وزير التعليم السابق الهلالي الشربيني يكتب: القيادة والتخطيط للمستقبل

آخر تحديث: الإثنين 25 مايو 2020 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

لقد واجهت معظم المؤسسات منذ نهاية القرن الماضى وبداية القرن الحالى تحولات درامية غير مسبوقة، جعلت مواقع العمل الحالية لا مثيل لها أو نظير فى تاريخ البشرية من حيث تنوع المناخ التنظيمى والثقافة التنظيمية وتأثيرهما على بيئة تلك المؤسسات وإنتاجيتها، ومن ثم فقد ازداد اهتمام العالم منذ ذلك التوقيت بدراسة تأثير القيادة على نجاح المؤسسات، وتحديد أدوارها وأهميتها فى بناء مؤسسات أكثر فعالية وحسابية وتحويلية لما تبقى من القرن الحادى والعشرين.

ويشير مصطلح القيادة إلى كثير من المفاهيم والمعانى، لكن الأمور التى يكاد ينعقد الإجماع عليها بالنسبة لهذا المصطلح تتمثل فى أن القيادة تكون موجهة نحو هدف ما، وأنها تمثل ظاهرة جماعية؛ من منطلق أنه لا يوجد قادة بدون تابعين، ومع وجود القادة يوجد شكل من العلاقات الهرمية، وفى ضوء ذلك غالبا ما يعرف القائد بأنه الشخص الذى يؤثر فى الأفراد والجماعات داخل المؤسسة، ويساعدهم فى وضع الأهداف، ويوجههم نحو تحقيقها بما لا يخل بالاستقرار الداخلى للمؤسسة والتكيف مع بيئتها الخارجية.

وعلى الرغم من أن هناك جدلا طويلا حول الفرق بين القيادة والإدارة، فالواقع الميدانى يؤكد أن الشخص يمكن أن يكون مديرا وقائدا أثناء ممارسة عمله، كما يمكن له أن يكون مديرا دون أن يكون قائدا أو قائدا دون أن يكون مديرا. ويفترض البعض أن القادة يكون لديهم توجه نحو الابتكار والتغيير، بينما يكون لدى المديرين توجه نحو السكون والثبات والرؤى قصيرة المدى، وغالبا ما يتم تحليل ومناقشة شخصيات القادة الذين يتركون تأثيرا كبيرا على مؤسساتهم فى إطار مفاهيم ومصطلحات مثل: الجاذبية، أو التحويلية، أو القدرة على إحداث التغيير.

وتعتمد الجاذبية ــ من حيث المبدأ ــ على القدرة الفائقة على التواصل مع الآخرين لفظيا أو خطيا أو جسديا بما يترك تأثيرا وجدانيا عميقا عليهم وعلى مشاعرهم وتوجهاتهم، والقادة الجذابون غالبا ما يخلقون قناعة قوية لدى الأتباع بصحة أفكارهم من خلال ما يظهرونه من ثقة عالية بالنفس، وما يتركونه من انطباعات على أنهم يتميزون بالكفاءة؛ فهم يتحدثون دائما عن المستقبل بدرجة عالية من الحماسة والإثارة، ويستخدمون لغة الجسد ونبرة الصوت، والتعبيرات البلاغية والخيالية الرائعة، ويسوقون الأمثلة والقصص الجذابة، ومن ثم ينشرون الطاقة الإيجابية بين الأتباع، ويتحكمون فى توجيه بوصلة أحاسيسهم ومشاعرهم، وغالبا ما تحدث الجاذبية بشكل أوسع فى أوقات الأزمات والكوارث أو عندما تكون الأزمة على وشك الحدوث، حيث يظهر القائد الكاريزمى أو الجذاب كشخص ذى سمات استثنائية ويقدم حلا للأزمة، ومن ثم ينجذب إليه أتباعه ويصدقونه ويؤمنون برؤيته ويرون أنه بطل وليس شخصا عاديا.

أما القادة التحويليون؛ فهم أولئك الذين تكون لديهم قدرة فائقة على تحفيز الأتباع نحو تجاوز مصالحهم الشخصية من أجل الصالح العام للمؤسسة، ومن ثم فهم يلتزمون بالأهداف التنظيمية، وتعزيز الأتباع، من أجل تحقيق هذه الأهداف، مع التركيز على تلبية حاجات الأتباع والارتقاء بهم لأعلى مرتبة أخلاقية؛ فالقائد التحويلى هو الذى يتبنى سلوكيات ومواقف مثالية، مما يجعل منه نموذجا يحتذى به.

وبالإضافة للمفاهيم المتعلقة بالقيادة التى تعتمد على الجاذبية والتحويلية هناك القيادة التى تسعى إلى التغيير، وغالبا ما يشمل التغيير فى المؤسسات الهياكل والتجهيزات والبشر والمهمات، وقد يطال بعضها دون الأخرى، وتتعدد مداخل إحداث التغيير فمنها الوظيفى والهيكلى والتكنولوجى والإنسانى وغير ذلك، وتواجه القيادة صعوبات فى إدارة التغيير بسبب ارتباطه بمتغيرات كثيرة داخل المؤسسة وخارجها، ولا يوجد منهج علمى محدد لإدارة عملية التغيير نظرا لاتخاذ التغيير أنماطا وأشكالا متعددة بعضها مألوف وبعضها غريب، وبعضها جذاب والبعض الآخر ليس كذلك، وبعضها ضخم وبعضها محدود؛ فهناك التغيير الكلى أو الجذرى، وهناك التغيير الجزئى أو التدريجى، وهناك أيضا التغيير المخطط والتغيير الطارئ.

وقد تم تطوير عدة رؤى وأفكار حول القيادة التى تسعى إلى التغيير، وانتهت فى معظمها إلى أنها القيادة التى تركز على تقديم رؤية معينة، وإظهار الثقة فى قدرات الأتباع على تنفيذها وتحويل المؤسسة وتغييرها، وبغض النظر عن الشكل الذى يتخذه التغيير فقد صار فى مكان العمل شيئا ضروريا بل وحتميا؛ فالمؤسسات والأفراد إذا كان لهم أن يصبحوا أكثر فعالية وأكثر إنتاجية فلابد وأن يتغيروا، ومن ثم فالقضية المهمة بالنسبة للقائد وللمدير وللعاملين لم تعد مجرد تحديد طبيعة التغيير ولكن الأهم من ذلك أصبح تعلم كيفية إدارة تأثير هذا التغيير.

وفى إطار من الجاذبية والتحويلية وإدارة التغيير يمكن التمييز بين نوعين من القادة هم القادة من المستويات الدنيا والقادة من المستويات العليا؛ فالقادة من النوع الأول غالبا ما يكونون معنيين بالمجموعات الصغيرة، وبالتركيز على الأمور الداخلية للمؤسسة، وقد يهتمون بالأمور الخارجية ولكن دون وجود رؤية تحكم وتوجه هذا الاهتمام، كما أنهم يركزون أيضا على الإنتاجية الإدارية وجودة المنتجات والخدمات، وأخلاقيات العاملين، بينما القادة من النوع الثانى يكون لهم سلطة أعلى على المؤسسة بصفة عامة، ومن ثم يكون اهتمامهم اهتماما متكافئا تقريبا بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية وصياغة استراتيجية للمؤسسة وتنفيذها.

وفى ضوء ما تقدم يمكن إجمال المهارات التى تمكن القادة من التخطيط للمستقبل فى المؤسسات الخدمية وتحقيق درجة عالية من التأثير فى العاملين بها فى مهارات مثل: ثقة القادة بأنفسهم وبقدراتهم على تطوير قدرات تابعيهم، وبناء مجموعة من الأهداف المثيرة للتحدى والقابلة للتنفيذ، والنظرة الموجبة لقدرات الآخرين وافتراض أنهم أشخاص ناجحون، والتمسك بالتميز والإبداع فيما يقومون به، والتركيز على الجوانب الإنسانية بالإضافة إلى الجوانب الإجرائية والمفاهيمية والتكنولوجية للعمل، انطلاقا من أن الجانب الإنسانى هو أقرب الطرق إلى إحداث التغيير والتطوير، كما يمكن إجمال الممارسات التى تميز المديرين الناجحين فى المؤسسات الخدمية فى أمور مثل: التركيز على الأداء، والتطوير، والعمل الفريقى، والاتصال مع كل أعضاء المؤسسة، ومع المستفيدين من الخدمات التى تقدمها، والتركيز على إقامة علاقات إيجابية فى مجال العمل داخل المؤسسة وخارجها، وتطوير أعمال وكفايات أعضاء المؤسسة.

*وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى السابق

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved