وليد علاء الدين يكتب: «جُو العظيم».. ميرامار الألفية الثالثة!

آخر تحديث: السبت 25 مايو 2019 - 12:42 ص بتوقيت القاهرة

كتب ــ وليد علاء الدين:

أحببت رواية «جو العظيم» للروائى أشرف الخمايسى، الصادرة عن دار الشروق، وتسربت إلى نفسى شخصياتُها ولعبتُها السردية. بعد فترة... راودتنى هواجس عن أوجه شبهٍ بينها وبين «ميرامار» رائعة نجيب محفوظ. هنا محاولة مبدئية للتفكير فى الأمر.

كتب محفوظ روايته فى ستينيات القرن العشرين راصدا آثار ثورة يوليو 1952 بعد أكثر من 13 سنة على قيامها، وكتب الخمايسى روايته فى العشرية الثانية من الألفية الثالثة بعد أكثر من 8 سنوات على ثورة يناير 2011.

ميرامار بنسيون، و«جو» سفينة، ونزيل الفندق لا يختلف عن راكب السفينة، كلاهما عابر، والمكان بالنسبة إليه مؤقت لحين الوصول إلى هدف. نزلاء «ميرامار» وكذلك ركاب «جو».. مختلفون فى انتماءاتهم الثقافية والفكرية والاجتماعية، ومشتركون فى علاقتهم غير المستقرة بالمكان، وفى رغبة عارمة فى الفرار من الواقع أو من الماضى أو من المجتمع، مع أمل فى فرصة حياة أفضل.

المكان فى الروايتين بطل، بل يبدو لى واحدا من ناحية الرمز، سفينة تغادر شواطئ البحر الأبيض المتوسط قاصدة إيطاليا، وبنسيون تُطل نوافذه على البحر نفسه حيث تقع إيطاليا فى الطرف الآخر.

«زهرة» الريفية التى تفر بروحها وجسدها رفضا لبيعها لثرى عجوز، تقابلها «بهية المط»، فتاة الليل الهاربة فى هيئة رجل، من حياة صارت فيها مطية لكل راكب، الاثنتان جميلتان، وقويتان، وقابلتان للانخداع بالحب، ومطمع للرجال.

البناء الرامز والمحمل بالدلالات المباشرة للشخصيات والأحداث، مع واقعية فى الوصف، وحس رومانسى متجسد فى إبراز نفسيات الشخصيات ودواخلها، عناصر شبه بين الروايتين.

فى «ميرامار» اتخذ نجيب محفوظ منطق الرجل الحكيم، وكذلك فعل الخمايسى فى «جو العظيم» إلا أنه ضفر الحكمة بلمسة سخريةٍ تشبه «لا فائدة»؛ فالأمور دوما خارج المنطق والحكمة، لذا يلعب القدر ــ أو المصادفات ــ دور السيناريست الأعظم فى «جو العظيم»، يبدو الأمر وكأن الجميع ــ بما فيهم قائد السفينة ــ فى صراع مع القدر، وهو الصراع الوحيد الذى لا يفوز فيه الإنسان، مهما حقق من مكاسب؛ إذ تبدو نجاحاته مجرد مصادفات أخرى أبقته على قيد حياةٍ عليه أن يعيشها.

يبدو، للمتأمل، أن المسرح أصلح للهيكل القصصى لـ«ميرامار» وكذلك لـ«جو العظيم»، وهو ما دفع محفوظ إلى بنية السرديات المتبادلة للحدث الواحد بعيون الأبطال الأربعة، بديلا للحوار المسرحى. ودفع الخمايسى إلى تقنية لم تبتعد عن ذلك، بل يمكن القول إنها قامت عليها ولكن فى سبعة فصول تجلت خلالها إدارته المتقنة وتنقلاته المدروسة بين الراوى العليم، والحوار، والحوار النفسى.

هذه التقنية تحصر رهانَ التميز فى مدى امتلاء الكاتب بأفكاره، ورهافة ثقافته وتنوع معارفه، ودرجة امتلاكه ناصية اللغة وفنون السرد، ووجه الشبه هنا، أننا حصلنا فى النهاية على عملين أدبيين يستحقان البقاء فى ذاكرة المنجز الروائى العربى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved