أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية ترتكز على أسس قوية، حيث تعتبر مصر أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في أفريقيا، بمعدل تبادل تجاري تجاوز 9 مليارات دولار في عام ۲۰۲١، تمثلت في صادرات مصرية قدرها 3.3 مليار دولار، مقابل واردات أمريكية قيمتها 5.8 مليار دولار، كما تقدر إجمالي الاستثمارات الأمريكية المباشرة بـ ٢٤ مليار دولار، مما يجعل الولايات المتحدة ثالث أكبر مستثمر في مصر في قطاعات الطاقة، والبتروكيماويات، والبنية التحتية، والصناعات التحويلية، والسياحة، والزراعة.

جاء ذلك خلال مشاركة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مساء اليوم، في اجتماع المائدة المستديرة الافتراضية للرؤساء التنفيذيين بمجلس الأعمال المصري - الأمريكي، الذي نظمته غرفة التجارة الأمريكية بواشنطن، وذلك عبر تقنية "الفيديو كونفرانس"، بحضور الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، والدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسيد القصير، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، ونيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة.

واستهل رئيس الوزراء كلمته بتقديم العزاء في مقتل عدد من أطفال مدرسة ابتدائية بجنوب ولاية تكساس في الولايات المتحدة في حادث إطلاق نار، أمس الثلاثاء، معربًا عن مواساته لأسر الضحايا الأبرياء.

وخلال الاجتماع الذي شارك فيه أيضًا ممثلو نحو 40 شركة أمريكية، أعرب الدكتور مصطفى مدبولي، عن سعادته بلقاء أعضاء غرفة التجارة مجددًا، وهو ما يتزامن مع الاحتفال بمئوية إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة، مؤكدًا أن العلاقات الثنائية التي باتت تستند إلى شراكة استراتيجية قوية تتميز بالخصوصية والتنوع، وتهدف إلى تحقيق المنفعة المتبادلة على صعيد حماية الأمن القومي الإقليمي وتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن لقاء اليوم يأتي بعد أيام معدودة من مشاركة بعض الشركات الأمريكية في الزيارة الأولى للبعثة التجارية الخضراء إلى مصر خلال الفترة من ١٤-١٧ مايو الجاري، والتي تُعد أحد أهم نتائج جولة الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة الذي انعقد في نوفمبر ٢۰۲۱.

وأضاف أنه التقى بوفد البعثة التجارية الخضراء الذي ضم ممثلي نحو أربعين شركة أمريكية، كما أن اجتماع اليوم يعد دلالة واضحة على قوة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتطلع لدفع العلاقات نحو آفاق أرحب من المجالات المختلفة بما يحقق المنفعة المشتركة، وبما يتسق مع العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين.

وتوجه الدكتور مصطفى مدبولي بالشكر إلى غرفة التجارة الأمريكية في واشنطن على تنظيم هذا الحدث، وكذا تنظيم زيارة البعثة التجارية الخضراء إلى مصر؛ لاستشراف فرص تعزيز التعاون بين القطاع الخاص في البلدين، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، والنقل، والإنشاءات، والطيران المدني، والبنوك، والزراعة، والتحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، متطلعا للبناء على هذا التعاون لسرعة بدء تنفيذ مشروعات مشتركة في تلك المجالات.

وأوضح الدكتور مصطفى مدبولي، أن هذا اللقاء يأتي في ظل ظروف استثنائية يمر بها المجتمع الدولي، لافتًا إلي أنه انطلاقًا من مسئولياتنا الوطنية والإقليمية، تبنت مصر إجراءات مسئولة وقوية، فبعد أن بدأت برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ سنوات، دأبت مصر على العمل من أجل تأمين مصادر الطاقة اللازمة لبرنامجها التنموي الطموح، حيث نجحت الإصلاحات الاقتصادية التي تم تنفيذها منذ عام ٢٠١٦ في تعزيز مرونة الاقتصاد المصري، وأسهمت في اجتياز تحديات وتداعيات جائحة "كورونا"، بل كانت مصر من الدول المحدودة التي حققت معدلات نمو اقتصادي إيجابية خلال الجائحة.

ولفت رئيس الوزراء إلى أن الأزمة الأوكرانية ألقت بتداعيات حادة على الاقتصاد العالمي، لم يكن الاقتصاد المصري بمنأى عنها، فقد تكبد خسائر مباشرة تقدر بنحو 130 مليار جنيه، وغير مباشرة بنحو ٣٣٥ مليار جنيه، نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتشديد السياسة النقدية عالميًا، والتدفقات المالية الخارجة من السوق المحلي، وتأثرت واردات القمح، وتوقف تدفق السياح الروس والأوكران الذين يشكلون نحو ثلث السياحة الوافدة إلى مصر.

وأشار رئيس الوزراء إلى أنه نتيجة لذلك، اتخذت الحكومة المصرية عددًا من الإجراءات لمواجهة تداعيات هذه الأزمة بهدف الحفاظ على ثقة الاستثمار الأجنبي وأسواق المال الدولية؛ حيث قامت الحكومة بإعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، وقام البنك المركزي برفع سعر الفائدة، لافتًا إلى أن مصر تقدمت بطلب إلى صندوق النقد الدولي لبدء مشاورات حول برنامج تعاون جديد يهدف إلى مساندة برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، ومراعاة ما تحملته مصر من أعباء وتداعيات الأزمة العالمية الراهنة.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي: إنه استمرارًا لالتزامنا الواضح بحماية المواطن المصري وكفالة معيشة كريمة له، أطلقت الدولة في مارس ۲۰۲۲ حزمة من الإجراءات المالية والحماية الاجتماعية بقيمة ۱۳۰ مليار جنيه في موازنة العام المقبل للعمل على تخفيف جزء من الأعباء عن كاهل المواطن المصري.

ودعا رئيس الوزراء الجانب الأمريكي للنظر فيما أعلنته الحكومة مؤخرًا من خطة طموحة متعددة الأوجه للتعامل مع تلك الأزمة، لافتًا إلى أن محاورها تشمل تعزيز دور القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الاقتصاد إلى 65% خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

يضاف إلى ذلك ما قامت به الحكومة بشأن تحسين بيئة الاستثمار لتصبح أكثر جذبًا من خلال تطوير الإطار التشريعي، ومكافحة الفساد، وإزالة المعوقات البيروقراطية، وتسهيل الإجراءات المرتبطة بتسجيل الشركات الجديدة ومنحها امتيازات ضريبية واستثمارية وفقًا للقطاعات والمناطق التي تستثمر فيها، وجذب استثمارات جديدة بنحو 40 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة من خلال توسيع مشاركة القطاع الخاص في إدارة بعض أصول الدولة.

وأضاف أن محاور الخطة تتضمن أيضًا النهوض بالبورصة المصرية من خلال طرح عدد من أسهم شركات حكومية وشركتين تابعتين للقوات المسلحة هذا العام.

وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن الحكومة تواصل تنفيذ المشروعات القومية مثل تطوير جميع القرى المصرية خلال بضع سنوات، بتكلفة إجمالية تتجاوز ۷۰۰ مليار جنيه، وتبطين وتطهير الترع بطول ٢٠ ألف كيلومتر، وتحديث نظم الري لأربعة ملايين فدان، إلى جانب تطوير المدن القائمة بالكامل، والانتهاء من تطوير شبكة الطرق الوطنية.

وأكد رئيس الوزراء أن مصر كانت دائمًا مشاركًا فاعلاً في سلاسل القيمة والإمداد العالمية بالنظر إلى موقعها الجغرافي المميز، وحجم الطلب المحلي الكبير والمتنوع، ووفرة العمالة الماهرة والمدربة، وبالإضافة إلى وجود قناة السويس التي يمر بها نحو ١٢٪ من حجم التجارة العالمية سنويًا، لافتًا إلى أنه وترسيخًا لذلك، تم إنشاء الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عام ٢٠١٥، لتكون بمثابة بيئة أعمال متكاملة محفزة للمستثمرين تقدم خدمات لوجيستية وصناعية وفقاً لأعلى المعايير العالمية، وتسهم في تحول مصر إلى مركز اقتصادي ولوجيستي عالمي صناعي وتجاري مؤثر في سلاسل الإمداد والقيمة العالمية، ومنطقة متكاملة ترتكز على التصنيع والنقل البحري والخدمات اللوجستية، مشيرًا إلى أن هذه الجهود أثمرت عن وصول إجمالي حجم الاستثمارات داخل المنطقة إلى نحو 18 مليار دولار، وإنشاء أكثر من ٢٥٠ شركة في مجالات مختلفة وصناعات حيوية مهمة، فضلاً عن إقامة شراكات مع 15 مطورًا صناعيًا داخل المنطقة.

وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة ستطلق خلال الفترة القادمة مشروعات كبيرة في مجالات مراكز البيانات العملاقة، وشبكات نقل البترول والغاز، ومحطات إسالة الغاز، وأبراج الاتصالات، وإعادة تأهيل محطات الرياح، مع توفير حزمة حوافز استثمارية خاصة بكل مشروع لجذب الاستثمار الأجنبي.

وقال رئيس الوزراء: إن لقاءنا اليوم يكتسب أيضًا أهمية استثنائية كونه يأتي في توقيت هام تتضافر فيه الجهود الدولية لدعم جهود مصر في استضافة قمة المناخ العالمية COP 27 في نوفمبر القادم، مشيرًا إلى أن مصر تعتزم استثمار رئاستها القادمة للمؤتمر وقيادتها للعمل المناخي العالمي لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتحقيق التنمية المستدامة، والانتقال نحو الاقتصاد الأخضر، وهي المجالات التي تتمتع فيها مصر بإمكانات هائلة تشكل نقطة انطلاق للتعاون بين مصر والولايات المتحدة وبناء شراكة مستمرة خلال الفترة القادمة.

وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن التجربة المصرية في مجال تحول الطاقة تعد نموذجًا يحتذى به في الواقعية والطموح، لأنها نجحت في الجمع بين تطبيق التكنولوجيا الجديدة في مجالات تقليل الانبعاثات الكربونية من النفط والغاز عبر استخدام عزل وتخزين الكربون، بالإضافة إلى التوسع في استخدام الطاقة النظيفة وزيادة نسبتها في مزيج الطاقة المستخدم، وهو الأمر الذي تسعى مصر لتوظيفه من أجل التوصل إلى توافق بين الرؤى المتعارضة للدول الصناعية والنامية خلال مؤتمر قمة COP 27.

وأوضح أن استراتيجية مصر في مجالات الطاقة المستدامة وإنتاج الهيدروجين تهدف إلى تحقيق طفرات غير مسبوقة في إنتاج الطاقة من المصادر الجديدة والنظيفة والتوسع في استخدام الهيدروجين الأخضر خلال المرحلة القادمة وتخفيض الانبعاثات الكربونية والوصول إلى نسبة ٤٢ % من مزيج الطاقة النظيفة بحلول عام ٢٠٣٥، مع طرح الفرص المتاحة للاستثمار في تلك المجالات، خاصة الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، بمختلف مناطق مصر، وقد وقعت الحكومة مذكرات تفاهم مع شركات عالمية تعهدت بضخ استثمارات تصل إلى 40 مليار دولار بحلول ۲۰۳۰ لكي تصبح مصر مركزًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.

وأكد رئيس الوزراء أن قطاع الطاقة يحظى بأولوية مطلقة على قائمة الخطة الاقتصادية المصرية، حيث تسعى مصر إلى التحول إلى مركز إقليمي للطاقة وتأمين مصادر متنوعة من الطاقة، من خلال مشروعات مختلفة وعملاقة لإنشاء محطات الطاقة التقليدية والمتجددة، وقد شمل ذلك إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط في سبتمبر عام ٢٠٢٠ ليصبح منظمة دولية حكومية تسهم في تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي ويحقق الاستغلال الأمثل لموارده، ويهدف المنتدى إلى إنشاء سوق غاز إقليمية، وتحسين العلاقات التجارية وتأمين العرض والطلب بين الدول الأعضاء، وتسريع الاستفادة من الاحتياطيات الحالية والمستقبلية، من خلال تصدير الطاقة الكهربائية الفائضة في مصر إلى دول الجوار العربي والأفريقي وتحقيق الربط الكهربائي مع القارة الأوروبية عبر كل من قبرص واليونان، بما يتبع توفير مصادر طاقة موثوقة ونظيفة إلى الدول الأوروبية في مرحلة شديدة الحساسية على ضوء تحديات أمن الطاقة الناجمة عن الأزمة الأوكرانية.

ورحب الدكتور مصطفى مدبولي بمشاركة القطاع الخاص الدولي في تمويل جهود مكافحة تغير المناخ لجسر الفجوة التمويلية الكبيرة في هذا المجال، وإتاحة مساحة أكبر للشركات الدولية وفق ضوابط ومعايير محددة للمشاركة في فعاليات قمة COP 27، لافتًا إلى أن مصر نجحت في الاتفاق مع عدد من الشركات الدولية الرائدة في هذا المجال، لرعاية المؤتمر وتنظيم فعاليات على هامشه، مؤكدًا تطلع مصر إلى دعم ومشاركة القطاع الخاص الأمريكي في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة باعتباره أحد أوجه التعاون الواعدة خاصة في ظل وجود شركات مصرية لها خبرة طويلة في هذا المجال.

واختتم رئيس الوزراء حديثه بالإشارة إلى أن مصر نجحت في إصدار السندات الخضراء كأول دولة في منطقة الشرق الأوسط خلال عام ٢٠٢٠ بقيمة ٧٥٠ مليون دولار، وبما يساهم في بناء مستقبل أفضل ليس لبلدينا فقط وإنما لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لكافة الدول المشاركة.