الأوبرا تحتفي به الأحد المقبل.. حكايات في حياة الموسيقار الراحل محمد سلطان

آخر تحديث: الخميس 24 نوفمبر 2022 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

أمجد مصطفى

سنوات من الشقاء والحب وأعمال خالدة

تحتفل دار الأوبرا المصرية بالموسيقار محمد سلطان الذى رحل عن عالمنا منذ أيام وذلك فى حفل لفرقة عبدالحليم نويرة للموسيقى العربية المقام بقيادة المايسترو أحمد عامر يقام ضمن سلسلة حفلات تكريم كبار النجوم فى الثامنة مساء الأحد 27 نوفمبر على المسرح الكبير.
يبدأ الحفل بفيلم وثائقى من إعداد استوديو المونتاج بالأوبرا يروى ملامح المشوار الفنى الثرى للموسيقار الراحل، بعده تتغنى الفرقة بمجموعة من أبرز أعماله،
وبرحيل الموسيقار محمد سلطان أسدل الستار على حكاية جميلة من حكايات زمن الغناء الجميل، سلطان النغمة والمقام، برحيل سلطان ذهب النصف الثانى من حكاية سلطان وفايزة، هذا الثنائى الذى أبهر العالم العربى بالغناء كما أبهرهم كزوجين عاشا سويا سنوات من الحب والشقاء، لأن تلك القصة كما مرت بلحظات من الحب والسعادة بالتأكيد مرت بلحظات من الحزن والهجر، إلى أن عاد الحب أقوى من أيام الشقاء والهجر.
سلطان ترك لنا تركة كبيرة من الأعمال الغنائية الملهمة والمهمة، تراث وميراث للأبناء والأحفاد.
سلطان النغم كان سلوكه الشخصى مثل أعمال غاية فى الذوق والإنسانية ورقة المشاعر والأحاسيس، حنون إلى أقصى درجة، تلك سمات إنسانية لا تتوافر إلا فى فنان من طراز فريد. اتزان انفعالى، حكمة، إرادة قوية، الجاذبية الشخصية، إلى جانب القرب من الله فهو لم يكن يترك فرضا من فروض الله، كان كثيرا ما يدلل على كلامه بآيات من القرآن والحديث الشريف.
وهنا لابد وأن أشير إلى رسالة المطربة نادية مصطفى التى نعت بها الراحل الكبير لتؤكد بها تلك الصفات التى كان يتمتع بها: «لم تكن بالنسبة لى الموسيقار العظيم أو الأستاذ والقدوة، والأب والأخ والصديق فقط؛ بل كنت السند وكنت البركة التى كنت أستشعرها فى إحساسى بالأمان مع كل تفصيله فى حياتى».
وأضافت «كنت تدعو لى مع كل صلاة، وكنت دائما معى بقلبك وعقلك فى كل تفصيلة فى حياتى أيضا، ولأنك الإنسان الطيب الحافظ لكتاب الله الوفى لكل صديق، الرحيم بكل مخلوقات الله حتى الحيوانات التى كانت فى رعايتك».
هذا هو محمد سلطان الإنسان أما على مستوى الفن فقد تعرف وهو فى التاسعة من عمره حيث كان يعيش فى الإسكندرية على الموسيقار محمد عبدالوهاب الذى كان يسكن بجواره فى نفس الشارع، على الكورنيش، وقابله مرة فى الشارع، وقال له أنا معجب بك يا أستاذ، أعجب عبدالوهاب بالطفل الذى تحظى أعماله باهتمامه وكان من الطبيعى أن يسأله ما الذى أتى بك إلى هنا، رد عليه سلطان: أنا أسكن بجوارك وبعطف شديد قال له «عدى على فى البيت» أعطاه موعدا، ولكن حينما ذهب لم يجده، وشعر بحزن شديد، ثم كرر الزيارة إلى أن التقى به، ودائما كان يراه يسير فى حديقة منزله وكان يجلس ليتابعه من بعيد.
بعد ذلك فوجئ بالموسيقار الكبير بزيارة لمنزله، حيث كان مع والدته بالمنزل وفوجئت أمه بوجوده، واستمع لموهبته فى العزف على البيانو، وانتظر حتى مجىء والده الذى كان يعمل ضابط شرطة، وقال له بالحرف الواحد، يا أستاذ سلطان ابنك موهوب أرجوك أن ترعاه، أتوقع له مستقبلا كبيرا فى عالم الموسيقى والتلحين، ومنذ ذلك الوقت أصبح عبدالوهاب جزءًا أساسيا فى حياته، وله فضل كبير فى احترافه الموسيقى والتلحين.
ونظرا لوسماته خطفته السينما فى عدد من الأفلام أبرزها الناصر صلاح الدين، التمثيل جاء إليه مصادفة قبل احتراف التلحين فى مقتبل العمر، حيث كان سلطان رياضيا يهوى ركوب الخيل وكان بطلًا فى الفروسية، ومن هنا كانت البداية حيث رآه المخرج العالمى يوسف شاهين، فى النادى وقال له إنه يرى فيه مواصفات نجم سينمائى، وطلب منه المشاركة فى دور بفيلمه الناصر صلاح الدين.
وتوالت الأفلام منها «يوم بلا غد»، «من غير ميعاد»، «عائلة زيزى» الباحثة عن الحب، أما آخر أفلامه فكان «كم أنت حزين أيها الحب» عام 1980.
ــــــ
** الأغنية فى حياته أهم من السينما
يظل إنتاجه الغنائى أكثر غزارة من السينما وأكثر تأثيرا حيث لحن كما كبيرا من الأعمال التى أثرت المكتبة الغنائية العربية لعل أبرزها ما قدمه مع نصفه الثانى فايزة أحمد منها: أحبه كثيرا، أحلى طريق فى دنيتى، احنا النهارده ايه، أعلنت عليك الحب، تاهت خطاوينا، ايوه تعبنى هواك، بحبك يا مصر، بفكر فيك، ، اكبر من حبى ليك، خليكوا شاهدين، دنيا جديدة ورسالة من امرأة وشارع الامل وعلمتنى الدنيا وغريب يا زمان ومال عليا مال ولحظة ندم ويا ما انت واحشنى ونقطة الضعف»، وغيرها من الأعمال. كما لحن لسعاد محمد واحدة من أهم أعمالها أوعدك، كما قدم لنادية مصطفى أهم أعمالها مسافات، كما لحن لأصالة وميادة الحناوى وهانى شاكر ومحمد الحلو وعلى الحجار ومحمد ثروت.
وكاد أن يلحن لزم كلثوم، ولهذا العمل قصة، عام 1969 طلبت منه السيدة أم كلثوم تلحين أغنية «ودارت الأيام»، وذلك بعد أن ظلت فترة طويلة لدى الموسيقار عبدالوهاب، دون أن ينجزها، وبالفعل بدأ فى التلحين، ولكن حينما علم عبدالوهاب بذلك، أسرع بالانتهاء من تلحين هذه الرائعة «ودارت الأيام»، وخرجت للنور بهذا الشكل الرائع.
أيضا كان لحليم معه مشروع لم يكتمل ــ فى ليلة فى شهر ديسمبر من عام 1976، وقبل أيام من سفر حليم فى الرحلة الأخيرة للعلاج، فوجئ بطرق على الباب فى الرابعة صباحا، وجد العندليب وجلس معه أكثر من ثلاث ساعات، وقال له: عايز أشتغل معاك، وأخرج من جيبه شريط كاسيت مسجلا عليه كلمات أغنية «أحلى طريق فى دنيتى» وجلس معه «يدندن» المذهب، وقال: أرجو أن تنتهى قبل عودتى من لندن من تلحين الأغنية للأسف لم يمهله القدر سافر العندليب، وعاد جثة فى أول أبريل 1977، وشاء القدر أن تغنيها فايزة فى أبريل من العام التالى.
ــــــ
** حكايته مع هانى شاكر
فى عام 1972 اتصل به الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، قال له هناك مطرب شاب صوته حلو جدا عايزك تلحن له، استمعت لهانى وعجبنى صوته، وبالفعل لحن له أغنية «سيبونى أحب»، ولحن له بعد ذلك العديد من الأغنيات.
كما غنى له أغنية «مشتريكى ما تبعيش وارجعى ما ضيعيش عشرة العمر فى ثوانى»، والتى كانت رسالة من سلطان لفايزة بعد الانفصال.
ربما لا يعلم الكثيرون أن فريد الأطرش هو السبب الرئيسى فى معرفتة برفيقة العمر فايزة أحمد، وبدأت العلاقة عندما كان فى «لوكيشن» تصوير أحد الأفلام، وكان بصحبته مجموعة من الفتيات الجميلات من أوروبا، وعندما شاهده فريد قال: مين ده، واقترب منى وعانقنى وقال لى: أنا عازمك على العشاء مساء اليوم، وذهبت إلى هناك، ورأيت لأول مرة فايزة أحمد، أعجبت بها من أول نظرة، وتطورت علاقتنا حتى انتهت بالزواج. وخلال رحلة الزواج انفصلا ولكنهما عادا مرة أخرى، أنجبت له فايزة ولدين، هما الآن فى باريس يعملان أطباء ورفض كثيرا سلطان الإقامة معهما بفرنسا، وكان يردد أنا بحب مصر بجد ولا أستطيع الابتعاد عنها ولو ليوم واحد.
فى حوار معه سألته هل تتذكر لحظة رحيل فايزة؟
ــ قال كأنها أمس ندهت علىَّ وقالت لى: عايزة أغنى، وغنت «أيوه تعبنى هواك» ولكن بعد فترة وجيزة لم تستطع الاستمرار فى الغناء وهنا بكت، وقالت خلاص يا محمد ورحلت صباح اليوم التالى 21 سبتمبر 1983.
والجميل أن سلطان رحمه الله كان يختنق صوته بالبكاء كلما ذكر اسم فايزة أحمد، وعندما كنت تدخل منزله تجده بنفس الترتيب الذى تركته فايزة أحمد، أما حوائط المنزل فتحولت إلى متحف لصورها.
وفى ليلة 13 نوفمبر من عام 2022 رحل سلطان بعد 39 عاما من رحيل نصفه الأول.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved