالات، وانتشار مجتمعات المعرفة وما تنتجه من تقنيات للتدريس، وأساليب للقياس والتقويم، ومداخل فى الإدارة والقيادة والمنافسة.

وتتمثل مجتمعات المعرفة فى تلك المجتمعات التى تتوافر فيها إمكانات مادية وبشرية تمكنها من تصميم نماذج للمعرفة تساعد على خلق قيم جديدة، ولا تتوقف عند مجرد تحقيق قيم مضافة لدى الأفراد والمجتمعات.

لقد أضحت المعرفة بفعل ثورة الاتصالات العنصر الفاعل فى كل مناحى الحياة، الأمر الذى أفرز معه اكتشافات هائلة أحدثت تحولات جذرية فى طبيعة كثير من المجتمعات، وتحويل المعرفة إلى رهان جوهرى فى إحداث التنمية الإنسانية، وعليه فإن أى إصلاح تعليمى لابد أن ينتهى بإقامة مجتمعات للمعرفة، نظرا لوجود قناعة دولية أن التحول إلى هذه المجتمعات يعد السبيل لإحداث تنمية إنسانية شاملة، ومواجهة حدة المنافسة المبنية على امتلاك رأس المال المعرفى، وبناء اقتصاد قائم على المعرفة وقادر على المنافسة، هذا بالإضافة إلى زيادة أهمية رأس المال المعرفى فى نمو الاقتصاد وتراكم الثروات والارتقاء بمستوى معيشة الناس.

لقد أدى التطور الشرس للعولمة إلى توظيف المعرفة فى أنواع جديدة من الحروب وفى كل مناحى الحياة، حتى صارت تجارة المعرفة هى التجارة الرابحة، وبات التجار الأكثر حظا فى العالم هم تجار المعلومات.

والأسئلة التى تطرح نفسها هنا:
ماذا سيحدث لو أن نظامنا التعليمى تخلف أكثر من ذلك عن الدخول فى مجتمع المعرفة؟!!، وكيف سنتعامل مع التنافسية الدولية، وقضايا الأمن القومى العربى التى أصبحت على المحك فى ظل تراجع المشروع العربى فى التعليم والبحث العلمى مقابل المشاريع الإقليمية للدول غير العربية مثل إيران وتركيا وإسرائيل؟!، وكيف سنتعامل أيضا مع نواتج التطبيق العملى لمبادىء اتفاقية التجارة العالمية على الخدمات وفى مقدمتها التعليم والبحث العلمى ؟!!

الواقع أن هناك اعترافا على المستوى الرسمى والشعبى بحاجة التعليم إلى إصلاح، كما يوجد هناك اعتراف أيضا أن إصلاح حال المعلم من حيث الإعداد العلمى، والتربوى، والاهتمام به ماديا، واجتماعيا، ومعنويا، يأتى على رأس هذا الإصلاح انطلاقا من نتائج دراسات علمية مؤداها أن نجاح العملية التعليمية يعتمد بنسبة تفوق 50% على المعلم وحده وتتوزع النسبة المتبقية على المناهج، والإدارة، والأنشطة، والتقويم، والامتحانات، وغيرها.

وعلى الرغم من الاعتراف بالدور المهم للمعلم فإننا فى الواقع ما زلنا نهمله ولا نوفيه حقه ولا نثق فيه، ونحمله مسئولية تدهور العملية التعليمية، بل والتربوية أيضا، وهكذا الحال منذ عقود، الدولة تتظاهر بأنها تحترم المعلم وتقدر دوره وتوفيه حقوقه المادية والمعنوية، والمعلمون بدورهم يتظاهرون بأنهم يؤدون دورهم بأمانة وشرف ونزاهة.

إن التحول إلى مجتمع المعرفة فى كل مكونات النظام لتعليمى صار أمرا حتميا لحماية أمننا القومى، وهذا الأمر يتطلب الاهتمام برأس المال المعرفى والاعتماد عليه انطلاقا من سيادة مبدأ (المعرفة فى يد الكثرة ) وليس( الأموال فى يد القلة)، وإطلاق حرية التعبير، ونشر التعليم والارتقاء بنوعيته، وتوطين التكنولوجيا،، هذا بالإضافة إلى إقامة نموذج معرفى منفتح على الثقافات الأخرى ومستنير يعتمد على صحيح الدين ويبتعد عن الخرافات والخزعبلات وتوظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية وتخريبية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved