بوريس جونسون.. دجال أم سياسي سلطة عبقري؟

آخر تحديث: الأربعاء 24 يوليه 2019 - 6:28 ص بتوقيت القاهرة

لندن - (د ب أ)

"ضئيلة للغاية"، هذا ما قاله بوريس جونسون ردا على صحفي هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، عندما سأله عن فرص توليه منصب رئيس الوزراء، مغلفا رده ببسمة خبيثة. 

ولكن هناك الكثير من الشواهد على أن جونسون كان يعمل منذ وقت طويل على تولي هذا المنصب. 

قاد جونسون قبل ثلاث سنوات حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قبل الاستفتاء. 
يعتقد الكثيرون أنه هو الذي ساعد بشهرته مؤيدي الخروج في فوزهم، الذي كان بنسبة ضئيلة. 

والآن حقق جونسون/55 عاما/ هدفه.

ساعد وزير الخارجية البريطاني وعمدة لندن، سابقا، بقوة في إسقاط تيريزا ماي، التي كانت تتولى رئاسة الوزراء. 

أما هي فكانت قد عينته عام 2016، لتولي حقيبة الخارجية في مجلس وزرائها، وذلك بعد أن اضطر لدفن طموحاته مؤقتا. 

ثم تخلص جونسون صيف 2018 من هذا الطوق، استقال من منصبه الوزاري وبدأ منذ ذلك الحين يكتب عمودا لصحيفة "تليجراف" يعترض فيه على خطط ماي الخاصة بالخروج. 

بعد أن فشلت ماي مطلع العام الجاري ثلاث مرات، في إقناع البرلمان بخططها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبعد أن أفرزت انتخابات البرلمان الأوروبي حزب بريكست بقيادة نايجل فاراج، كأقوى حزب في بريطانيا، رأى جونسون أن ساعته قد حانت، حيث اضطرت ماي للاستقالة، وأصبح الكثيرون يعتقدون أن جونسون قادر على امتصاص غضب الناخبين الذين أصيبوا بخيبة الأمل بعد أن أيدوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذين بدأوا يديرون ظهورهم للمحافظين بسبب إرجائهم الخروج حتى أواخر تشرين أول/أكتوبر المقبل.

تجاوز جونسون أول عقبة في هذه الرياح الهوجاء، وهي الانتخابات التمهيدية التي خاضها المرشحون داخل الكتلة البرلمانية لحزب المحافظين، الذي كان متشككا في السابق، ثم أصبح جونسون شبه واثق من الفوز في الجولة الأخيرة، وهي الجولة التي تكون الكلمة الأخيرة فيها لأعضاء الحزب، حيث كان جونسون محبوبا دائما من القاعدة الحزبية.

ربما كان السبب وراء ذلك هو أن جونسون يقدم نفسه على أنه شخص لا يتردد في قول الحقيقة، حتى وإن اضطره ذلك لذكر حقائق غير مريحة. 

ولكن الحقيقة، حسبما يرى بعض رفاقه القدامى، هي أنه شخص لا يمثل آراء شخصية له، بل يقدم نفسه على أنه مساحة عرض لكل من يبدو داعما له في طريقه للصعود. 

وهكذا، ليس من الواضح حتى اليوم تماما ما إذا كان جونسون أراد الخروج حقا.

وعد جونسون المتشددين من داعمي الخروج من المحافظين الخروج بأي حال من الأحوال من الاتحاد الأوروبي في 31 تشرين أول/أكتوبر المقبل، سواء باتفاقية أو بدون. 

ورغم ذلك فإن الكثير من نواب البريطانيين المؤيدين لأوروبا، والذين يمكن أن يثقوا في سياسي مثل جونسون، يعلقون عليه آمالهم في إحداث تحول، بل وربما الدعوة لاستفتاء ثان، إذا بدى ذلك في مصلحته.

ولكن من الجائز التشكيك فيما إذا كان لدى جونسون فعلا خطة لحل ورطة الخروج، حيث إنه لا يكترث بقواعد أو تفاصيل. 

اعتاد جونسون على القفز فوق هذه القواعد والتفاصيل من خلال الظرافة والفكاهة، وهي الاستراتيجية التي جاءت به إلى أرفع منصب سياسي في بريطانيا. 

ولكن من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الظرافة ستعود عليه بالنجاح في بروكسل وغيرها من العواصم الأوروبية.

اعتاد جونسون ترديد المثال الشعبي:"لا يمكنك تناول الكعكة والاحتفاظ بها في نفس الوقت" وهو المثال الذي تصرف جونسون بعكس معناه، حيث كان يرى أنه من الممكن فعلا تناول كعكة والاحتفاظ بها، في نفس الوقت. 

وبسحب ذلك على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإن جونسون يرى أنه من الممكن أن تخرج بريطانيا وتطرح عن كاهلها التزاماتها تجاه الاتحاد، مع الاحتفاظ في الوقت ذاته بمميزات البقاء داخل الاتحاد. 

وبهذا المعنى يسعى جونسون الآن لإعادة التفاوض بشأن الخروج، ولكن ليست هناك مؤشرات على أنه سينجح بهذه الرؤية.

ربما لا يدرك جونسون أنه يردد أباطيل، ولكنه لم يأبه أبدا لقول الحقيقة. 

من بين تصريحاته الكاذبة الأشهر، والتي أطلقها خلال معركة البريكست، زعمه أن لندن تحول لبروكسل 350 مليون جنيه استرليني أسبوعيا (ما يعادل نحو 390 مليون يورو)، وأن هذا المبلغ سيحول، في حالة خروج بريطانيا، إلى الخدمات الصحية في بريطانيا. 

بل إنه أمر بطبع هذه الرسالة على حافلة حمراء تجول بها في أرجاء بريطانيا.

غير أن جونسون أخفى حقيقة أن بريطانيا تسترد جزاء غير يسير من هذه الأموال من الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال من أجل القطاع الزراعي. 

اضطر رئيس هيئة الإحصاء البريطانية، بسبب هذا التصريح، لاتهام جونسون بإساءة استخدام الإحصائيات الرسمية، وفشلت دعواه الشخصية التي حركها ضد جونسون.

فقد جونسون أول وظيفة له، والتي كانت لدى صحيفة "ذا تايمز" المرموقة، وذلك لأنه تعمد تزوير اقتباس ما. 

غير أن صحيفة "ذا تليجراف" المنافسة، فتحت له أحضانها، وأرسلته إلى بروكسل، ومن هناك كتب أخبارا لا حصر لها، يصور فيها الاتحاد الأوروبي على أنه شبح بيروقراطي عاجز، لا يخدم إلا نفسه.

في هذه الأثناء أصدر رئيس تحريره السابق في صحيفة تليجراف، ماكس هاستينجس، حكما قاسيا بحق جونسون، قائلا: "يبدو وكأنه ليس له اهتمامات أخرى، سوى الاهتمام بمجده الشخصي وتلبية احتياجاته"، مؤكدا أن جونسون "دجال هائج، لا يصلح إطلاقا لمنصب رئيس الوزراء".

قائمة طويلة من المواقف غير الموفقة لجونسون:
لم يعط جونسون طابعا جيدا عنه منذ أن كان يتولى بالفعل منصب وزير الخارجية، وهناك قائمة طويلة بمواقفه غير الموفقة. 

وليس من الواضح دائما ما إذا كان جونسون يتعمد الخروج عن النص أم أنه كان يفعل ذلك سهوا.

كان أكثر هذه المواقف فداحة في منصبه كوزير خارجية، هو تصريحه بشأن امرأة تحمل الجنسية البريطانية، كانت محتجزة في إيران، نازنين زاغري، حُكم عليها بالسجن خمس سنوات بعد إدانتها بالتجسس. 

ولكن المرأة ذكرت أنها لم تسافر لإيران سوى لزيارة والديها. 

أما جونسون فقال في البرلمان إنها كانت تدرب صحفيين هناك، مما أضر بموقفها كثيرا.

كما تسبب تصريح آخر لجونسون بشأن مخاوف الاقتصاد من الخروج بدون اتفاقية، في إلحاق ضرر كبير بجونسون نفسه، حيث ذكرت دوائر دبلوماسية أن تعليق جونسون على هذه المخاوف كان: "اللعنة على الاقتصاد"، حيث يخشى المعنيون من تعرض الاقتصاد والكثير من مجالات الحياة الأخرى، لعواقب وخيمة في حالة خروج بريطانيا بدون اتفاق.

ولكن إذا كان هناك شيء يشبه الخط الأحمر يتخلل سيرة جونسون، فهو حقيقة أن مواقفه غير الموفقة قد طواها النسيان بسرعة. 

من بين هذه المواقف التي نسيت لجونسون أيضا فضائح كثيرة له، حيث إن اضطرار الشرطة للذهاب لشقته ليلا بسبب نزاع صاخب بينه وبين صديقته أثناء ترشحه، لم يضره شيئا.

ورغم موهبة جونسون في مخاطبة الإنسان البسيط، إلا أن ألكسندر بوريس دي بفيفل جونسون، اسمه الكامل، عضو بالطبقة الوسطى البريطانية. 

تعلم في مدرسة ايتون الداخلية المرموقة، ودرس في أكسفورد، وكان وقتا ما رئيسا لنادي "أكسفورد يونيون" للحوار، وعضوا في نادي بلوينجدون الطلابي، ذي السمعة السيئة. 

قالت أخته راخيل، ذات مرة، مازحة، إن جونسون لا يكفيه مجرد أن يكون رئيس وزراء، حيث اعتاد القول وهو صغير إن حلمه الوظيفي هو أن يصبح "ملك العالم".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved