«مريم خلت أمومتى تكتمل».. نادية من دمنهور تفتح قلبها وتحكى رحلة 12 عامًا من الوجع انتهت بحضن طفلة
آخر تحديث: الخميس 25 سبتمبر 2025 - 11:02 م بتوقيت القاهرة
آية عامر
نادية، 39 عاما، من مدينة دمنهور، ملامحها بسيطة، لكن عينيها تحملان خليطا من الحزن والحنين والرضا فى الوقت نفسه، وهى تتحدث، كان صوتها أحيانا ينكسر وتعلو نبرته بالبكاء المكتوم، عندما تتذكر طفلتها «مريم» التى صارت اليوم محور حياتها.
قالت نادية، وهى تضغط على أصابع يديها وكأنها تحاول تثبيت كلماتها: «تزوجت فى سن السابعة والعشرين، ومضت 12 سنة كاملة من دون أن يكون لدينا طفل، جربنا العلاج والأطباء وكل ما يمكن تخيله، لكن الله لم يكتب نصيبا، كنت أستيقظ كل يوم على أمل، وأخلد للنوم وأنا موجوعة، كأننى ناقصة أمرا كبيرا».
تأخذ نفسا عميقا وكأنها تعود بذاكرتها لليالٍ طويلة من الوحدة: «فى يوم، جلسنا أنا وتامر زوجى وقلنا: لماذا لا نجرب الكفالة؟ طفل يحتاج إلى حضن، ونحن نحتاج أن نعطى حبا، شعرت وقتها أن هذا الطريق الذى أرسله الله لنا، لكن الطريق لم يكن سهلا على الإطلاق».
صوتها يهتز وهى تكمل: «قدمت مرتين لأكفل طفلا، وفى كل مرة يقابل طلبى بالرفض، كانوا يقولون: الأوراق ناقصة أو الشروط غير متحققة نتيجة اننا مش متعلمين وشقتنا ايجار جديد، ثم وأعود لأنتظر عاما أو عامين، كأننى واقفة فى طابور لا نهاية له، شعرت أننى لن أحقق حلمى أبدًا».
تستكمل نادية حديثها لتقول: «جاءت جائحة كورونا، وتوقفت الحياة كلها، وبقينا فى بيوتنا، كنت جالسة وحدى فى عز الحظر، شعرت أن قلبى سيتوقف من الوحدة، بالمصادفة وجدت مجموعة على «فيسبوك» اسمها (الاحتضان فى مصر)، دخلت وكتبت: أنا نفسى أكون أم، حتى لو لست متعلمة كثيرا، لكن لدى قلب ممتلئ بالحب، ومن هنا بدأ الناس يساعدوننى وتم تعديل واستثناء بعض الشروط اللى كانت ترفضنى أنا وزوجى».
تبتسم ابتسامة قصيرة كأنها لمعة أمل وسط الكلام: «فى يوم، أخبرونى أن هناك مكانا فى دمنهور يمكننى أن أذهب لرؤية الأطفال، عندما دخلت شعرت أن قدمى لا تحملانى من الخوف والفرحة، هناك وجدت طفلة صغيرة، أربع شهور، مريضة ومهملة، عيناها حزينة، جسمها ضعيف، أول ما رأيتها انجذب قلبى إليها فورا، كأنها كانت تنتظرني، عندما لمستها شعرت بشىء لم أشعر به من قبل، كأن حضنى وجد مكانه».
لكن التحديات لم تنته، تقول نادية: «بعد أن كبرت قليلا، بدأت تمر بحالة غريبة، كانت تبكى بشكل هستيري، تستيقظ مفزوعة فى الليل، وتبتعد عنى ولا تريد الاقتراب».
وتضيف نادية: «ذهبت إلى طبيب نفسى، وأخبرنى أن مريم تعانى من «متلازمة التخلى»، فالطفل يشعر أنه تُرك، فيتألم من داخله، ومن هنا بدأت أتعلم كيف أتعامل معها، كنت أحتضنها كثيرًا وأكرر لها: أنا أمك، أنا هنا معك، أنت لست وحدك، ومع الوقت بدأت تفتح قلبها لى».
صوتها يتغير وتدخله لمسة رضا: «زوجى كان سندًا لى، قبل حتى أن نستلمها، كان يشترى لها ملابس العيد وكان متأكدا أن الموافقة ستأتى قبل العيد وأنها ستحضر العيد معهم، أحيانًا عندما أراه يلاعبها أشعر أننى عشت اللحظة التى كنت محرومة منها، صحيح أننا تعبنا كثيرا فى هذا المشوار، لكن مريم غيرت حياتنا، دخلت بيتنا ومعها النور».
تبتسم ومريم تقاطع حديثها بلعبها: تقول: «اليوم مريم عندها خمس سنوات ونصف السنة، وعندما تنظر إلىّ وتقول ماما، أشعر بأن الدنيا كلها تبتسم لى، لم أنجب ببطن، لكن قلبى ولد بها، مريم جعلت أمومتى تكتمل».
رغم أن نادية وتامر يفكران فى كفالة طفل آخر، فإن الشروط عادت لتصعب الأمر، وأهمها شرط التعليم للزوجين، تقول نادية: «أتمنى أن يكون هناك وعى أكبر، وأن يفهم الناس أن هناك أطفالًا يحتاجون فقط إلى حضن، وليس شرطا أن تكون لديك شقة تمليك أو شهادة جامعية كى تكون أبا أو أما».