قصور منسية (3).. سراي محمد علي.. أعجوبة عصره الموصوف بالقصر المنحوس

آخر تحديث: السبت 25 مارس 2023 - 12:18 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

القصور التاريخية في مصر ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع، إنما هي تاريخ لا يزال حيا، سجل يُخلد أسماء وشخوصا وأحداثا، رمز لنمط عمارة ساد، وظروف عصر خال، وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنوات، لكنها ظلت تحمل شيئا من توقيعه، لا يزال محفورا في ومضة هنا أو أخرى هناك.

تلك القصور ما هي إلا تاريخ لم تطوه كتب أو مجلدات، فلا يزال حيا نابضا يثبت أنه أقوى من كل محاولات العبث التي بدأت بعشوائية المصادرات ومحو أسماء أصحاب القصور من فوق قصورهم، ولافتات الشوارع التي حملت يوما أسماءهم تخليدا لدور قدموه للوطن أو خدمة جليلة قاموا بها لنهضة مجتمعهم.

في سلسلة "قصور منسية" تستعرض "الشروق" خلال شهر رمضان الكريم، قصصا لقصور مصر المنسية، استنادا إلى كتاب "قصور مصر" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، للباحثة سهير عبدالحميد، والذي يتناول قصص وحكايات وراء أشهر القصور المصرية.

• سراي محمد علي بشبرا.. أعجوبة عصره وأوانه

كانت شبرا -كما تظهر في خريطة القاهرة التي وضعها علماء الحملة الفرنسية عام 1800 م- أرضًا زراعية بها كثير من البساتين وبعض المساكن المتناثرة وأشجار الجميز، قبل أن يقرر محمد علي أن يشيد قصره المهيب بعيدًا عن مؤامرات المماليك وعن سكان القاهرة المعزية وحي بولاق أبو العلا حتى لا تثيرهم مظاهر البذخ والثراء في عصر الوالي.

وبدأ محمد علي فمهد الطريق من باب الحديد إلى شبرا وزينه بأشجار الجميز والأكسيا، وسمي الطريق بـ"جسر البحر" وهو شارع شبرا حاليًّا، وأسند إلى المهندس ذو الفقار كتخدا مهمة الإشراف على أعمال التشييد وبناء السراي، الذي قام بتصميمه قنصل فرنسا العام بمصر دروفتي، وكان صديقًا شخصيًّا لمحمد علي باشا.

واستمرت مراحل إنشاء القصر حوالي 13 عامًا، حيث بني على مراحل مختلفة منذ عام 1808، واستمر طوال حكم محمد علي وخلفائه، إذ أضيف إلى القصر حوض الفسقية عام 1821، ثم سراي الجبلاية عام 1836.

ففي عام 1811، أمر محمد علي بحرث الأراضي الزراعية المجاورة للقصر؛ تمهيدًا لإنشاء حديقة القصر وزراعتها بمختلف أنواع الزراعات والأشجار، وأصدر أمرًا بتشييد برج الساقية لريها وإمداد القصر بالماء، وأمر بوضع ماكينة رفع المياه لريها بغرض تغذية القصر بالمياه اللازمة، وقد أشرف على تلك الماكينة المهندس بلزوني.

تأثر سراي جسر البحر في عمارته بالفنون الأوروبية والعربية والتركية، وكان هو البداية التي شجعت الأمراء على الاقتداء بالوالي والالتفاف حوله لتنتشر القصور والحدائق على جانبي شارع شبرا.

وفي هذا السراي كانت تقام أهم الحفلات في عصر محمد علي، وفيه كان يستقبل الأمراء والضيوف وقناصل الدول الأجنبية حتى وفاته.

• أعجوبة زمانه

وكان هذا السراي رغم حداثته في تاريخ القصور الملكية بمصر أعجوبة زمانه، فقد أدخل في هذا السراي ولأول مرة في مصر، نظام الإضاءة بغاز الاستصباح الذي عرفته أوروبا قبل ذلك بسنوات قليلة، وقد كلف محمد علي المهندس الإنجليزي أجالوي بعمل التجهيزات اللازمة باستخدام هذا الغاز، وتكلفت آنذاك ألفين وخمسمائة قرش.

هذا بخلاف ما احتواه القصر من تحف ونجف من الكريستال والبرونز وأثاث فاخر ما زال يحتفظ ببعضه، ومنه طقم الصالون الفرنسي المذهب الذي ما زال رقمه وموديله محفوظا في سجلات الشركة الأم، وكذلك ستائر القصر والأباليك وشمعدانات الحائط والصور والتابلوهات الخاصة بمحمد علي وزوجاته، ومائدة البلياردو التي كانت هدية من ملك فرنسا للوالي.

• القصر المنحوس
مع كل هذا الجمال والثراء الفاحش الذي امتاز به هذا السراي مما جعله أشبه بالقصور الأسطورية التي لا نسمع عنها إلا في الحواديت، فقد رآه البعض قصرًا منحوسًا، ففي بهوه استقبل محمد علي جثة ولده الأمير طوسون، ومنه خرجت الجنازة الحزينة إلى مدافن الأسرة العلوية.

وبسببه، كما تقول إحدى الروايات، ضاع الشيخ عبدالرحمن الجبرتي وذلك عندما دعاه محمد علي باشا لزيارته في قصر شبرا فركب حماره وذهب إليه، وفي الطريق اغتيل ودفن دون أن يُعرف مكان قبره، وأشار البعض حينها بأصابع الاتهام إلى قطاع الطرق، والبعض الآخر إلى أعوان محمد علي، فقد كان الجبرتي بصراحته وآرائه المعلنة عدوا لدودًا للوالي.

• خلاف محمد علي وابنه إبراهيم باشا

وفي هذا القصر قضى محمد علي أسوأ أيامه، بعدما اتسمت علاقته بابنه إبراهيم بالشك والحذر من الجانبين، خصوصا بعد أن ثقل على محمد علي المرض، فكون إبراهيم باشا ابنه مجلسًا للشورى من العلماء، واعتكف والده في قصره بشبرا، وحاول نوبار باشا في هذه الأثناء -كما يذكر في مذكراته- الإصلاح بينهما، إلا أن الأمر فشل بسبب التعارض بين طموحات إبراهيم، ورغبات والده، وقد سافر إبراهيم للأستانة واستصدر أمرًا بعزل والده وتعيينه هو واليا على مصر، وبينما كان عائدًا كانت تنتابه الكوابيس فقد كان يخشى شفاء والده وانتقامه، وتولى حكم مصر مدة 80 يوما توفي بعدها.

ووصف نوبار مشهد جنازة إبراهيم باشا بأنها كانت مخزية، فلم يشارك فيها سوى أهل بيته، أما كل من كانوا يخافونه في حياته فقد تركوا الجنازة في أثناء سيرها من القلعة بجوار مسجدي السلطان حسن والرفاعي، وعندما علم محمد علي بوفاته قال: لا تجوز عليه إلا الرحمة رغم أنه تركني معزولاً في بيتي.

• 13 مبنى لم يتبقى منها إلا ثلاث

كان السراي يتكون من 13 مبنى لم يتبق منها سوى ثلاثة أهمها، قصر الفسقية الذي شيد على نحو 776 مترًا مربعًا، كان محمد علي يجلس في منتصفها يتابع الاحتفالات التي تجري حول الفسقية، وكان يصل إليها بقارب صغير ينظر إلى أروقة البركة التي جلس بها كبار الزوار.

وسراي الجبلاية، التي بنيت على شكل هرمي، وذلك طبقًا للرسم الذي قدمه أحمد بك مفتش الأبنية، ليخصص لحريم القصر، أما أقدم الأبنية الأثرية الباقية بالقصر فيعود تاريخه إلى عام 1811، ويقع في الساقية بالطرف الشرقي لحديقة القصر، وهو بناء ضخم به 4 آبار تركب عليها سواقي رفع المياه، كما توجد بئران لتجميع المياه قبل توزيعها عن طريق فتحات خاصة.

هذا هو كل ما تبقى من 13 مبنى كان يضمها سراي محمد علي أزيلت وهدمت في فترات متباينة، ومنها مقر الحرملك الذي هدم عندما شرع الملك فؤاد الأول في شق ورصف طريق "القاهرة - الإسكندرية" الزراعي فاضطر لإزالة هذا القصر حيث كان يطل على النيل مباشرة بضاحية شبرا.

اقرأ أيضا: قصور منسية (2).. قصر عائشة فهمي.. بناء وردي ضخم ظل مغمورا لسنوات طويلة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved