نبيل نعوم يكتب: لمن يزأر الأسد؟
آخر تحديث: الجمعة 25 يونيو 2021 - 10:15 م بتوقيت القاهرة
كان فى المعتاد أن يزأر الأسد مبينا لقوته وجبروته فى الغابات، أو فى الصحارى، أو فى الأحراش الخضراء حيث ترعى الغزلان. وأيضا للأسف فى حدائق الحيوان، محبوسا محروما من نعمة الحرية، محكوما عليه بالتردد من جانب إلى الآخر فى قفص محكم الإغلاق. كما كان الأسد أيضا فى كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع رمزا للملك ضعيف الشخصية الذى يغتر بالمظاهر الكاذبة، ولا يزن الأمور، ولا يتأكد من صحة ما ينقل إليه من حاشيته أصحاب السوء، كقتل الأسد الملك للثور البرىء ظلما، وذلك من تحريض دمنة.
ويعتبر الأسد أحد أشهر العلامات التجارية، بظهوره كمقدمة لأفلام شركة جولدن مترو ماير منذ حوالى مائة عام. وقد بدأت المقدمة بأسد بلا حركة فى الأفلام الصامتة، الأبيض والأسود فى عام 1924. ولم يكن أسد مترو جولدن بأسد واحد إذ استعانت الشركة بعدد من الأسود، ولعل أشهرهم هو الأسد ليو الذى يظهر فى الشعار منذ عام 1957 حتى الآن. وهناك صورة فوتوغرافية ظهر فيها المخرج المشهور هيتشكوك فى عام 1958 وهو يعطى عددا من التعليمات للأسد (بالطبع لمدربى الأسد) وقت تصوير المقدمة.
وأخيرا اشترت شركة أمازون شركة مترو جولدن ماير بمبلغ 8,45 مليون دولار. وقد يبدو هذا المبلغ كبيرا لشراء استوديو لتصوير الأفلام، حتى لو كانت له شهرة أسطورية. ولكن بهذا العقد تم لشركة أمازون امتلاك الحقوق التجارية والفكرية لكل تاريخ إنتاج الشركة منذ أيام السينما الصامتة والذى يشمل لا أقل من 4000 فيلم طويل منها مثلا فيلم ذهب مع الريح، وقصة الحى الغربى وثلاثية الهوبيت وبعض أفلام هيتشكوك مثل شمالا إلى الشمال الغربى، وامتيازات أفلام جيمس بوند وذلك إلى جانب حوالى 17000 ساعة لبرامج تليفزيونية منها فايكينجز وفارجو. وفى تاريخ الشركة الطويل حصلت أفلامها على 180 جائزة أوسكار و100 جائزة إيمى. وتبعا لذلك وكما تقول شركة أمازون فى دعايتها عن نفسها «بإمكانك تقريبا شراء أى شىء عن طريق أمازون»، يمكن الآن قول «يمكن لأمازون تقريبا شراء أى شىء ترغب فيه». ولفهم أهمية أن يشترى جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون شركة مترو جولدن ماير، نرجع إلى ما قاله فى وقت مناقشته عن سبب شرائه (بريما فيديو): «حين نفوز بجائزة الجولدن جلوب، يساعدنا ذلك فى بيع المزيد من الأحذية». والمعروف أن جيف بيزوس هو الآن أغنى رجل فى العالم وتقدر ثروته بحوالى 177 مليار دولار، وحسب قانون التجارة والمكسب والخسارة إذا أنتجت شركة أمازون فيلما ناجحا ويفوز بجائزة الأوسكار أو الجولدن جلوب فالشركة حينها ستبيع المزيد من الأحذية والبضائع الأخرى، وكما أنفقت شركة أمازون فى العام الماضى حوالى 11 مليار دولار على شركة بريما فيديو بين شراء حقوق وإنتاج برامج، فإن شراء جولدن مترو ماير سيضاعف من مكتبة شركة الفيديو مما يؤدى إلى المزيد من المشاهدين المشتركين وذلك فى المنافسة مع شركة نتفليكس أو ديزنى. ومترو جولدن ماير كنز لا يفنى بكل ما فى حوزة الشركة من أفلام وبرامج، والحقوق الفكرية لأفلام مثل جيمس بوند أو روكى. وهكذا، وكما من قبل، يصبح المال والاقتصاد هما وسيلة التحكم فى فكر وجيب المستهلك. ولكننا نفاجأ أخيرا بما فعله لاعب الكرة المشهور كريستيانو رولاندو حين نحى زجاجتين كوكاكولا جانبا، وتناول زجاجة مياه معدنية، وذلك فى لقاء تلفزيونى معه فى اليوم السابق لمباراته فى المجر، وبسبب هذا فقدت بعدها شركة كوكاكولا الأمريكية الراعية الرسمية لبطولة أمم أوروبا ما يقرب من 4 مليارات دولار. وبعد رونالدو قام اللاعب بول بوجبا بإزاحة زجاجة بيرة غير كحولية من أمامه أثناء المؤتمر الصحفى التلفزيونى معه بعد مباراة فرنسا وألمانيا. ولأن الأمر يتعلق بخسارة الشركات الراعية لهذه البطولة، فقد علق البعض بأن مثل تلك الأفعال ضد قوانين المصلحة التجارية للشركات المساهمة فى رعاية البطولة، وعلى هذا يجب تنبيه أو عقاب اللاعبين وإلا كيف ستنجح الهيئة المشرفة على هذه البطولة من طلب مساهمة شركة مثل كوكاكولا فى المستقبل. وكما يقول المثل «التجارة هى التجارة Business is business »
أما فى مصر فللأسد تاريخ خاص يتوازى مع تاريخ سيرك الحلو بنجومه من الرجال والنساء المعروفين بتاريخهم الطويل فى تدريب الحيوانات. فقد أنشأ محمد على الحلو أول سيرك عربى فى عام 1889. وفى بداية القرن العشرين قام حسن الحلو ومحمد الحلو بتقديم فقرة مع أسدين، وقد حضر الملك فاروق أحد العروض وأعجب بها وبعدها منح حسن لقب الباكوية ليصبح حسن بك. وبعد ثورة 23 يوليو افتتح السيرك القومى فى عام 1966 حيث استمرت عائلة الحلو فى المشاركة فى برامجه. ومع عائلة الحلو وترويض الأسود نرى أجيالا من المدربين والمدربات كالراحل محمد على الحلو الذى كان يعمل فى السيرك القومى فى العجوزة فى فترة السبعينيات وكان يعد من أشهر مدربى الأسود، ولكنه لقى مصرعه فى منتصف الثمانينيات عندما انقض عليه الأسد سلطان. وهنالك محاسن الحلو أول امرأة عربية تروض الحيوانات المفترسة والتى استمرت كلاعبة ومدربة على مدى 55 عاما فى السيرك، وابنها المدرب مدحت كوته الذى قدم عروضا مختلفة مع الأسود مثل القفز فوق الحواجز، أو داخل الطوق المشتعل بالنار، وأيضا ركوب الأسد والقفز به من فوق ظهر خمسة أسود آخرين. وهنالك أيضا مدربة الأسود فاتن الحلو التى أسست السيرك المصرى الأوروبى، وقد دخلت قفص الأسود منذ التاسعة من عمرها وتعد من أشهر المدربات على مستوى العالم. والآن هنالك أنوسة الحلو ولوبا الحلو وهما من أصغر مدربى الأسود فى مصر وقد ورثتا بجدارة مهارة جدتهما مروضة الأسود محاسن الحلو.
وفى النهاية لمن يزأر الأسد؟